مع مطلع السبعينات فى مصر بدأ انتشار الصندوق الخشبى الذى ينقل الصور فى البيوت، كان حدثاً أن يجلس أهل المنزل متحلقين حول الشاشة الصغيرة يتابعون مسلسلاً أو يشاهدون خطبة سياسية، التليفزيون الساحر الذى اقتحم البيوت، ومعه دخل طارق حبيب لكل منزل، بشعره المصفوف بعناية، وجبهته المغمورة بتعاريج دقيقة، وصوته الرخيم، من خلال برنامج «اتنين على الهوا»، وبرامج لم تتوقف حتى رحل عن عالمنا بالأمس، مخلفاً وراءه تاريخاً إعلامياً سيظل نبراساً يهتدى به الطامح فى الكفاءة الصحفية، و«مع أجمل المنى وأرق تحياتى» جملته الأثيرة المحفورة فى وجدان المشاهدين. كان طارق يقدم برنامج «أوتوجراف»، وعندما يعود للمنزل عقب الحلقة، يأتيه اتصال هاتفى من الموسيقار محمد عبدالوهاب، يثنى عليه، حينئذ يشعر حبيب بأنه وصل عنان السماء، فموسيقار الأجيال يعجبه أداؤه، حتى كانت مكالمة هاتفية طلب فيها المذيع أن يكون عبدالوهاب ضيفه، رغم ندرة الظهور الإعلامى للفنان الكبير، إلا أن «حبيب» كانت لديه قدرة على إقناع الضيوف وكسب احترامهم، من خلال كسب احترام المشاهد أولاً، أدرك المذيع أن النجاح لا يأتى من خلال الضيف، بل عبر بوابة المشاهد، الجمهور يمنح النجاح. ساعة حصد نجيب محفوظ جائزة نوبل، تسارعت وكالات الأنباء العالمية لنيل حوارات مع الأديب العربى الوحيد الفائز بالجائزة، فكان رد محفوظ «ارجعوا لتسجيلاتى مع طارق حبيب ففيها قلت كل شىء يمكن قوله». كان حبيب يعرف كيف يُخرِج من الضيف ما لا يعرفه الناس، استن سنة الكواليس والخبايا الدفينة للنجوم، التى لا يبوحون بها للشاشة، لكن المذيع المخضرم جعل نجيب محفوظ يغنى لمنيرة المهدية ويعزف على القانون، وجمعه وتوفيق الحكيم على شاطئ الإسكندرية، يجعل الضيف لا يحس أنه أمام كاميرا تلتقط كل تفصيلة يؤديها. لا يخشى الموت، آمن أن الشاشة يجب أن تنقل كل شىء، حين قام بعملية جراحية لقلبه، أصر على تصويرها قائلاً: «أنا أول مذيع بالعالم يقدم للجمهور عملاً قام هو ببطولته وأعده القدر». ولد حبيب عام 1936، ورغم حصوله على ليسانس الحقوق، فإنه أدرك أنه قد يدافع عن الناس من منبر الصحافة، فعمل ب«الأخبار»، وبالقسم الرياضى ب«الأهرام». لم يهتم صاحب الوجه البشوش بالأدباء فحسب، بل كانت السياسة لها حظوة من شغفه فقدم «الملفات السرية لثورة يوليو» وكان أول من يحاور الملكة ناريمان متحدثة عن كواليس الملك فاروق، وقدم برامج عديدة منها: «فلاش» و«أهلاً وسهلاً» و«طارق حبيب يتذكر». فارقت روح طارق حبيب بعد 77 عاماً ظلت بجسده، لكنه سيظل محفوراً فى كل بيت عندما يستبد الحنين بمحبى محمود المليجى، أو يرغب شباب الأدباء فى مطالعة طه حسين، أو يحب جمهور الأهلى استرجاع ذكريات صالح سليم، أو يريد السياسيون رؤية نيلسون مانديلا.