هذا السؤال يراه البعض غير جائز أو غير لائق أو ليس وقته، أو أنه يفتت الوحدة الوطنية أو أن له أغراضاً خبيثة.. وهلم جرا. لكن القليلين هم من يتصدون للإجابة عن السؤال ويدخلون فى نقاش فى متن السؤال وليس جدالاً حوله. الحوارات التى تدور -إن طُرِح هذا السؤال- تنحو غالباً تجاه المقارنة بالغرب، بأنه لن يسمح مثلاً لمسلم بأن يكون رئيساً لدولة أوروبية. هذا الطرح الذى قد يراه البعض صائباً وحجة صريحة، هو سياق خاطئ، للرد بالإيعاز بأنه ما دام المسلم لن يحكم فى دولة ما فى أوروبا؛ فبالتالى لن يحكم القبطى فى مصر. هذا الربط التعسفى الخاطئ هو ما يثير استغرابى؛ فكيف نجعل من القبطى المصرى أجنبياً بشكل غير مباشر داخل مصر. لماذا لا يزال هناك من يرى أن القبطى مخلوق قادم من كوكب آخر، وهو الذى وُلد ونشأ منذ آلاف السنين فى هذه البقعة من العالم وما زال يعيش عليها؟ حتى إن اسم مصر بالإنجليزية (إيجيبت) مأخوذ مباشرة من كلمة (القبط) كما تُنطق فى صعيد مصر (الجِبط). * التدين المصرى الذى عشته وأنا طفل صغير فى مصر كان تديناً معتدلاً، وكنا فى المدرسة لا نكاد نعرف الفرق بين المسلم والقبطى إلا من خلال الأسماء، بل كان هناك الكثير من الأسماء المشتركة التى لا تنبئ بهوية صاحبها الدينية (جلال، عادل، عزت، سمير، خليل، مريم، كاميليا، صفاء، فريدة، سارة) وقائمة أسماء لا تنتهى. مولدنا كان على الأرض نفسها وملابسنا كانت متشابهة ووجوهنا ولغتنا وكلامنا وسلامنا! عشت حياة جميلة فيها الكثير من التسامح الدينى، وكما كنت أسمع الأذان من المساجد القريبة وخطبة الجمعة، كنا نسمع يوم الأحد أجراس الكنيسة ثم ترانيم الصلوات المنبعثة من راديو الجيران. لم يكن هناك خطيب يتعدى بتشبيه النصارى بالكفار أو بالتهجم عليهم بأى قول كان، لكن بعد سنوات قليلة برزت الجماعات المتطرفة التى كفّرت المسلم فما بالك بالقبطى! وتصاعدت تدريجياً فى الفترة نفسها فتاوى أئمة المساجد فى الخطب بلا رادع، تبث الكراهية بتقسيم نسيج المجتمع المتماسك المتمازج إلى مِزَق على كل لون! مما أدى لرعونة البعض بحرق الكنائس والتضييق على بناء أخرى جديدة، حتى إن بناء كنيسة جديدة لا يكون إلا بقرار من رئاسة الجمهورية. * ما أذكره وأنا صغير أننى كنت مفتونا ب«حد السعف» والتشكيلات الجميلة التى يأتى بها هانى ومجدى وميرفت ومنى، وهم جيراننا الأقباط، بعد العودة من الكنيسة، ويأتى أهلهم لزيارتنا للتهنئة بالعيد، تماماً كما كان يرد أبى وأمى الزيارة فى أعيادهم وتهنئتهم بالمثل. لم يكن عجيباً أن أرى أقرانى الأقباط فى الشارع وهم يشاركوننا العيدين الفطر والأضحى بملابسهم الجديدة، ولأن أعدادنا كمسلمين كانت أكبر، وكمية الألعاب والمراجيح والبمب والبلالين والزمامير كبيرة، كان الكثير من العائلات القبطية تشاركنا طقوس العيد فتشترى الملابس الجديدة لأبنائها وبناتها لنعيّد معاً. * فى فيينا وحدها التى لا يتجاوز عدد سكانها المليونين، يبلغ عدد بيوت المسلمين حوالى ستين بيتاً ومسجداً، والإسلام دين معترف به منذ عام 1914، وحصص الدين الإسلامى متاحة للتلاميذ فى المدارس، ومدفوعة من وزارة التعليم، ويمكن للطالب أن يمتحن فى الدين الإسلامى فى الثانوية العامة بشكل رسمى لو أراد ذلك. يعامل المسلم معاملة حسنة، له حقوق وعليه واجبات مثله مثل أى مواطن، لأنه يستوطن النمسا، فالدين لله والوطن للجميع. انتهاك القوانين والتعدى على حرية الآخر فقط هما ما يعرض أى شخص للمساءلة. مجرد معلومة لمن لديه بصيرة!