اعتماد برنامجي علم الحيوان والبيوتكنولوجي والبيئة البحرية بكلية علوم جامعة قناة السويس    «الجبهة الوطنية» يطلق مؤتمرًا لريادة الأعمال ببورسعيد.. والمحافظ يشيد بدعم الشباب    وزارة الاتصالات تشارك في ملتقى «فرصة حياة» لدعم التمكين الرقمي للشباب    أكثر من 19 مليون طفل في الاتحاد الأوروبي معرضون لخطر الفقر والإقصاء الاجتماعي    «الجبهة»: حملات توعوية لتعزيز السلوك البيئي المستدام وتفعيل التعاون مع الجهات الحكومية    بعد استهداف ترامب هارفارد.. ما حدود تدخل الإدارة الأمريكية في حرية الجامعات؟    "فتح": قرار الاحتلال بالمصادقة على بناء 22 مستوطنة تحدٍ مباشر للقانون الدولي    عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب الحكومة بتفسير سياستها    «مفاجأة» حول تجديد عقد إمام عاشور مع الأهلي    إنفوجراف| بعثة القرعة تقدم إرشادات صحية لحجاجها قبل يوم عرفات ومنى    المشدد 7 سنوات لعامل خردة لحيازته سلاح ناري وإصابته سيدة ووفاتها بشبرا الخيمة    أحمد غزي عن «المشروع X»: مفيش حد أحسن مننا    عضو الحزب الجمهوري الأمريكي: إيران على استعداد لتوقيع أي اتفاق نووي لرفع العقوبات    مصطفى كامل يطرح أحدث أغانيه "كتاب مفتوح" | فيديو    الصور الأولى من حفل خطوبة مصطفي منصور و هايدي رفعت    «العقل لا يستوعب».. أول تعليق من أكرم توفيق بعد رحيله عن الأهلي    6 اختبارات منزلية لاكتشاف العسل المغشوش.. خُذ قطرة على إصبعك وسترى النتيجة    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    «حماية المستهلك»: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة وتحرير 44 ألف مخالفة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    الطريق إلي عرفات|حكم الجمع بين العقيقة والأضحية بنية واحدة    "السادات أنقذهم ومساجين بنوا الملعب ".. 25 صورة ترصد 120 سنة من تاريخ النادي الأولمبي    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    صدمته سيارة.. تشييع وكيل الإدارة العامة للمرور في مسقط رأسه بالمنوفية (صور)    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    نائب رئيس الوزراء: قصر العينى أقدم مدرسة طبية بالشرق الأوسط ونفخر بالانتماء له    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى بكرى يكتب: «المرشد» عرض على «الجنزورى» الترشح للرئاسة بشرط أن يختار «الشاطر» نائباً له
«الوطن» تنشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى: «الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار»
نشر في الوطن يوم 11 - 05 - 2013

بعد لقائها الرئيس محمد مرسى يوم السبت ‬14 ‬يوليو 2012، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أنها ستلتقى فى اليوم التالى، الأحد ‮‬15 يوليو، المشير حسين طنطاوى‮، ‬رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة‮، للتباحث بشأن ‬دور الجيش فى حماية الأمن القومى، والتحول الديمقراطى الذى حدث فى مصر، وسبل تسليم السلطة‮. ‬
استفزّت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية أعضاء المجلس العسكرى وقادة الجيش، وأثارت استياءً ‬عارماً فى الشارع المصرى؛ حيث بدت وكأنها تمثل انحيازاً واضحاً لطرف ضد طرف، وتدخلاً ‬سافراً فى الشئون الداخلية المصرية‮.
لم يكن ذلك هو الموقف الوحيد لوزيرة لخارجية الأمريكية؛ فقد عبرت عن تدخلها السافر فى شئون البلاد قبل ذلك أكثر من مرة‮؛ ففى العشرين من يونيو 2102، وبعد إجراء الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية راحت كلينتون تمارس ضغوطها ‬على المجلس العسكرى بقصد إرهابه وإخافته؛ حيث قالت خلال اجتماع لها بحضور وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جيمس ‬بيكر‮: «نعتبر أنه من الضرورى أن يفى الجيش بالوعد الذى‬ قطعه على نفسه أمام الشعب المصرى بتسليم السلطة إلى الفائز الشرعى فى الانتخابات التى جرت يوم الأحد 71 ‬يونيو».
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية‮: «إن ما قامت به السلطات ‬العسكرية المصرية خلال الأيام الماضية ‬يُعَدُّ ‬من الأمور المزعجة بوضوح»، مشيرة إلى أنه «يجب أن يتبنى‬ الجيش دوراً مناسباً ‬غير دور التدخل والهيمنة أو محاولة إفساد السلطة الدستورية».
وقالت‮: «إن العسكريين الذين ‬يحكمون مصر لم يكفّوا عن قول الشىء فى العلن، ثم التراجع عنه فى الخفاء بطريقة ما، لكن رسالتنا هى دائماً نفسها‮.. ‬يجب أن يحترموا العملية الديمقراطية».
أما صحيفة «نيويورك تايمز‮» ‬فقد راحت هى الأخرى ‬بعد إعلان النتيجة تحرِّض على طريقتها؛ حيث بدأت تعليقها فى هذا الوقت بالقول‮: «إن المشكلات حول السلطة ستبدأ‬ بعد أداء محمد مرسى -المنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين- اليمين الدستورية بوصفه أول رئيس مصرى منتخب انتخاباً ديمقراطياً، وإن هذا ربما سيكون إيذاناً بمرحلة جديدة من الصراع لتحديد مستقبل الدولة بعد عقود من الاستبداد المدعوم عسكرياً». وقالت‮: «إن أول ما يتوجب على‬ مرسى أن يفعله الآن هو انتزاع السلطة من العسكر الذين حكموا مصر منذ خلع حسنى مبارك». لم يكن التحريض الأمريكى ضد الجيش المصرى وليد التو أو اللحظة؛ فأمريكا كانت دوماً تستهدف الجيش المصرى، وليس سراً أنها كانت تمارس هذه الضغوط على قيادة الجيش منذ تسلمها السلطة من الرئيس السابق حسنى مبارك‮. ‬
فى المقابل، لم يكن الموقف الأمريكى من دعم جماعة الإخوان المسلمين وليد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإنما ‬يمتد هذا الموقف إلى عام ‬2005 ‬تحديداً، عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس أن الولايات المتحدة ليست ضد وصول الإسلاميين للسلطة فى مصر‮.
وعندما جاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما ليلقى خطابه إلى العالم العربى والإسلامى من جامعة القاهرة فى 4 يونيو 2009، كان لديه تصميم على دعوة ممثلى جماعة الإخوان المسلمين (‬المحظورة‮) ‬لحضور الخطاب والجلوس فى الصفوف الأولى، وهو ما دفع الباحث الأمريكى رايموند ستوك،‬ الذى أعد بحثاً لمعهد دراسات الشئون الخارجية الأمريكية إلى القول‮: «إن دعوة أوباما لهذه الجماعة وفى هذا الوقت‬ كانت تعنى إشارة ضمنية بإقصاء مبارك الذى استضاف أوباما رسمياً، وهو ما دفعه إلى عدم حضور الخطاب‮». ‬ وقال الباحث الأمريكى‮: «إن مصر فهمت هذه الدعوة على أن‬ أوباما يقول للإسلاميين (‬أنتم المستقبل‮)‬، وهو ما أثار ‬غضب القاهرة فى هذا الوقت‮». ‬
ولم تنسَ واشنطن للمجلس العسكرى موقفه من قضية التمويل الأجنبى؛ فقد كان المجلس هو الذى وقف خلف إثارة هذه القضية التى أساءت إلى سمعة الولايات المتحدة داخل مصر وعرقلت مخططاتها لإثارة الفوضى بعد نجاح الثورة المصرية؛ حيث كانت الإدارة الأمريكية تراهن فى هذه الفترة على إثارة القلاقل فى البلاد، مما يؤدى إلى انتشار العنف وتراجع سلطة الدولة وتفكيك مؤسساتها‮. ‬
لقد كلف المجلس العسكرى فى الأشهر الأولى التى تلت نجاح الثورة وتحديداً فى شهر يونيو عام ‬2011 ‬بتشكيل لجنة تقصى حقائق حول التمويل الأجنبى لعدد من منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجالات تنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ لوضع حد للأموال التى تتدفق والأيدى التى تعبث داخل البلاد‮. ‬وبالفعل شكلت حكومة د. عصام شرف هذه اللجنة التى كان أحد أبرز أعضائها د. فايزة أبوالنجا؛ حيث أعدت هذه اللجنة تقريراً خطيراً أكد أن الأموال التى وصلت إلى هذه المنظمات فى الفترة من فبراير إلى نوفمبر 2011 قد بلغت حوالى ‬1200 ‬مليون جنيه، وأن هناك عدداً من المنظمات الأجنبية التى تلعب دوراً مشبوهاً فى عملية التحريض على إثارة القلاقل ودفع الأموال، من بينها‮: ‬المعهد الجمهورى الدولى الأمريكى، المعهد الديمقراطى القومى الأمريكى، منظمة بيت الحرية الأمريكى (فريدوم هاوس‮) ‬وغيرها.
وعندما قررت الجهات المعنية فى الخامس من فبراير ‬2012 ‬إحالة ‬44 ‬متهماً من المصريين والأجانب من بينهم نجل ‬وزير النقل الأمريكى إلى محكمة الجنايات وحظرت سفر بعضهم وداهمت مقرات ‬17 ‬منظمة أهلية أجنبية ومحلية، تسبب ذلك فى حدوث أزمة عنيفة بين الحكومة الأمريكية والمجلس العسكرى الذى حمّلته الأولى المسئولية عن هذه الإجراءات، وراحت الإدارة الأمريكية فى هذا الوقت تحرض جميع الدوائر الغربية والإقليمية على ممارسة ضغوطها على المجلس العسكرى بهدف‮ ‬إجباره على التراجع و‬وقف إحالة هذه القضية للمحاكمة و‬السماح لجميع الموقوفين بالسفر إلى بلادهم‮. ‬
سبق ذلك، وبالتحديد فى ‬الرابع من فبراير ‬2012، ‬أن التقت هيلارى كلينتون، على هامش مؤتمر أمنى دولى عُقد فى ميونيخ، وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو؛ حيث أدلت بتصريحات صحفية عقب هذا اللقاء قالت فيها‮: «إن الحملة الأمنية التى يشنها الحكام العسكريون فى ‬مصر على منظمات أهلية أمريكية ومحلية تدعو للديمقراطية من شأنها أن تهدد المعونات التى تقدمها واشنطن لمصر».
وقالت «كلينتون‮»: «‬نحن واضحون جداً، ونرى أن هناك مشكلات تنجم عن هذا الموقف من الممكن أن تؤثر على علاقتنا مع مصر، ونحن لا نريد ذلك‮». ‬وأضافت كلينتون‮: «لقد ‬عملنا بدأب خلال العام المنصرم على تخصيص المساعدة المالية وغيرها من أشكال الدعم للإصلاحات السياسية والاقتصادية فى مصر، وستتعين علينا مراجعة هذه الأمور بشكل دقيق عندما يحين وقت اتخاذ القرار، كى نقر إذا كنا سنخصص هذه الأموال من حكومتنا أم لا فى ظل هذه ‬الظروف».
واستطردت «كلينتون»: «إن الولايات المتحدة لا ترى أى مبرر للمداهمات التى قامت بها السلطات المصرية لمقرات منظمات أهلية فى مصر، والتى استولت خلالها على وثائق وأجهزة كمبيوتر إلى جانب قرارها بمنع عدد من الموظفين الأمريكيين من السفر»!
فى هذا السياق، أذكر أن المشير طنطاوى ‬قال لى: «الولايات المتحدة تمارس ‬ضغوطاً وتهديدات ضد مصر على خلفية قضية التمويل الأجنبى، وصلت إلى حد قطع المعونة العسكرية عن مصر ووقف توريد قطع الغيار للأسلحة المصرية‮». ‬
كانت المعلومات تتدفق إلى المشير طنطاوى حول الإجراءات التى تعتزم واشنطن القيام بها ضد مصر بالاشتراك مع حلفائها الغربيين على وجه التحديد، وكان المشير فى المقابل يقول‮: «المهم أننا أوقفنا تدفق الأموال ‬المشبوهة التى تأتى بطرق ‬غير مشروعة بهدف إثارة القلاقل فى البلاد».
كان الهدف فى هذا الوقت هو تقديم رسالة قوية للأمريكيين مفادها أن «المجلس العسكرى يعرف طبيعة الدور الخفى‬ لهذه الأموال وهذه التحركات التى تستهدف إيقاع البلاد فى حالة من الفوضى التى يمكن أن تؤدى إلى انهيار الدولة وتصدُّع أركانها‮». ‬
لقد جاءت «كلينتون» هذه المرة ‬14 يوليو ‬2012، أى بعد تسلم الرئيس محمد مرسى مهام السلطة بنحو نصف شهر لتقول‮: «إنه قد حان‬ الوقت ليسلم المجلس العسكرى السلطة كاملة إلى الرئيس المنتخب‮». ‬وقد عبرت عن ذلك فى التصريح الذى أطلقته عقب لقائها الرئيس مرسى، وقبيل لقائها المشير طنطاوى فى اليوم التالى عندما راحت تقول‮: «نحن ندعم عودة الجيش لأداء مهامه‬ فى حفظ الأمن القومى المصرى».
قبيل أن تصل كلينتون إلى القاهرة، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد حرّضت على الدعوة إلى مليونية تحمل عنوان «إسقاط الإعلان الدستورى المكمل»‬، وتولت الدعوة حركة «حازمون‮» ‬التى يتزعمها الشيخ حازم‬ أبوإسماعيل، وإلى جواره شاركت حركة «‬6 ‬أبريل» التى كان لها موقفها الرافض لدور المجلس العسكرى، وشارك أيضاً فى هذه المليونية بعض القوى الأخرى‮. ‬
كان الهدف واضحاً، يتلخص فى ممارسة المزيد من الضغط على المجلس العسكرى لتسليم السلطة كاملة ‬غير منقوصة إلى الرئيس مرسى، عبر إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، بغض النظر عن مدى دستورية وشرعية هذا الإجراء من عدمهما‮.
وفى صباح الأحد ‬15 ‬يوليو كان موعد لقاء الوزيرة الأمريكية مع المشير طنطاوى بمقر وزارة الدفاع؛ حيث حضر اللقاء عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فى مقدمتهم اللواء عبدالفتاح السيسى‮، عضو المجلس مدير ‬المخابرات الحربية، واللواء محمد العصار‮، عضو المجلس المسئول عن ملف التسليح مع الولايات المتحدة، ‬وآخرون، ولوحظ عدم حضور الفريق سامى عنان، رئيس الأركان، هذا اللقاء‮. ‬
استمر اللقاء قرابة الساعة؛ حيث بدأ بكلمة ترحيب من المشير طنطاوى، ردت عليها وزيرة الخارجية الأمريكية بتوجيه الشكر إلى الجيش المصرى على وقوفه مع الثورة وتصميمه على إجراء انتخابات نزيهة وتسليمه السلطة للرئيس المنتخب، إلا أنها قالت‮: ‬نتمنى أن يتم تسليم السلطة كاملة إلى الرئيس فى أقرب وقت ممكن، ليعود الجيش إلى ممارسة دوره فى حماية البلاد‮.
قال المشير طنطاوى‮: ‬نحن كنا صادقين فى وعودنا، ورغم جميع الضغوط التى مورست علينا والمؤامرات التى استهدفت إفشالنا فإننا صممنا على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بنزاهة وشرف، رفضنا الانحياز لأى طرف على حساب الديمقراطية والشفافية، وسلمنا السلطة فى موعدها‮. ‬
وعلقت كلينتون بالقول‮: لكن حتى الآن لم يجرِ ‬تسليم السلطة كاملة للرئيس المنتخب‮.
قال المشير‮: ‬الجيش ليس طامعاً فى السلطة‮.. ‬نحن مسئولون عن السلطة التشريعية بمقتضى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس ‬2011، فى حال ‬غياب مجلس الشعب، وبمجرد انتخاب مجلس الشعب الجديد فى ضوء الدستور الجديد، سوف نسلم السلطة التشريعية على الفور إلى ‬البرلمان‮. ‬
قالت كلينتون: ‬ولماذا لا يجرى تسليمها إلى الرئيس المنتخب؟‮!
قال المشير‮: ‬الرئيس مسئول فقط عن السلطة التنفيذية، أما السلطة التشريعية فى ‬غياب مجلس الشعب فهى تبقى فى حوزة المجلس العسكرى إلى حين انتخاب المجلس، وقد فعلنا ذلك من قبل فى ‬23 ‬يناير الماضى حين سلمناها للمجلس المنتخب، لكن بعد حل المجلس عادت السلطة مرة أخرى إلى المجلس العسكرى‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: ‬لكن هذا الوضع لا يلقى قبولاً فى الشارع المصرى، ومن شأنه إعاقة خطط الرئيس المنتخب فى تحقيق الديمقراطية‮. ‬
قال المشير‮: ‬الرئيس له كل الصلاحيات التنفيذية، لكن التشريع فى هذه الفترة هو من اختصاص المجلس العسكرى‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: إنهم يشتكون من خطورة الإعلان الدستورى المكمل، ويرون أن المجلس العسكرى يسعى إلى الانتقاص من سلطات الرئيس المنتخب‮. ‬
قال المشير‮: ‬هذا ليس صحيحاً، نحن ندعم الرئيس ونقلنا إليه السلطة كاملة فى 30 يونيو الماضى، والإعلان المكمل جاء لتنظيم بعض الأمور الخاصة بأداء الرئيس للقَسَم واختصاصات رئيس المجلس العسكرى داخل الجيش، وكذلك حقه فى تشكيل جمعية تأسيسية للدستور حال صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى ببطلان الجمعية الحالية‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: لكن هناك اتهامات بأنكم تدخلتم لحل مجلس الشعب.
قال المشير‮: ‬المحكمة الدستورية هى التى أصدرت الحكم، ولا علاقة للمجلس العسكرى بأحكام القضاء، ودورنا اقتصر فقط على إصدار قرار تنفيذى لهذا الحكم الباتِّ والنهائى، لكن ما يثار حول وجود دور للمجلس العسكرى أمر ‬غير صحيح بالمرة‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: ‬وأنا أود أن أعرب لك عن قلق الولايات المتحدة من إصرار المجلس العسكرى على التدخل فى شئون الحكم ومحاولة الانتقاص من سلطات الرئيس المنتخب‮.
قال المشير‮: ‬نحن نرفض هذا الكلام، ونرفض التدخل فى العلاقة بين الجيش ورئيس الدولة، أنا لا أرى مشكلة، وعلاقتنا بالرئيس جيدة، وكنا صادقين مع الشعب المصرى فى كل الوعود، ولا أفهم معنى محاولات التحريض ضد الجيش‮.
قالت «كلينتون‮»: ‬نحن لا نسعى إلى التحريض، لكننا نسعى إلى وضع حد للمشكلات الناشبة بين المجلس العسكرى ورئيس الدولة‮. ‬
قال المشير‮: ‬لا توجد أى مشكلات من الأساس، ليس لنا أى مطمع فى السلطة، وقد وفّينا بتعهداتنا، ولا يحق لأحد أن يحدد لنا دورنا فى بلدنا‮. ‬نحن نعترض على تصريحك أمس بدعوة الجيش إلى تسليم السلطة والعودة إلى دوره فى حماية الأمن القومى، نحن لم نسعَ ‬إلى السلطة، السلطة جاءت إلينا وأنتم اتصلتم فى هذا الوقت وقلتم إنكم لستم معترضين على تولى الجيش مهام السلطة فى البلاد عقب تنحى الرئيس السابق؛ لذلك لا نفهم معنى هذا التحريض وتصوير الجيش وكأنه اغتصب سلطة الرئيس‮.. ‬حقائق الوضع عكس ذلك تماماً‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: ‬نحن على ثقة أنكم ستسلمون السلطة التى فى حوزتكم فى أقرب فرصة إلى الرئيس‮. ‬
قال المشير‮: ‬نحن لدينا إعلان دستورى يحدد اختصاصاتنا، والجيش مسئول عن حماية البلاد وأمنها، وراعٍ ‬لتجربتها إلى أن ‬يتم الانتهاء من وضع الدستور، ثم تُجرى انتخابات مجلس الشعب، ساعتها سوف نعود إلى ثكناتنا‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: ‬لكن ذلك من شأنه أن يفتح الطريق أمام صراع مفتوح‮.. ‬لقد شاهدت مظاهرات كبيرة فى ميدان التحرير تطالبكم بتسليم السلطة وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل‮. ‬
قال المشير‮: ‬نحن نعرف مَنْ ‬يحرك هذه المظاهرات، لكن مسئوليتنا عن مراقبة وضع الدستور هى مسئولية تتعلق بأمن هذا البلد وحقوق فئاته المختلفة والحرص على مدنية الدولة المصرية، نحن لن نسمح لتيار واحد بأن يتولى وضع الدستور أو التحكم فى مصير البلد، هذا من صميم مسئوليتنا‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: لكن الرئيس يشكو من أن كثيراً من اختصاصاته لا تزال فى حوزتكم‮. ‬
قال المشير‮: ‬هذا غير صحيح، ومع ذلك فالعلاقة بيننا وبين الرئيس جيدة للغاية، وهو يعرف تماماً أن السلطة التشريعية ليست من اختصاصاته، ثم إننا سنسلمها إلى مجلس الشعب ‬بمجرد انتخابه كما قلت‮.
تساءلت «كلينتون‮»: ‬ومتى سيتم انتخابه؟‮!‬
قال المشير‮: ‬بعد انتهاء الجمعية التأسيسية من وضع الدستور الجديد على الفور، هذه أمور جرى تحديدها، نحن الأحرص على تسليم اختصاص التشريع إلى أصحابه الحقيقيين.
قالت «كلينتون‮»: ‬لقد كان لقائى مع الرئيس مرسى بالأمس مثمراً، وقد تحدثت معه عن حقوق المرأة والأقليات وتطوير العملية السياسية وحقوق الإنسان، وكان متفهماً لكل ذلك، ولكن الإعلان الدستورى المكمل ربما يحدُّ ‬من طموحاته‮. ‬
قال المشير‮: ‬لا علاقة للإعلان الدستورى المكمل بممارسة الرئيس اختصاصاته ومهامه بالكامل، المسألة لن تزيد على أشهر قليلة ونسلم الاختصاصات للبرلمان، وساعتها سيتم إلغاء الإعلان الدستورى المكمل بمجرد الانتهاء من وضع الدستور‮. ‬
قالت «كلينتون‮»: ‬إن كل ما نهدف إليه هو أن تنتهى هذه الأزمة سريعاً، والولايات المتحدة تدعم ضرورة الإسراع فى نقل السلطة كاملة إلى الرئيس، حتى تشهد البلاد استقراراً وتنتهى الصراعات على الحكم‮. ‬
قال المشير‮: ‬لا توجد لدينا صراعات، هذا أمر داخلى، لا علاقة لكم به، مصر قادرة على حل مشكلاتها بنفسها، والمصريون لديهم حساسية خاصة من التدخل فى شئونهم الداخلية، وأنا أقترح أن ننتقل إلى بقية المواضيع‮. ‬
وبالفعل تحدثت «كلينتون» عن عدد من الخطوات الأمريكية التى تهدف إلى دعم الاقتصاد المصرى ومن بينها‮: ‬تفعيل اتفاق مبادلة الديون مع مصر بمبلغ ‬مليار دولار بهدف شطب هذا المبلغ، تمويل مشروعات تستهدف خلق فرص عمل فى مجالات الإبداع والتكنولوجيا‮، ‬كما جرى الحديث حول إنشاء صندوق برأسمال ‬60 ‬مليون دولار لدعم المؤسسات التجارية المتوسطة والصغيرة وتقديم قرض إلى مصر بقيمة ‬250 ‬مليون دولار‮.
انتهى اللقاء بين المشير طنطاوى والوفد الأمريكى برئاسة وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، وقام المشير بتوديعها، ثم اتجه فوراً بعد ذلك لحضور حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش الثانى الميدانى فى الإسماعيلية‮. ‬
وقد ألقى المشير كلمة أمام قادة وضباط الجيش الثانى بهذه المناسبة؛ حيث قال‮: «لا شىء يثنى القوات المسلحة عن دورها‬ فى حماية مصر وشعبها، وإن مصر لن تسقط، وإنها لكل المصريين وليست لمجموعة بعينها، وإن القوات المسلحة لن تسمح بذلك‮». ‬
كانت تلك الكلمات تعنى موقفاً واضحاً من الجيش تجاه ما تشهده البلاد‮.. ‬لقد أراد المشير طنطاوى أن يبعث برسالة للجميع، للأمريكيين وللرئيس ولجماعة الإخوان وللشعب المصرى، محتواها أن «الجيش لن يسمح لجماعة ‬الإخوان بالسيطرة على مفاصل البلاد وفرض هيمنتها».
فى هذا الوقت، عقد مكتب إرشاد جماعة الإخوان اجتماعاً خاصاً لمناقشة دلالات هذا التصريح الذى أدلى به المشير وأبعاده، وخلصت المناقشات إلى ضرورة التحرك سريعاً لإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وهو أمر لن يتم إلا بإبعاد المشير طنطاوى ورئيس الأركان سامى عنان والقادة الأساسيين للجيش المصرى‮.. ‬ولكن كان السؤال‮: ‬كيف يتم ذلك؟ وما السند والمبرر لإقناع فئات كبيرة من الشعب المصرى لا تزال ترى أن الجيش هو عنصر التوازن وصمام الأمان فى مواجهة الرئيس وجماعة الإخوان‮؟!
أخبار متعلقة
«كواليس» لقاء هيلارى كلينتون مع أعضاء المجلس العسكرى
«الوطن» تنشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى «الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار»
مصطفى بكرى يكشف أسرار الإطاحة ب"المشير وعنان"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.