هل حقاً يحبونها؟ «ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمناً لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغَناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التى استبدت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأقضّت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس فى سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم يوما من الأيام»، هكذا خاطب حسن البنا مرشد الإخوان جموع الشعب المصرى، وكثيراً ما تمثل الإخوان تلك المقولات التى لا تعكس سوى الحب لهذا البلد، والسعى لرفعته وللتضحية فى سبيل عزته، فإلى أى حد صدقوا فى حب هذا البلد والحرص على مستقبله، ولم نرَ من آثار هذا الحب سوى تقسيم البلد إلى فسطاطين؛ الأول اصطفوا فيه هم وأنصارهم، والآخر ضم باقى الشعب الذى نعته شيوخهم بالكفر والنفاق؟ وهل صدقت أفعالهم هذا التجرد للمصلحة العامة الذى وصفها البنا فى كلماته، أم كان السلوك طوال الوقت هو سلوك الأثَرة والأنانية والحرص على احتلال كل مناصب الدولة، دون سند من خبرة أو كفاءة اللهم إلا ثقة التنظيم ورجاله؟ هل تستطيع حب أحد لم تعرفه؟ هل يعرف الإخوان حقيقة هذا البلد؟ هل يدركون روحه الحقيقية، التى هى سبيكة فريدة هضمت كل حضارات الدنيا، وظلت عفية بهية تتيه على الدنيا بجمالها، تصد الغزاة وتسحر ألباب أمم الأرض، وهى تبنى وحدها قواعد مجد يلتفون هم عليه الآن، انتصاراً لنموذج بائس عنوانه السودان أو باكستان أو أى تجربة فاشلة صنعوها، بعد أن خدروا وعى أنصارهم واختبأوا فى ثوب المظلومية رافعين راية الجهاد، ضد مؤامرة تستهدف استئصال شأفة دين لم يحسنوا التعرف عليه بعد، واستخدموه شعاراً ومطية دون أن يتقمصوه خلقاً وسلوكاً للرحمة والهداية، لا للحرب والبغضاء؟ ماذا قدمتم للإسلام بوجودكم فى الحكم سوى إغراق الناس فى اليأس من المستقبل والخوف على طبيعة هذا البلد، من زحف الأنماط الصحراوية الفقيرة التى رفعتم شعاراتها، حين زينتم للناس بدين مغلوط أن الدنيا دار شقاء وعنت وأنكم ستأخذونهم إلى الجنة، فأحلتم حياتهم جحيماً بضيق عقولكم وفقر أرواحكم؟ لو كنتم حقاً صادقين فى حبكم لهذا البلد لتأخرتم عن السلطة ومارستم دور دعاة الخير الذين يدلون الناس عليه بحالهم وليس بمقالهم، لقد ذم الله بنى إسرائيل بقوله: «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ»، وأنتم تفعلون ذلك تُهرعون إلى مقاعد الحكم وتلتصقون بالسلطة، ومكانكم الأكثر شرفاً هو فى دُور التربية والإرشاد، حيث المسجد والمدرسة والشارع، هذه ميادين الجهاد الحقيقية التى أثنى عليها النبى (صلى الله عليه وسلم) بقوله: «إن الملائكة لتصلى على معلم الناس الخير».. كنا نظنكم حركة تربوية دعوية ندبت نفسها للتمكين للقيم بالدعوة إليها والاستقامة عليها، لا المنافسة على تطبيقها بسيف الحكم ثم الادعاء بعدها أنكم تحبوننا.