أخى المسيحى فى كل مكان، تهنئة خالصة بعيد القيامة المجيد، وكل عام وأنتم بخير، وكل عام ومصر بخير دون تفرقة ودون تمييز. جميعنا مواطنون نشأنا من تراب هذا الوطن، ونهلنا من خيراته، وتشاركنا فى السراء والضراء وحين البأس، نعيش فى مكان واحد، ونأكل من إناء واحد، نعبد رباً واحداً، تاريخنا واحد، آلامنا واحدة، آمالنا واحدة، يؤلمنا ما يحدث فى وطننا من انقسام وتشرذم، نتطلع معاً إلى غد أفضل، يداً بيد لكشف الغمة، واستنهاض الهمة، واستعادة القيمة والمجد. نحتفل معاً بعيد شم النسيم الذى أقامة أجدادى وأجدادك من قدماء المصريين، عيد الحصاد والحب والنماء الذى يتوافق مع عيد القيامة المجيد، فتهنئة حارة لكل الإخوة المسيحيين رفقاء الوطن ولو كره الكارهون. أخى المسيحى هو جارى وصديقى، زميل الدراسة من المراحل الابتدائية إلى الجامعية، كم أكلنا معاً، ولعبنا معاً، وراجعنا دروسنا معاً، فعبر تاريخ مصر الطويل لم يكن هناك مجال لتأثير الانتماء الدينى على العلاقات الاجتماعية لدى أبناء الوطن الواحد. لم يعرف المصريون عبر تاريخهم أى تمييز بين مسلم ومسيحى، لم أجد من الإخوة المسيحيين طوال حياتى سوى طيب المعشر، وصدق القول، والوفاء بالوعد، ونقاء السريرة. والآن نعيش حالة غريبة وغير مسبوقة، حيث يتربص فيها المسلم لأخيه المسلم، ويتربص فيه المسلم لأخيه المسيحى فحين يخرج علينا بعض ضعاف النفوس من أدعياء الدين ويحرمون على المسلمين المعايدة على إخوتهم المسيحيين، فهم لا يعرفون سماحة الإسلام ولا يقتدون بالسلف الصالح، ولا ينفذون وصايا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى حسن التعامل والمودة والرحمة مع الإخوة الأقباط، لقد ابتلانا الله ببعض ضعاف النفوس الذين يحضون على الكراهية وعدم قبول الآخر، ويسعون للاستحواذ والهيمنة والتغول على شركاء الوطن. فمن الفتاوى الطريفة التى تثير الأسى ما صدر عن الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية على موقع «صوت السلف» من تحريم لأكل سمك الرنجة والاحتفال بعيد شم النسيم، مشدداً على أن ذلك من المحرمات، و«أن فى ذلك اعترافاً بعيد النصارى المسمى بعيد القيامة»، كما نشرت صفحة «ثوار مسلمون» فتوى بتفسير ابن كثير والقرطبى بأنه «لا يجوز الاحتفال بشم النسيم بأى شكل سواء بتناول أطعمة معينة كالسمك المملح أو البيض»، وهى فتاوى غريبة تثار فى هذا الوقت لتكريس الفتنة وزيادة حدة الانقسام بين أبناء الوطن الواحد. ورداً على هذه الفتاوى الغريبة ذكر الشيخ على أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف: «إن الاحتفال بشم النسيم ليس حراماً، وكذلك أكل الرنجة والفسيخ، حيث لم يرد فى ذلك نص بالتحريم»، وقد دعا لمن يقول بغير ذلك بالهداية، مضيفاً أن الله أمرنا بمودة الأقباط. يا من تريدون الفتنة تذكّروا يوم أن اشتكى أحد أقباط مصر لسيدنا عمر بن الخطاب بعد اعتداء ابن عمرو بن العاص حاكم مصر عليه مما جعل الفاروق عمر بن الخطاب يستدعى عمرو بن العاص وولده ويقول له: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، ثم طلب من الشاب القبطى أن يرد الصفعة لابن الأكرمين. هكذا تعلمنا من الإسلام، وهكذا وقف المسيحى بجانب أخيه المسلم للدفاع عن تراب الوطن، وهكذا قدمّت الكنيسة المصرية أروع الأمثلة حين منعت الإخوة الأقباط من السفر إلى القدس إلا بصحبة إخوتهم المسلمين بعد تحرير القدس كما ورد على لسان قداسة البابا شنودة الثالث، وكان ذلك درساً فى إعلاء الروح الوطنية. لقد شارك المسلمون إخوتهم الأقباط فى الاحتفال بعيد القيامة المجيد، وترأس البابا تواضروس الثانى قداس العيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية بحضور العديد من رؤساء الأحزاب والقوى الوطنية والمجتمع المدنى، وكنت آمل أن يحضر الرئيس محمد مرسى هذا الاحتفال بدلاً من المحادثة الهاتفية دعماً لأواصر المواطنة وتأكيداً على المحبة المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين، ورداً على افتئات بعض الموتورين الذين لا يدركون قيمة الدين الإسلامى وتسامحه واحترامه للديانات الأخرى. ولكن ستظل مصر منارة للحضارة بفضل محبة المسيحية وسماحة الإسلام.