زيارة راشد الغنوشى زعيم حزب حركة النهضة الذى يتولى السلطة فى تونس إلى مصر مع تعثر التوافق الوطنى المصرى الثانى على الجمعية التأسيسية للدستور كان بهدف نصح إخوان مصر أنه لا يجوز لهم أن يحتكروا السلطة فى مصر، كما لا يمكنهم أن يحكموا وحدهم، وأنه لا بد من بناء توافق وطنى حول الدستور والحكم معا. جاء الغنوشى إلى مصر يصحبه المفكر القومى منير شفيق، ووزير الخارجية التونسى صهر الغنوشى رفيق عبدالسلام والتقى الغنوشى المرشد العام للإخوان وقادة حزب الحرية والعدالة وكان نصحه لهم أنه لا سبيل مفروشة أمامهم ليحكموا مصر وحدهم، عليهم أن يتوافقوا مع ممثلى القوى الشعبية فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى . الديمقراطية كما يراها الإسلام -وفق الغنوشى- هى عامل استيعاب كل القوى السياسية على أرضية وطنية، فالقوى الإسلامية هى جزء من قوى مجتمعية أخرى علمانية وليبرالية عليها التوافق معها والعمل وفق أجندة وطنية بعيدا عن الانقسام الرأسى والتصنيف الأيديولوجى والعقائدى، وحين تضع تلك القوى الإسلامية نفسها فى مواجهة قوى المجتمع الأخرى فإنها هنا لا تعبر عن الإسلام لأنها ستكون عنصر فرقة وانقسام فى المجتمع، وفى وقت الثورات فإن تغليب عناصر التوافق ووحدة الأوطان هى مطلوب الإسلام. كانت تجربة تونس فى الحكم بعد الثورة حاضرة على طرف النقاش الذى أجراه الغنوشى مع الإخوان المسلمين فى مصر، فهناك إسلاميون فى تونس حصلوا على الأغلبية ولكنهم رفضوا احتكار السلطة وتقاسموها مع قوى علمانية يمثلها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذى كان يترأسه منصف المرزوقى (رئيس الجمهورية) وحزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات الذى يترأسه مصطفى بن جعفر (رئيس المجلس الوطنى التأسيسى)، ويمثل حزب حركة النهضة رئيس الوزراء حمادى الجبالى. لم يصغ الإخوان فى مصر لصوت الإخوان فى تونس، ومضوا فى طريقهم يتصورون أنهم يمكنهم وحدهم حكم البلاد بدون مشاركة من القوى السياسية الأخرى فى مصر، يقول إخوان مصر عن أنفسهم إنهم لا يتقبلون النصح من الخارج وإن أهل مكة أدرى بشعابها، وإنهم قادرون وحدهم على حكم مصر دون بناء ائتلاف واسع مع مخالفيهم السياسيين. لم يكد الغنوشى يعود أدراجه إلى بلاده بعد أن وصف بعض اجتهادات الإخوان فيما يتعلق بالمرأة والأقباط بأنها «ردة فقهية»، حتى فقد الإخوان البرلمان وفقدوا التأسيسية ويواجهون وحدهم مصيرا صعبا فى مواجهة الدولة المصرية فى الانتخابات الرئاسية. عصبوية التنظيم وسلفيته فى مصر حالت بينه وبين القدرة على التأثير، وأصبح الإخوان فى تونس نموذجا يسبق بخطوات إخوان مصر، لم يعد المشرق منارة التأثير وإنما المغرب.