لا يختلف اثنان على أهمية الغذاء والدور الذى يلعبه من أجل صحة الإنسان من الناحية العضوية، وهو أمر لم يقتصر ذكره فقط على كتب الطب، لكن التعاليم الدينية والأعراف والموروثات الثقافية أيضا مليئة بالكثير حول هذا الموضوع، لكن السؤال الذى يطرح نفسه: «هل يختلف الأمر بالنسبة للصحة النفسية أم لا؟».. الواقع أن الصحة النفسية أيضا تتأثر بنوعية الطعام والحالة الغذائية، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك: 1- الأثر النفسى للجوع: على الرغم من أن الجوع قد يتسبب فى انخفاض نسبة السكر بالدم وقد يؤدى ذلك إلى نوع من التوتر والانفعال مثل ما ينتابنا أحيانا أثناء الصيام فى رمضان فإن إحدى الدراسات الحديثة أثبتت أن الجوع بقدر معين يساعد على التخلص من الاكتئاب ويخفف من حدة القلق، ويعزو العلماء هذا التأثير إلى هرمون ال«جريلين» الذى يفرَز وقت الجوع ويلعب دورا إيجابيا فى زيادة نشاط الموصلات العصبية الخاصة بالمزاج، ووفقا لهذه الدراسة فإن الحديث الشريف «صوموا تصحوا» لا ينطبق فقط على الصحة العضوية وإنما يمتد ليشمل الصحة النفسية أيضا! 2- الأثر النفسى للإفراط فى الأكل والسمنة: مع أن 80% من حالات الاكتئاب تكون مصحوبة عادة بفقدان الشهية إلا أن 20% من مرضى الاكتئاب يفرطون فى تناول الطعام، مما قد يؤدى إلى السمنة ويزيد ذلك من إحساسهم بالاكتئاب، وهكذا يدخل المريض فى حلقة مفرغة بين الاكتئاب والسمنة، وجدير بالذكر هنا أن بعض مضادات الاكتئاب نفسها من الممكن أن تتسبب فى زيادة الوزن، مما يزيد الأمر تعقيدا. 3- الأثر النفسى لاتباع نظم قاسية من الحمية (الريجيم): إن المضاعفات النفسية للريجيم القاسى ربما تكون أكثر من الآثار الناجمة عن البدانة ذاتها؛ فمن المعروف أنها تزيد من احتمالية التوتر والاكتئاب، خاصة عند من لديهم استعداد وراثى أو سبقت إصابتهم بالاكتئاب. 4- أطعمة ومشروبات تجلب السعادة: من المعروف أن الأطعمة الغنية بمادة ال«تربتوفان» التى تتحول فى الجسم إلى «سيروتونين» تساعد على تحسين الحالة المزاجية مثل منتجات الألبان والأسماك والخضراوات.. وتعتبر «الشوكولاته» من الأطعمة المحببة لمريضات الاكتئاب، كما أشارت إلى ذلك إحدى الدراسات الحديثة؛ إذ إنها تسهم فى تقليل إحساسهن بالاكتئاب، بينما أشارت دراسة أخرى إلى التأثير الإيجابى للكافيين على الحالة المزاجية، والطريف أن المقال المنشور كان بعنوان «قهوة أكثر = اكتئاب أقل»! 5- أطعمة ومشروبات تتعارض مع مضادات الاكتئاب: إن بعض العقاقير المستخدمة لعلاج الاكتئاب يحظر معها تناول الأطعمة الغنية بالتربتوفان وإلا تعرض المريض إلى ارتفاع شديد بضغط الدم؛ لذلك لم تعد تلك العقاقير تستخدم بكثرة فى الآونة الأخيرة، ومن ناحية أخرى فإن بعض المشروبات المعروفة مثل عصير ال«جريب فروت» ربما تقلل من مفعول مجموعة لا بأس بها من مضادات الاكتئاب. خلاصة القول: إن اتباع نظام غذائى متنوع ومتوازن، مع تجنب الإفراط فى تناول الطعام من شأنه أن يحافظ ليس فقط على حالة بدنية أفضل، وإنما حالة مزاجية أكثر استقرارا.