الزخارف والمنحوتات المعمارية المبهرة هى هدية الكنائس المصرية لمتذوقى الفن، فكل قطعة منحوتة بشكل مميز عن غيرها على جدار فى كنيسة لها طعم مختلف، فى النهاية أصبحت الكنائس المصرية مشهورة على مستوى العالم بأن لها خطاً حضارياً مختلفاً، حتى إن تأثرت بنمط الكنائس البيزنطية والرومانية التى حكمت مصر فى وقت من الأوقات، هذه العمارة تتجلى كأوضح ما تكون فى كنيسة القديس سمعان الخراز بمنطقة المقطم، فالأيقونات بداخل المغارات بألوانها الزاهية تتداخل مع لوحات العذراء بجانبها صور الرهبان ولوحات تصور مشاهد تحرك جبل المقطم، ولكن تبقى المنحوتات والرسومات التى زينت صخرة المقطم التى يطل جزء منها على الدير هى أكثر ما يرسم الدهشة على وجوه الزائرين. «حينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً فى سحاب بقوة كثيرة ومجد» آية إنجيلية حفرت على جدران صخرة المقطم بجانب رسم لأحد الرهبان وهو يرفع يده كنوع البركة، وبجانبه أربع صور للملائكة الذين ينفخون فى الأبواق، آية أخرى تقول: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه، أنا فلن يعطش إلى الأبد»، وبجانبها نحتت صورة امرأة أمام بئر ومن ورائها بيوت متلاصقة، أما فى منتصف الصخرة وعلى ارتفاع شاهق، فنحتت جملة دون أى صور تقول: «مبارك شعبى مصر». هذه الدهشة التى تلازم الزوار خلال رؤيتهم لتلك المنحوتات الجبلية سوف تزداد، عندما يطلعون على صاحبها، خاصة عندما يقترب منهم ويعرفهم بنفسه «ماريو دبيش» 43 سنة بولندى الأصل يعيش فى مصر، هذا الفنان الذى ينظر له جميع الموجودين بالدير نظرة إعجاب، وهم يقولون له الكلمة المصرية الشهيرة: «إيديك تتلف فى حرير» جاء إلى مصر كما يروى منذ عشرين عاماً ليعمل كمدرس تكنولوجيا فى مدارس الأحد «الإرسالية الإيطالية دون بوسكو»، وفى عام 1992 بعد زلزال أكتوبر الشهير، قرر ماريو أن يتطوع فى دير الأم تيريزا، لينتهى به الحال كمتطوع فى كنيسة القديس سمعان عام 1995. «المصريين بيقولوا عليا عبيط لأننى تركت بولندا وأعيش فى مصر، ولكنى أقول لهم مصر هى عشقى الأول»، كلمات يقولها ماريو بمصرية خالصة، تسأله أين تعلمتها، فيخبرك بأن معيشته وسط المصريين علمته كل شىء، يضحك وهو يلقى نكتة لا يفهمها إلا المصريون: «إوعى تفتكرينى أجنبى، ده أنا من شبرا». زواج «ماريو» من مصرية وإنجابه منها ابنتين، سبب آخر يجعله يؤكد أنه ينتمى لمصر، يقول إن أكثر ما يحبه فيها هو أن أهلها «اجتماعيين وعشريين»، حتى إنه اكتسب عادة المصريين الشهيرة وهى عدم الالتزام بالمواعيد، «كانت مشكلتى مع زوجتى أنها لا تلتزم بميعاد أبداً، وقد حللت هذه المشكلة بأن تحولت أنا أيضاً مثلها، ولم أعد ألتزم بميعاد»، يقولها وهو يضحك. دراسة «ماريو» ليست لها علاقة بالفن ولكنه أحب فن النحت وبدأ يوظف ذلك الحب فى تجميل وتزيين الكنيسة بمئات العبارات الدينية المأخوذة من الإنجيل، يقول وهو ينظر بفخر إلى منحوتاته: «هى رسالة فنية للتواصل بين الناس حتى وإن كانوا غير متعلمين»، جملة يبررها ماريو بأن زرع الإيمان وسط حى الزبالين الذى تتفشى بين أبنائه نسبة أمية عالية، له وسائل كثيرة ليس فقط حفظ الآيات وترتيلها، ولكن بالرسومات والمنحوتات التى لا تحتاج إلى شرح، «الله محبة»، جملة ينهى بها «ماريو» حديثه مؤكداً أن المصريين لا يقدرون نعمة حباهم الله بها وهى مصر.