«أصيبت سامية جمال بتسمم حاد بعد يوم واحد من وصولها ليب.. لير.. ليبر... - دى بلد اسمها ليبيريا يا صلاح. - من وصولها ليبيريا لإحياء 12 حفلة خلال شهر واحد». لم يصدق الوالد أن ابنه الصغير استطاع أن يقرأ الخبر بمفرده، ولم يتلعثم إلا فى كلمة واحدة، ونجح فى اجتياز الاختبار الذى أجراه له والده ليتأكد من استعداده للانتقال من المدرسة الأولية فى قرية «بشلا» - دقهلية، إلى القاهرة، للالتحاق بالتعليم الأساسى هناك مثل بقية إخوته. رغم أن هوايات الطفل الصغير لا تخرج عن اللعب مع أصدقائه والجرى وسط الحقول والزراعات كحال أى طفل فى عمره، فقد فتح والده أمامه بابا جديدا للترفيه هو القراءة، وذلك من خلال الخبر الذى أجبره على قراءته فى زاوية «للفن فقط» بمجلة روزاليوسف. أخذ الصغير يقلب فى المجلة يمينا ويسارا، يمتع عينيه بصور المشاهير، بل ويدفعه فضوله إلى محاولة قراءة باقى أخبار المجلة، وساعده فى ذلك والده الذى حاول فيما بعد إشباع هذا الاهتمام بإحضار جميع الصحف والكتب والروايات التى يطلبها أو التى تطرح فى الأسواق. منذ ذلك اليوم لم يخرج الطفل من بيته للعب؛ فقد صار يقضى وقت فراغه فى شىء آخر، ورغم محاولات جيرانه وأطفال العائلة إقناعه باللعب معهم قرر أن يقضى فترة إجازته فى التنزه بين صفحات القصص والروايات. يتابع الصحف بشغف بالغ، خاصة الأخبار المتعلقة بحرب فلسطين 1948. فترة الدراسة وأيام الامتحانات لم تكن تصرفه عن الكتاب، فلا يزال يتذكر ذلك اليوم الذى خرج فيه من امتحان اللغة العربية مسرعا ليشترى رواية «الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوى، وكان قد سبق له أن قرأ فصولا منه حين كانت تنشر فى جريدة «المصرى» التى كان والده حريصا على إحضارها للمنزل للاطلاع عليها؛ حيث كانت ميوله وفدية. - ها.. عملت إيه فى الامتحان النهارده؟ = الحمد لله كان كويس. - طب مستعد لامتحان الكيميا بكرة؟ = آه طبعا.. أنا أهو قاعد والله بذاكر.. حتى شوف. لاحظ الوالد مظاهر توتر بدت على وجه وتصرفات ابنه وهو يرد عليه، اقترب منه وأخذ من يده الكتاب ولم يصدق عينيه حين وجد رواية «الأرض» داخل كتاب الكيمياء، ومنذ ذلك الحين بدأ الأب يحاول جاهداً صرف ابنه عن الهواية التى غرسها فيه منذ كان صغيرا. فى أيام كثيرة كان يشعر بتأنيب ضمير لأنه تسبب فى ابتعاد ابنه عن دروسه، وبمرور الوقت صار الطفل شابا يافعا، ينتقل من رواية إلى أخرى، ويجد ضالته وسط الصحف والأخبار ولسان حاله يقول: «شكرا والدى.. لا تعتقد أنك أضررتنى.. لقد أفدتنى وخلقت منى شخصا مختلفا». - اجتماع مجلس التحرير هيبدأ إمتى يافندم؟ بقول لحضرتك الاجتماع إمتى؟ هنا انتبه إلى حديث رئيس قسم الأخبار، بعد أن كان غارقاً فى ذكريات طفولته الجميلة التى راودته بمجرد أن قرأ زاوية «للفن فقط» فى مجلة روزاليوسف، التى يحرص على أن تكون ضمن الصحف الموضوعة على مكتبه. هو الكاتب الصحفى صلاح عيسى.