جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    جولدمان ساكس يتوقع استمرار صعود أسعار الذهب بدعم استثمارات القطاع الخاص    أسعار اللحوم اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 في أسواق الأقصر    البنتاجون يخطط لإجراء اختبارات عشوائية للجنرالات والموظفين، ما القصة؟    الأهلي يدخل معسكرا مغلقا غدا استعدادا لمباراة كهرباء الإسماعيلية    انقلاب ملاكي بصحراوي الإسكندرية يسفر عن وفاة 3 أشخاص    القبض على سيدة تهدد زوجة شقيقها بأعمال السحر والشعوذة في الشرقية    قتيلان وجرحى في جنوب المغرب خلال احتجاجات تلتها أعمال شغب    عاجل- تعليم الجيزة: فتح فصل حالات الإصابة بفيروس HFMD الأحد المقبل بعد استكمال التعقيم    سبب تعرض كبار السن للنسيان والاكتئاب.. طبيبة توضح    الصحة: لا يوجد فيروس اسمه HFMD.. وأعراضه لا تشكل خطرا صحيا    مصر والسودان يجددان رفضهما الإجراءات الأحادية في نهر النيل    جنة أم نار.. هالاند يتحدث بصراحة عن خوفه من الموت    لماذا يحدث الإغلاق الحكومي الأمريكي؟    مقتل شخصين في اليوم الخامس من الاحتجاجات في المغرب    وزراء مالية دول "مجموعة السبع" يتفقون على تكثيف الضغط على روسيا بشأن أوكرانيا    الوطنية للانتخابات: انتخابات النواب على مرحلتين والسبت تلقى أوراق الترشح    رابطة الأندية توضح سبب عدم معاقبة جماهير الزمالك وحسين الشحات بعد القمة 131    راموس بعد إسقاط برشلونة: نحن الأبطال ويجب أن نثبت ذلك في الملعب    الزمالك يعود للتدريبات اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    مصطفى عبده يكشف تفاصيل اجتماع الخطيب مع لاعبي الأهلي قبل القمة    النواب يناقش اليوم تقرير بشأن اعتراض الرئيس السيسى على الإجراءات الجنائية    المستشفيات التعليمية توقع بروتوكول تعاون مع جامعة المنصورة الجديدة لتدريب طلاب الطب    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    موقع وزارة التربية والتعليم.. التقييمات الأسبوعية عبر هذا الرابط    إيلون ماسك يقترب من عتبة أول تريليونير في العالم    وفاة الشيخ بشير أحمد صديق كبير القراء فى المسجد النبوى عن عمر ناهز 90 عاما    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    وزيرة التنمية المحلية فى جولة مفاجئة لمنظومة جمع قش الأرز بالدقهلية والقليوبية    تعليم أسيوط: تسليم الكتب الدراسية للطلاب دون شرط أو قيد    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة 13 آخرين جراء قصف إسرائيلى وسط غزة    «الرعاية الصحية» توافق على إنشاء وحدتين لزراعة النخاع بمجمعي الأقصر الدولي والسويس الطبي    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    الإغلاق الحكومي الأمريكي، هل يطيح بالدولار وتصنيف واشنطن؟ «فيتش» تجيب    السودان: سنجري مراجعة تفصيلية لملف السد الإثيوبي    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    مصرع شخص وإصابة 5 في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 في الصاغة بعد ارتفاعه 60 جنيهًا    أودي تعتزم طرح أول سيارة إس.يو.في ذات 7 مقاعد العام المقبل    معركتك خسرانة.. كريم العدل يوجه انتقادات حادة لمخرج فيلم «اختيار مريم»: انتحار فني كامل    بقرار جمهوري.. اليوم مجلس الشيوخ يفتتح دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    البابا تواضروس الثاني يترأس قداس تدشين كاتدرائية الأنبا أنطونيوس والأرشيدياكون حبيب جرجس بأسيوط الجديدة    المسرح المتنقل يواصل فعالياته بقرية نزلة أسطال بالمنيا    بلاغ أم يقود لضبط مدرس متهم بالاعتداء على طفل فى الأهرام    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    الدكتور محمود سعيد: معهد ناصر قلعة الطب في مصر وحصن أمان للمصريين    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    الحمل بيحب «الروايات المثيرة» والحوت «الخيالية».. ما نوع الأدب الذي يفضله برجك؟    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب وتحريض وأشلاء.. والتغطية مستمرة
«جارديان» تكشف النزعة «الدموية» فى تغطيات القناة للأحداث: ضحايا تفجيرات وبقايا أشلاء الجثث فى الهجمات الانتحارية أو الثورات
نشر في الوطن يوم 26 - 02 - 2013

قصة قناة «الجزيرة» لا تزيد على كونها قصة «بيزنس» عائلى.. كل الأزمات، والصراعات، والتشابكات، والاشتباكات التى تطلقها تلك القناة القطرية، لا تختلف من وجهة نظر أصحابها عن أى صراعات أو مواجهات تفرضها مصالح البيزنس وحساباته. كل الفارق، أن قناة «الجزيرة» لا تدير بيزنس أصحابها بمال، ولكن بدماء الناس، ومصائرهم.
كانت صحيفة «الجارديان» البريطانية، هى التى توقفت أمام تلك النزعة «الدموية» العنيفة التى تظهر فى معظم تغطيات قناة «الجزيرة» للأحداث. تلك المشاهد الصادمة التى تُظهر ضحايا التفجيرات وبقايا أشلاء الجثث فى الهجمات الانتحارية، أو التفجيرات، أو الاعتداءات، أو الثورات. بدت قناة «الجزيرة» أشبه بعرض مستمر دون رقابة لعنف دموى، يشبع حالة لا يجدها المشاهد العربى أو الأجنبى فى القنوات الأخرى. حالة قالت عنها «الجارديان»: إنها «تثبت أن قناة (الجزيرة) ليست مجرد وسيلة للدعاية، ولا للترويج لآراء معينة، فهى لا تفرض رأياً ما على المشاهد، لكنها تمنح الناس ما يريدونه. الناس يريدون واقعية وعنفاً، فتقدم (الجزيرة) لهم الدماء والصدامات والصراعات».
«هى لعبة إعلام وليست لعبة سياسة، لعبة تجارة وربح، تهتم برفع نسب المشاهدة أياً كان المحتوى والمضمون، لأن نسب المشاهدة المرتفعة تعنى مزيداً من تدفُّق الأموال للقناة وأصحابها، حتى لو كانت المشاهد كلها من الحروب والصراعات. هذا هو البيزنس عندما يقوم على الدم، لا على المال».
بيزنس «الجزيرة» قائم بالفعل على الدم، وعلى صلات الدم. تقول «الجارديان» إنه فى الوقت الذى صارت فيه الأزمات الاقتصادية العالمية تطحن العالم، خصوصاً فى غرب آسيا، كانت الممالك النفطية فى الخليج العربى تستعد لما بعد نفاد النفط، مصدر طاقتها ودخلها الرئيسى، على أن قطر كانت الدولة التى سبقت الكل بخطوة، أو ببضع خطوات. اليوم، كل شخص فى قطر يكاد يعرف بتواريخ محددة وواضحة المواعيد التى سينتهى فيها تدفُّق النفط والغاز الطبيعى من أراضيهم، وأقصاها لن تستمر بعد جيل أو جيلين من الآن.
ويرى كثيرون، أن أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر، إلى الإطاحة بوالده، كان عجز الأب عن توفير مصادر بديلة للدخل بالنسبة للعائلة القطرية، بما دفع «حمد» إلى الإطاحة به ليتولى تخطيط مستقبل قطر فى مرحلة ما بعد النفط. وتصف «جارديان» أفراد العائلة المالكة القطرية بأنهم جميعاً، حملة أسهم وشركاء فى بيزنس عائلى عملاق يديره الأمير كما هو الحال فى عائلات البيزنس الكبرى، لكن أعمالهم لم تعد تقتصر على الغاز والنفط الذى تملكه قطر وحسب، وإنما يمتد الآن ليشمل بيزنس الإعلام متعدد الجنسيات، الذى تبلغ قيمته مليارات الدولارات، بينما تتربع قناة «الجزيرة» فى قلبه وعلى قمته.
ظهر حرص العائلة المالكة القطرية على أن تستمر قناة «الجزيرة» «بيزنس» عائلياً، فى المسئول الجديد عنها، الشيخ أحمد بن جاسم آل ثانى، أحد أهم أفراد العائلة المالكة القطرية، وأحد مؤسسى شركة الغاز القطرية. ونقل الشيخ أحمد مجال اهتمامه من النفط إلى الإعلام معلناً اتجاه العائلة المالكة القطرية كله إلى الاستثمار فيه، ومعلناً فى الوقت نفسه، فشل أمريكا فى إقناع أمير قطر ب«خصخصة» «الجزيرة»، وإصراره على بقائها «بيزنس» عائلياً لا يدخل فيه الغرباء، بما يعنى أن «الجزيرة» بالنسبة للعائلة المالكة القطرية أكثر من مجرد قناة.
وهى لقطة، ربما تلقى الضوء على أكثر جوانب «الجزيرة» غموضاً وتعقيداً، وهى علاقتها بالمخابرات المركزية الأمريكية، وواشنطن كلها من ورائها.
لقد تولى الشيخ أحمد آل ثانى إدارة «الجزيرة» تزامناً مع حدثين لا يقلان أهمية عن بعضهما: كان الأول هو توسُّع بيزنس «الجزيرة» لتطلق قناة «الجزيرة أمريكا»، بعد أن قامت بشراء محطة تليفزيون أمريكية خاسرة، كان يملكها «آل جور»، نائب الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، فى صفقة أثارت مخاوف فى أمريكا قبل غيرها، عن العلاقات الحقيقية التى تربط بين العائلة المالكة القطرية، وصنّاع القرار فى السياسة الأمريكية السابقين واللاحقين. واعتبر العديد من المراقبين الأمريكيين أن العائلة المالكة القطرية نجحت أخيراً فى اختراق السوق الإعلامية الأمريكية بعد سنوات طويلة من المحاولات الفاشلة للدخول فيها والسيطرة عليها.
أما الحدث الثانى، فهو أن الشيخ أحمد تولى إدارة «الجزيرة»، بعد استقالة رئيسها الشهير «وضاح خنفر»، إثر تسريبات «ويكيليكس» التى كشفت عن اتصالاته مع المخابرات المركزية الأمريكية، وتعاون قناة «الجزيرة» مع الإدارة الأمريكية فى بعض المجالات.
فى سبتمبر 2012، قدّم «وضاح خنفر» استقالته من منصبه كمدير عام قناة «الجزيرة»، بعد تسريب برقيات من «ويكيليكس» تكشف أنه التقى سراً مع عدد من المسئولين الأمريكان، واتفق معهم على تقليل حدة النبرة التى كانت تستخدمها «الجزيرة» فى تغطية حرب العراق، والتى اعتبرتها واشنطن استفزازية.
ونقلت إذاعة «روسيا اليوم» عن أحد العاملين السابقين فى قناة «الجزيرة»، أن الإدارة والمخابرات الأمريكية كانتا تتابعان بدقة قناة «الجزيرة» العربية قبل أن تطلق نسختها الإنجليزية، وكانوا يسجلون كل ما يتحفّظون عليه فى القناة والأخبار الواردة على موقعها الإلكترونى، ثم يجلسون مع وضاح خنفر ويبلغونه بهذه الاعتراضات.
والواقع، أن تعامُل أمريكا مع وضاح خنفر، يكشف بوضوح عن تعاملها مع قناة «الجزيرة»، بالغضب أولاً، ثم بالتصالح، وأخيراً بالاحتضان.
إدارة بوش كانت ترفض منح تأشيرة دخول أمريكا لوضاح خنفر. كان بوش فى عز حربه على العراق يصف قناة «الجزيرة» ب«مصدر الدعاية الكارهة» فى العالم العربى كله، وقال عنها وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد، إنها متحيّزة بشكل مبالغ فيه، ثم جاءت إدارة أوباما، لتنزع الدم الفاسد فى العلاقات بينها وبين «الجزيرة»، وتمنح وضاح خنفر تأشيرة الدخول لأمريكا فى 2009.
زار وضاح خنفر أمريكا، لتقول «واشنطن بوست» إنه التقى فى هذه الزيارة مسئولين فى الإدارة الأمريكية و«البنتاجون» و«البيت الأبيض»، قبل أن يقوم بجولة تواصل فيها مع عدد من الدوائر المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصنّاع القرار الأمريكى والمؤثرين فيه، وعلى رأسها معهد دراسات الشرق الأوسط، ومجلس العلاقات الخارجية، ومؤسسة أمريكا الجديدة.
وكانت تلك الزيارة، هى بداية التغيُّر فى العلاقات المعلنة بين قناة «الجزيرة» والإدارة الأمريكية، التى وصلت إلى قمة انسجامها بعد نهاية ثورات الربيع العربى. وفى أغسطس 2011، وصفت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، قناة «الجزيرة» بأنها تمثل «إعلاماً إخبارياً حقيقياً». وقالت: إن «(الجزيرة) رائدة فى أنها حرفياً تُغيّر عقول ومواقف الناس، يمكن أن تحب تلك الحقيقة أو أن تكرهها، لكنها فعالة ولا بد من مشاهدتها». وقال عنها السيناتور الجمهورى جون ماكين: إنه «فخور جداً بتغطيتها وتعاملها مع ثورات الربيع العربى، فى حين وصفتها دانا شل سميث، نائبة مساعد وزير الخارجية لشئون الإعلام الدولى بأنها «كيان إعلامى شديد الأهمية، وعلى علاقة ممتازة مع الإدارة الأمريكية».
وكان صاحب الفضل فى هذه العلاقات الجديدة «الممتازة» بين قناة «الجزيرة» والإدارة الأمريكية هو ميدان التحرير.
يقول فيل ريز الخبير الإعلامى الأمريكى، فى تحليل مضمون وسائل الإعلام: أن «ميدان التحرير شكّل علامة فارقة فى العالم العربى، وشكّل أيضاً، نقطة تحول بالنسبة إلى قناة (الجزيرة) التى كانت توصف دائماً بأنها ضد المصالح الأمريكية». صارت توصف فجأة بأنها «إعلام حقيقى»، والسبب هو أن تغطيتها لثورات الربيع العربى كانت تتفق تماماً مع سياسات الإدارة الأمريكية التى كانت تساند تغيير أنظمة الحكم فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، «لتُظهر قطر حسن نواياها، ورغبتها فى الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة».
ويواصل «فيل ريز»: «كنا نعلم جميعاً أن قناة (الجزيرة) والعائلة المالكة القطرية من ورائها، تعملان بشكل قريب مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، فقطر تعتمد فى أمنها تماماً على الولايات المتحدة، وفيها أكبر قاعدة أمريكية، ولأكثر من خمس أو ست سنوات كانت هناك اتصالات بين (الجزيرة) والحكومة الأمريكية، إلا أنه كان فى مصلحة قطر و(الجزيرة) أن تتبنى موقف الشارع العربى الرافض والغاضب من الولايات المتحدة الأمريكية، لأن هذا كان يمنح القناة الشعبية المطلوبة فى ذلك الوقت، حتى ظهرت تسريبات (ويكيليكس) التى تكشف صراحة اتصالات (وضاح خنفر) و(الجزيرة) مع المخابرات المركزية الأمريكية».
زادت تغطية ثورات الربيع العربى من شعبية قناة «الجزيرة» فى العالم، وكشفت قناعها أمام الشعوب العربية فى الوقت نفسه. تقول «جين كينينموت» خبيرة شئون الشرق الأوسط فى مركز «شاتام هاوس» البريطانى: إنه «مع ثورات الربيع العربى تزايدت شعبية قناة (الجزيرة) ومصداقيتها فى الغرب، لكنها فقدت فى المقابل شعبيتها فى العالم العربى، وصارت تواجه انتقادات حادة بين الشعوب العربية، وصار الناس ينظرون إليها على أنها تنفذ أهدافاً سياسية، ومصالح خاصة».
والواقع، أن الربيع العربى كان يمثّل، بشكل عام، النقطة التى تحوّل فيها اهتمام قناة «الجزيرة» من العالم العربى إلى العالم الغربى، أو أن الجمهور العربى، بمعنى أدق، كان مجرد وسيلة لها للوصول إلى الغرب.
كان «وضاح خنفر» هو رجل مرحلة استهداف الجمهور العربى بلا جدال. هو المعروف بانتمائه، أو على أقل تقدير، بصلاته القوية بجماعة الإخوان المسلمين، وكانت السياسة التى صاغها لقناة «الجزيرة» على مدى السنوات العشر الماضية تصب فى صالح الإسلام السياسى بغير مواربة. ترصد «سى إن إن» الأمريكية عرض «الجزيرة» المتواصل لمَشاهد إهانة وانتهاك الشعوب فى الدول العربية والإسلامية، منذ أحداث سبتمبر 2011، والرسالة المبطنة التى كانت تنقلها «الجزيرة» بإلحاح للشعوب هى أن «المخرَج من كل هذا القهر والذل الذى تحيا فيه يكون بإسقاط تلك الحكومات التى لا تحافظ على كرامتها، وأن تسلم مقاليد أمورها لتيارات الإسلام السياسى، وكان المشايخ لذلك، هم أبطال تلك المرحلة». وتواصل «سى إن إن»: «دائماً ما كانت تظهر وجوه تيارات الإسلام السياسى أو السُّنى وهى تحظى بمعاملة مختلفة كما لو كانت هى أصوات السلطة الحقيقية، فى كل أمر من أمور الحياة، بينما كانت (الجزيرة) تتعمد تقديم المسئولين الرسميين والحكومات العربية، على أنها حكومات عاجزة، فاشلة، لا تلعب دوراً أكثر من خدمة أهداف أمريكا وإسرائيل فى المنطقة».
على شاشة «الجزيرة»، تحوّلت وجوه تيارات الإسلام السياسى إلى أبطال، بينما تراجعت وجوه الحكومات الرسمية إلى الظل: باهتة، غائبة، تائهة. قال ألبرتو فيرنانديز، أحد المسئولين الإعلاميين فى وزارة الخارجية الأمريكية: «كنا نلاحظ دعم (الجزيرة) غير المشروط لتيارات الإسلام السياسى، والحركات الإسلامية أياً كان ما تفعله، فى لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان».
وكانت التغييرات التى أجراها «وضاح خنفر» فى صلب قناة «الجزيرة» تتفق مع رسالتها الخارجية، حيث رصدت دورية «ميدل إيست» الأمريكية، فى لقاءاتها مع عدد من العاملين والمسئولين السابقين فى قناة «الجزيرة» قبل أن يتولى «خنفر» رئاستها أن «كثيرين شعروا بالقلق من النزعة التى أطلقها (خنفر) بخفض أصحاب الأفكار الليبرالية والقومية، وسيطرة أصحاب التوجُّهات الإسلامية على صناعة الخبر والقرار فى (الجزيرة)، بدأ هذا التغيير الجذرى منذ اليوم الأول الذى تولى فيه (وضاح خنفر) مسئولية القناة».
وتواصل: أن «الرسالة التى كان (وضاح خنفر) يريد توصيلها بوضوح هى: أن الإسلام السياسى صار هو العامل المؤثر فى الساحة السياسية والاجتماعية فى العالم العربى، وأن تغطية القناة تعكس الواقع، وأن أصوات الإسلاميين هى الأعلى صوتاً فى قناة (الجزيرة) لأنهم ببساطة هم أصحاب الوجود الأقوى على الأرض».
وصل أصحاب الإسلام السياسى إلى الحكم بعد الربيع العربى، وبعدها بعام ذهب «وضاح خنفر».
صار الكلام الآن بوجه مكشوف بين العائلة المالكة القطرية، ممثلة فى الشيخ أحمد بن جاسم، والمصالح الأمريكية، بعد أن صار هدف «الجزيرة» بوضوح الآن هو أن تستقطب الجمهور الأمريكى والعالمى إلى صفها.
هذا الهدف صاغه بوضوح «جهاد على بلوط»، رئيس قسم التسويق والعلاقات العامة بقناة «الجزيرة»، حيث قال: «خطة العمل الخاصة بالقناة كالتالى: السيطرة على المنطقة، وبعدها، وبواسطة قنوات (الجزيرة) الموجّهة الناطقة بالإنجليزية، يتم توسيع بيزنس القناة ليمتد عبر العالم كله. بدأنا باستثمارات الإمارة فينا ب150 مليون دولار، وكانت الخطة أن نموّل أنفسنا ذاتياً فى خلال خمس سنوات، تأخرنا فى ذلك لأن القوى الإقليمية فى المنطقة كانت تُقنع المستثمرين بأن يضعوا أموالهم فى محطات وقنوات أخرى».
تقول «جارديان» البريطانية: إن «(الجزيرة) مثلها مثل أى بيزنس إعلامى آخر يحتاج إلى الأموال لكى يستمر. وكان وجود الحكومات العربية التى تتحكم فى البيزنس عائقاً أمام تدفُّق الاستثمارات إليها، ففى النهاية، أى حكومات تلك التى تقبل أن تذهب الأموال لتدعم سلطة غير سلطتها؟ على أن (الجزيرة) كانت تحمل وجهة نظر مقنعة: أدرك حملة الأسهم فى المنطقة الآن أنهم يفقدون جزءاً مهماً من الكعكة، وأن عليهم أن يتجهوا إلى حيث يذهب زبائنهم. إلى (الجزيرة)، مهما كانت دموية العروض التى تقدِّمها على شاشاتها».
هل يمكن أن تكون الإطاحة بالحكومات العربية التى تقف ضد مصالح قطر، مجرد صراع بيزنس، أطاحت فيه «الجزيرة» بعائق تدفُّق استثمارات تلك الدول إليها؟
هيو مايلز، الصحفى البريطانى المشاغب، حاول أن يدخل إلى عقل أمير قطر فى إدارته بيزنس «الجزيرة» بعد نهاية الربيع العربى، فقال: «لقد أمضى أمير قطر سنوات طويلة من عمره وزيراً للدفاع، ويعرف جيداً أنه غير قادر وحده على الدفاع عن بلده الصغير. ومهما كانت علاقات الأمير بصنّاع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ضم الشعب الأمريكى إلى صفه هو أكبر ضمان لتأمين مستقبل بلاده. فالشعب الأمريكى فى النهاية، هو المؤثر الحقيقى فى سياسات حكامه وإدارته».
كانت تلك، من وجهة نظر «مايلز»، هى أهمية الصفقة التى اشترت بها «الجزيرة» قناة «آل جور» الخاسرة بنصف مليار دولار. معلنة أنها ستصل إلى كل بيوت أمريكا بها، وقال «مايلز»: «كان أمير قطر يدفع ثمن تحسين صورة قناة (الجزيرة) فى أعين الأمريكان. وأن ثمن هذا التغيير سيكون غالياً. لكن هذا المبلغ الذى استثمره أمير قطر فى شراء قناة تليفزيونية أمريكية لا يقارن بمليارات الدولارات التى ينفقها جيرانه على الأسلحة والحماية الأمريكية، فهو يشترى حماية أكثر نفوذاً بكثير، بمبلغ قليل نسبياً، خصوصاً أن هدف قطر فى المرحلة المقبلة سيكون حشد التأييد الدولى معها فى حالة حدوث أزمة جديدة فى منطقة الخليج، تهدد ثرواتها ونفوذها فى المنطقة، كما هو الحال لو اندلعت حرب مع السعودية مثلاً، أو وقع هجوم من إيران عليها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.