هو أحد مدربى التنس الناجحين فنياً وإدارياً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتأسيس النشء وتأهيلهم فكرياً ونفسياً وبدنياً حتى يصبحوا أبطالاً أو لاعبين متميزين من جميع الجوانب. التقيته على باب النادى، وسرنا خطوات معاً، لا أتذكر بداية الحديث، لكننا وصلنا سريعاً فى حوارنا الهادئ الودود إلى اتفاق تام على أن لعبة التنس تؤكد فى كل لحظة المعنى الذى بُحَّ صوت العقلاء فى محاولات توصيله للآخرين.. فى كل مرة يضرب فيها لاعب التنس الكرة بمضربه يكون ذلك تنفيذاً لقرار اتخذه من بين عشرات أو مئات الاحتمالات، أو بمعنى أصح «عدد لا نهائى من الاحتمالات»: يوجه الكرة إلى أى نقطة فى ملعب المنافس؟ يسددها مباشرة أم بها درجة من الالتفاف حول نفسها (يسمونها لولبية)؟ قوية أم ضعيفة؟ عالية أم منخفضة؟ يتخذ اللاعب قراره فى ضوء قدرته على التنفيذ، وفى ضوء إدراكه لقدرات المنافس.. عناصر كثيرة تتداخل وتحسم قراره الذى يتخذه فى جزء من الثانية سعياً لتحقيق نقطة من نقاط المباراة. سألت الكابتن حسن تثبيتاً للفكرة التى أعيش لها: هل يوجد أمام لاعب التنس -وهو يوجه مضربه للكرة- حل واحد صحيح؟ أجاب على الفور وطمأننى: بالطبع لا! بل العكس هو الصحيح، فكلما جاءت الضربة على غير المتوقع، كانت فرصة تحقيق الفوز أكبر؛ حيث يصعب على المنافس أن يقرأ الضربة مبكراً، ويأخذ وضع الاستعداد لاستقبالها. أيها الباحثون بصدق عن حلول وطنية، أملى أن تقتنعوا يوماً أن ما ينطبق على التنس ينطبق على الكثير من شئوننا، وأننا يجب أن نتخلص من ثقافة الحل الوحيد المترسبة فى عروقنا؛ تكاد تسدها، وتصيبنا بالتصلب الفكرى!! لا يوجد حل واحد لإدارة ملفات الاقتصاد، ولا الصناعة، ولا التجارة، ولا التعليم أو الصحة.. ثم ماذا؟ نفترض أننا سلمنا معك أنه يوجد دائماً أكثر من حل؛ بمَ تفيدنا هذه الملاحظة العبقرية؟! أقبل هذه الدرجة من التهكم، فهى لا شك أفضل كثيراً من أساليب أخرى أصبحت أكثر شيوعاً، وأقول: إن مجرد اقتناعنا بأنه يوجد لكل قضية أو موضوع أو أزمة أكثر من حل يجعلنا على استعداد للاستماع لوجهات نظر عديدة ومختلفة. والاستماع الذى أقصده هو ذلك النوع الذى يمتزج بالاحترام والتقدير، فيرتقى إلى درجة الإنصات.. عندها فقط نكون قد هدمنا ماضينا الديكتاتورى وبدأت علاقتنا بالديمقراطية التى تقوم على قدرة الجميع على الإنصات للأفكار والرؤى المختلفة، ثم يبدأون فى تحليلها وتقييمها، وربما مزجها ببعضها حتى يصلوا معاً إلى أنسب الحلول وأكثرها تحقيقاً للطموحات والآمال المتفق عليها سابقاً من خلال مسار ديمقراطى أيضاً. أما حالة «من يخالفنى جاهل أو خائن» التى نعيشها عشرات المرات فى اليوم الواحد، فهى ضحالة ثقافية تحتاج لشجاعة فى الاعتراف بها، أملاً فى التخلص منها ومن كل ما ارتبط بها من حماقات. فى كل مرة أطرح هذه الأفكار أُتهم بأنى خيالى، وأجد نفسى -كما أفعل الآن- أعتز بهذا الاتهام، فبغير الخيال وكسر المألوف ما كانت الثورة. فلتسقط ثقافة «الحل الوحيد»، وتحل محلها أنظمة يُشرك فيها المسئول معاونيه وكل المعنيين بموضوع ما بداية من المراحل الأولى لاتخاذ القرار.. حينها سيشعر كل مواطن أنه جزء من الحل، فيسعى لإتمامه. ليتك تدرك أن ما قلته عن التنس ينطبق أيضاً على كرة القدم، وأن اللاعب لا يستحق السباب والإهانة لمجرد أنه لعب كرة فى اتجاه مغاير لما توقعته سيادتك!!