يبدو حزب النهضة الحاكم -حزب الإخوان المسلمين فى تونس- وكأنه يترنح ويفقد توازنه منذ حادثة اغتيال شكرى بلعيد، حيث فقدَ الحزب الكثير من شعبيته داخل الشارع التونسى بعدما ألقى البعض عليه باللائمة واعتبروه مسئولاً، ولو بشكل غير مباشر، عما وقع ل«بلعيد»، لكن الحزب الإسلامى الحاكم لم يستطًع لملمة نفسه وسقط فى مستنقع صراع داخلى بين جناحى «الصقور» ويقوده الشيخ راشد الغنوشى زعيم الحزب، و«الحمائم» ويقوده حمادى الجبالى أمين عام الحزب ورئيس الوزراء ومعه الشيخ عبدالفتاح مورو مؤسس حركة النهضة وأحد قادتها التاريخيين. وخرج «مورو» لينتقد أداء «الصقور» مطالباً الحزب، و«الغنوشى» تحديداً، بالتخلى عن السلطة، إذا كان ذلك فى صالح تونس، ولكن ما قاله «مورو» قوبل بهجوم شديد من أعضاء «النهضة»، وفى الوقت الذى يحاول فيه أعضاء «النهضة» نفى أية انقسامات داخل الحزب، مؤكدين أنه ما زال متماسكاً، إلا أن الخبراء السياسيين يرون أن «النهضة» ضربته الانقسامات التى ربما ستسقطه فى المستقبل. عادل الشاوش، النائب السابق عن حركة التجديد، قال إن الصراع داخل حركة النهضة وصل لصورة كبيرة لم نعهدها من قبل، كنا نسمع عن خلافات لكنها كانت تظل دائماً داخل إطار الحركة، الآن الصراع بين رئيس الحركة الغنوشى وأمينها العام حماد الجبالى وهو فى الوقت نفسه رئيس الوزراء. وأضاف: أعتقد أن إقدام الحركة على مسيرة السبت الماضى، هدفه إرسال عدة رسائل سواء داخل الحركة نفسها التى عانى أعضاؤها فى الفترة الأخيرة من مخاوف الإقصاء وشعروا أنهم فى مأزق بل وشعروا بالخوف خاصة بعد المشهد المهيب فى جنازة شكرى بلعيد، وهو ما أرادوا أن يردوا عليه برسائل للآخرين بأننا أيضاً موجودون، وكانوا قد حاولوا تنظيم مسيرة الأسبوع الماضى لكنها فشلت ولم يحضرها سوى 3 آلاف فقط، وأعتقد أن من حضروا أمس الأول لم يتجاوزوا ال15 ألفاً؛ هم يقولون مائة ألف، ولا أعتقد أن ذلك صحيح. وقال: «إذا عدنا للرسائل، هم نزلوا الشارع ليقولوا نحن ضد الإقصاء، من قال إنهم سيُقصَون، هم خائفون، أعتقد أنهم أرادوا فى هذا التوقيت إرسال رسالة خاصة لأمينهم العام حمادى الجبالى، وأرادوا أن يسبقوا مشاوراته التى قال إنه سيعلن عنها الاثنين، فأرادوا أن يتحركوا بسرعة ويثبتوا لأمينهم العام أنهم يملكون أدوات التحرك، لذا أعتقد أن جبهه الصقور داخل الحركة أرادت أيضاً توصيل رسالة داخلية للحمائم، ومنهم الشيخ مورو المؤيد لقرار الأمين العام حمادى بتشكيل حكومة جديدة، بأنهم قادرون على تحريك الشارع». من جهته، قال محمد على خليفة، الكاتب الصحفى التونسى، أن ما يحصل داخل حركة «النهضة» هذه الأيام يحتمل عدة قراءات، خاصة إذا ما تم وضعه فى سياقه الزمنى.[Image_3] فمنذ اغتيال القيادى فى الجبهة الشعبية شكرى بلعيد، حصلت تطورات متسارعة فى المشهد السياسى التونسى، أهمها مبادرة رئيس الحكومة حمادى الجبالى بتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، وما رافقها من لغط داخل الحركة وخلافات بين فريق يتمسك بما يعتبرها «الشرعية الانتخابية» وما أفرزته من أغلبية ومن يعتبر مبادرة «الجبالى» هى حبل النجاة وهى المخرج الوحيد من الأزمة القائمة. وبدا واضحاً أن معظم مكونات المعارضة اصطفت وراء مبادرة «الجبالى» ربما رغبة منها فى شق صف الحركة ذات الأغلبية فى المجلس التأسيسى التى تقود الائتلاف الحاكم، وقد راهن البعض بشكل واضح على هذا السيناريو أملاً فى إضعاف الحركة وكسب نقاط على حسابها فى هذه المرحلة، وهذا ما دأب عليه مختلف الأطراف السياسية التى تمارس حملات انتخابية لا تتوقف منذ الانتخابات التأسيسية. وهناك قراءة أخرى لما حدث، وهى أنه «تكتيك» من «النهضة» لامتصاص الغضب الشعبى وحالة الصدمة التى أعقبت اغتيال شكرى بلعيد، وما رافقها من هجوم عنيف على الحركة وتوجيه الاتهامات إليها بصفة مباشرة وتحميلها المسئولية الكاملة عما وصلت إليه البلاد من عنف وصل إلى حد الاغتيال السياسى، ولقياس مدى قدرتها على إعادة توزيع الأوراق بعد فشل مساعى التعديل الوزارى ورفض معظم مكونات الساحة السياسية الانضمام إلى الائتلاف الحاكم. لكن القراءتين لا تخفيان حقيقة «صراع الأجنحة» داخل الحركة التى تحاول فى كل مرة التقليل من شأنها وتسعى إلى الظهور بمظهر الحركة المتماسكة -وهذا معمول به لدى الحركات الإسلامية- وقد تبين اليوم بوضوح أن هناك فريقاً يعمل على عرقلة رئيس الحكومة وربما هو يراهن على فشل مبادرته، وبالتالى تقديم استقالته لينقض على الفرصة. وإن كانت «النهضة» قد أكدت أنها ستعيد ترشيح «الجبالى» لمنصب رئيس الحكومة إن هو قدم استقالته، لكن هذا الأمر يحتمل تأويلاً آخر وهو أن الحركة تغرى رئيس الحكومة وأمينها العام بالاستقالة وتعده بإعادة ترشيحه ربما لسحب البساط من تحت قدميه وتقديم شخصية أخرى (هى على الأرجح عبداللطيف المكى وزير الصحة فى الحكومة الحالية). واستبعد الدكتور قيس سعيد، أستاذ القانون الدستورى وعضو مجلس الحكماء، وقوع أية انقسامات داخل حركة النهضة، مشيراً إلى أن الخلاف الحالى ما هو إلا خلاف مرحلى مؤقت لن يصل مداه ولن تحدث أية انقسامات، حيث إن هذا الخلاف لم يكن الأول داخل الحركة لكنه الأكبر والوحيد الذى خرج على الهواء لوسائل الإعلام بهذا الشكل، خاصة فيما يتعلق بالشيخ عبدالفتاح مورو، وهذه ليست المرة الأولى التى يبدى فيها الشيخ مواقف ضد الحركة وهو بصفة عامة (مورو) ليس من القيادات المرغوبة فيها من قيادات السجن والخارج وهم يمثلون جناح الصقور. فى المقابل، قال عبدالحميد الجلاصى، نائب رئيس حركة النهضة، إن الحركة تعترف بالخلافات وتعالجها وهى تحسن إدارة الخلافات داخل أرجائها، مؤكداً أن الخلافات داخل «النهضة» أمر طبيعى، فنحن حركة ديمقراطية لا نمارس أى ديكتاتورية على أعضائنا، لكننا نسمع من الجميع، وهذا قمة الديمقراطية. وكشف عن اجتماع مع حمادى الجبالى رئيس الوزراء وأمين عام حزب النهضة لمجلس شورى الحركة، الذى يضم كل قادة «النهضة»، ناقش الخلافات الحادة حول مستقبل الحكومة، واستبعد «الجلاصى» حدوث أية انقسامات داخل الحركة، مؤكداً أن «النهضة» أقوى من أى خلافات وسيتم استيعاب الجميع وتجاوز تلك الخلافات. وحول الهجوم الذى شنه الشيخ عبدالفتاح مورو، أحد كبار مؤسسى الحركة، حول قيادتها ومطالبته للحركة بترك الحكومة، قال إن الشيخ مورو أحد مؤسسى الحركة وهو واحد من قياداتها المؤثرين والبارزين لكنه سريع الانفعال وشديد الجرأة، ونحن معتادون منه على تلك النيران الصديقة.وأضاف لكن هناك أطراً قانونية داخلية تحكم عملنا.