يبدو أن «العدالة الاجتماعية» التى جاءت ثالث مطلب فى قائمة مطالب الثورة ليست رفاهية ولا أمرا زائدا يمكن العيش دونه، أو أمر يمكن احتمال عدم وجوده «لحد ما تفرج»؛ فغياب العدالة يولد غضبا وعنفا، ليس فقط عند المصريين أو العرب أو حتى الأجانب، وإنما يمتد الأمر إلى عالم الحيوان، حيث يترتب على غياب العدالة غضب وثورة وعنف وكراهية حتى بين مجموعات الشمبانزى المتآلفة. فى تجربة علمية أجراها علماء أجانب حول «ركائز الأخلاق» على حيوانات الشمبانزى توصلوا إلى أن الأخلاق فى جوهرها تقوم على أساسين رئيسيين هما: التبادل المنصف العادل، وشعور الكائن بتعاطف الآخرين معه وإشفاقهم عليه. د.سارة بروسنان، عالمة أمريكية، أجرت تجربة بعنوان «الشمبانزى يرفض المكافأة غير العادلة»، وقامت بتصوير التجربة فى مقطع قصير لا يتخطى الدقيقتين، لكنه يقدم الكثير. تتلخص التجربة فى حيوانى شمبانزى، فى قفصين متجاورين، فى ظروف متماثلة تماما، تقف أمامهما الباحثة، تنتظر منهما أن يعطياها قطعة حجر فى قفص كل منهما فتكافئهما بإعطائهما «قطعة خيار»، حدث ذلك مرة، وفى الثانية تعمدت الباحثة أن تعطى الشمبانزى الأول عنبا مقابل إعطائها الحجر، أما الشمبانزى الثانى فحين أعاد الحجر أعطته قطعة خيار.. لم يدرك الشمبانزى الثانى الواقع للوهلة الأولى، فهمّ بأكل الخيار، لكنه نظر إلى جاره فى القفص المجاور فوجده ممسكا بعنب، الأمر الذى أثار غيظه وجعله يخرج يده من القفص ثم وبمنتهى القوة، دفع الخيار فى وجه الباحثة، مشيراً لها بيديه بما دلالته: «أعطينى عنبا». تكرر الأمر فتزايد غضب الشمبانزى الثانى، فأخذ يركل القفص ويركل السياج، ويقذف الباحثة بالخيار، ناظرا إلى جاره فى القفص المجاور بنظرات شرسة غاضبة، بينما يداه تصدان كل ما يصادفهما، فإما أن يأكل الاثنان الخيار بالرضا، أو أن يأكلا العنب معا بسعادة، أما أن يأكل أحدهما عنبا والآخر خيارا، فلم يبدُ هذا مقبولا أبدا، وقد جاءت ثورة الشمبانزى الغاضب، وكأن لسان حاله يقول: «خيار العدالة ولا عنب الظلم».