لا خلاف على أن تجربة الإسلاميين فى المغرب لها نجاحات على الأرض، وحين نضعها فى مقارنة بكل تفاصيلها مع تجارب الإسلاميين المصريين، سيبدو لنا ما كان مختبئاً تحت السطح، وتتفتح أمامنا طاقات كانت مظلمة إلى حد كبير، ويظهر النجاح والفشل بكل تفاصيلهما، ليكشفا لنا كيف كان التميز المغربى وكانت عبقرية إخفاق الإسلام السياسى المصرى. الحركة الإسلامية المغربية بدأت عملها النشط والحقيقى فى أوائل الثمانينات، عبر جناحها الأول، حركة التوحيد والإصلاح، وحزبها العدالة والتنمية، وجناحها الثانى تيار «العدل والإحسان» غير القانونى، الذى تأثر بالجانبين التربوى والتنظيمى لحركة الإخوان. ونجح الإسلاميون فى المغرب، فى بداية التسعينات، فى جمع الوحدات المتشظية والجماعات المنشطرة والمنقسمة، فى إطار واحد، فتنازلت جماعة التوقف والتبين والجماعة الإسلامية عن بعض أفكارهما، لتجتمعا فى إطار حزب العدالة والتنمية، ممثلاً سياسياً لحركة التوحيد والإصلاح، عكس المصريين الذين تنشطر أحزابهم الكبيرة، وهذا ما جعل أردوغان يقيم حزباً فى تركيا بنفس الاسم والشعار والأفكار. استطاع «العدالة والتنمية»، بنجاح، أن يتجاوز سؤال النفق المظلم وهو: هل نحن فى دولة إسلامية أم لا؟ فعمل فى إطار الدولة المغربية وأقر بشرعية الملك، ورغم قوة التنظيمات الإسلامية فى مصر فإن الحزب المغربى أصبح أكثر تطوراً، بسبب مستوى علاقته بالدولة والمجتمع، ومشروعه السياسى والمجتمعى، بعد أن وضع أهم منطلقاته أنه مجرد طرف فى الإسهام فى العملية السياسية، ومن ثم فهو لا يمانع فى التعاون مع غيره فى هذا الغرض أيا ما كان موقعه وموقفه. لكن أهم تجليات الإسلاميين المغاربة كانت فى التمييز بين السياسى والدينى، وهناك فرق بين الفصل والتمييز؛ إذ إن الأول يعنى أنه لا سياسة فى الدين، لكن الثانى معناه التميز فى الخطاب، الذى يُعنى بتدبير أمور الناس ولا يُعنى بالهوية أو الخطاب التربوى والروحى، والتمييز بين الرموز والقيادات المتخصصة، فلا نجد شيخاً يتحدث فى الأمور الاقتصادية، بعكس المصريين الذين تختلط عندهم الأمور، كحزب الحرية والعدالة، الذى يتحدث قياداته فى كل شىء فى وقت يخلو برنامجه من الحديث مثلاً عن الضريبة الثابتة والمتغيرة والخصخصة وغيرها. وثالث الأمور هو التمييز فى المؤسسات بين الجماعة والحزب، وكل هذه الجوانب أدت فى النهاية إلى جعل «العدالة والتنمية» جزءا من الشعب والمجتمع والمنظومة السياسية، وجعل العلاقة بين الحركة والحزب شراكة بين مؤسستين مستقلتين، دعوية تربوية وحزب سياسى. ولا تتدخل الحركة فى رسم السياسات المحددة والتفصيلية للحزب أو فى تحديد مواقفه السياسية، فى ذات الوقت فإن الحزب له قيادة مستقلة، وأقصى ما يقع من الحركة فى علاقتها بالحزب نقاش عام فى مجلس شورى الحركة حول المسار السياسى. لقد قررت الحركة الإسلامية المغربية أن تسند مشروعها السياسى إلى حزب العدالة والتنمية وتوكله إليه تماما، أما المشروع النقابى فقد أوكلته إلى نقابة تتبنى أطروحاتها وينخرط فيها مناضلون، وقطعت الحركة أى علاقة تنظيمية مباشرة بينها وبين الحزب، وتفرغت تماماً للقيام بمسئولياتها الدعوية الأساسية التى قامت من أجلها، وبذلك حلت الإشكالية الكبيرة التى لم تستطع مصر وحركتها الإسلامية أن تحلها؛ حيث قامت بالتمييز بين الدعوى والسياسى بطريقة جيدة. ثمة ملاحظة مهمة يتعين أخذها فى الاعتبار، هى أن الحركة الإسلامية بكل فروعها وخلاياها فى مصر والمغرب تنطلق من أيديولوجية واحدة، وانتشرت واستمرت فى بيئة شكّلتها عوامل داخلية وأخرى خارجية متماثلة تقريباً، لكن نجاحات «العدالة والتنمية» فى المغرب انعكست فشلاً فى مصر، ومكاسب حكومة كيران قابلتها خسارات قنديل؛ لأن أهم شىء نجح فيه المغاربة هو الفصل بين خطاب الهوية وخطاب تدبير أمور المواطنين، والتمييز بين الروحى والسياسى والدعوى والحزبى.