حزن عظيم مسّنى خلال اليومين الماضيين وأنا أتحرك بين كنائس مصر الجديدة (شرق القاهرة) وأذهب إلى الكاتدرائية المرقسية لتهنئة المصريات والمصريين الأقباط فى أعياد القيامة. حزن نقلته أعين الكهول والشباب وهم يسألون عن مصير الوطن ومصيرهم. حزن نقلته ألسنة الناس وهى تتحرك بعبارات الشكر والثناء والإطراء لكل من حضر لتهنئتهم وكأنه قام بعمل استثنائى أو غير مألوف. حزن نقلته مضامين وعظات المطارنة والأساقفة وهم يدافعون عن حق الأقباط فى الاحتفال بأعياد القيامة ويردون على فتاوى الجهل والتعصب التى كفّرت احتفالهم وحرمت تهنئتهم. حزن على مرارة ومخاوف المصريات والمصريين الأقباط وهم يشعرون بحصار تجار الدين والمتطرفين ويتراجعون إلى داخل كنائسهم باحثين عن الحماية وتبرير الوجود. حزن عظيم على حال مصر التى أرادت ثورة شعبها استعادة نزعتها الإنسانية بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة والمواطنة، وما زالت مسارات الأنسنة تتعثر فى مواجهة موجات تطرف وتزييف وعى متلاحقة ونخبة حكم قاصرة فى إدراكها وفعلها وممارساتها. حزن عظيم على حال مصر التى أخرجت ثورتُها المصريات والمصريين الأقباط من عزوفهم عن الشأن العام والسياسة ودفعتهم إلى الانخراط فى الأحزاب والحراك المجتمعى شأنهم شأن غيرهم من المواطنات والمواطنين، والآن يفقدون الثقة فى الإمكانية الفعلية لبناء مصر الحرية والعدالة والكرامة والمساواة والمواطنة وينصرفون مجدداً عائدين إلى الكنائس وباحثين عن الحماية داخل أسوارها. حزن عظيم على حال مصر وبين مواطناتها ومواطنيها من المسلمين قطاعات ليست بالمحدودة باتت تنجذب لفتاوى الجهل والتعصب وتتورط فى الترويج لخطابات كراهية الآخر وتبرير أعمال العنف والتوترات الطائفية بمقولات زائفة وعنصرية وتمييزية. حزن عظيم على حال مصر وأغلبيتها المسلمة لا تنهض اليوم بمسئوليتها التاريخية والمجتمعية فى الدفاع الحق (وليس الخطابى) عن الوحدة الوطنية بمناهضة التمييز على أساس الدين، ورفض صناعة التطرف الظلامية والاتجار بالدين، والضغط من أجل تشريعات تجرم التمييز وتضمن الحقوق والحريات المتساوية للجميع. حزن عظيم ليس لى إزاءه، ومجرد التهنئة والتضامن لا يكفيان، إلا التأكيد على استمرار مقاومتى لنزع الإنسانية عن مصر بتخويف الأقباط وحصارهم معنوياً ودفعهم إلى التراجع إلى داخل كنائسهم، ولفرض الظلام والتطرف على مجتمعنا عبر فتاوى الجهل والتعصب، ولتنصل الأغلبية من مسئوليتها فى مواجهة التمييز وطمأنة الأقباط بالدفاع الصريح عن الحقوق والحريات المتساوية للجميع استناداً إلى قاعدتى المساواة والمواطنة. تستلزم إعادة اكتشاف مصر الوحدة الوطنية والتسامح والتعددية وقبول الآخر الكثير من الصدق والجهد والمقاومة الحقيقية، والنجاح بواقعية لن يأتى سريعاً. وددت لو كان لى عصا سحرية للنجاح السريع فى إنقاذ مصر من موجات التطرف والتعصب المتلاحقة وفى طمأنتنا جميعاً على مصير الوطن ومسارات الحرية والعدالة والكرامة والمساواة والمواطنة، إلا أنها ليست معى.