في الوقت الذي حذر فيه وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيلي، الأربعاء، من أن المساعدات المالية الألمانية لمصر تتوقف على التقدم الذي يحرزه هذا البلد على صعيد الديموقراطية، قبل ساعات من زيارة للرئيس محمد مرسي لبرلين، استبقت السفارة الألمانية بالقاهرة الزيارة بنشر تقرير يوضح العلاقات المصرية الألمانية. وقالت التقرير إن العلاقات الألمانية المصرية عريقة، تدعمها المصالح المتبادلة. ولعل الحضارة المصرية العريقة وأهمية مصر الإقليمية تعتبر مفتاحاً للاهتمام الألماني. ويُنتظر أن تعزز زيارة الرئيس المصري محمد مرسي إلى ألمانيا هذه العلاقات. أضاف التقرير "ربما كانت من أكثر المرات التي ظهر فيها وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله ضاحكاً سعيداً بهذا الشكل خلال زيارة رسمية. كان ذلك قبل نحو عامين من الآن، عندما زار وزير الخارجية الألماني المتظاهرين الذين كانوا محتشدين في ميدان التحرير في القاهرة، والذين هتفوا: "تحيا ألمانيا، تحيا مصر". وقد وعدهم حينها بمساعدة ألمانيا للثورة المصرية. لم يكن ذلك بالنسبة له مجرد تجربة خلاص، لأن أرض النيل مكنت السياسة الخارجية الألمانية من الخروج من حالة الذهول التي سببتها بدايات الربيع العربي. ومنذ ذلك الحين بدت برلين ملتزمة بما وعدت به لمساعدة مصر في طريقها بعد سقوط حسني مبارك. أربع مرات كان وزير الخارجية هناك، وأكد مع نظيره المصري على الروابط العميقة بين البلدين. "عزيزي محمد، زيارتك هي زيارة صديق حميم لألمانيا"، بهذه الكلمات رحب غيدو فيسترفيله بنظيره وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، عندما زار الأخير برلين مؤخراً، "إنها زيارة صديق لأصدقائه". وعن العلاقات الإستراتيجية قال التقرير "لمحة فيسترفيله تلك لها أسباب وجيهة: بالنسبة لنا، مصر دولة أساسية في المنطقة"، ثم أضاف "لن تنجح التغييرات في المنطقة إلا إذا نجحت في مصر". قد يكون على حق، لأنه يتحدث قبل كل شيء، عن أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، عن بلد ذي ثقل كبير من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، وذي تأثير واسع من الناحيتين الثقافية والسياسية في العالم العربي. مصر تتمتع – في الواقع – بدور ثقافي رائد بالنسبة لجيرانها". واعتبر التقرير أن مصر تعتبر ألمانيا شريكا سياسيا يمكن الاعتماد عليه، وقال "إن اعتماد ألمانيا على مصر يمتد إلى الناحية السياسية أيضا، بسبب موقفها البراجماتي المعتدل تجاه إسرائيل، والذي بدأ منذ أواخر سبعينات القرن الماضي واستمر حتى يومنا هذا. وحتى في ظل الرئيس الحالي، الإسلامي محمد مرسي. ورغم أنه توجه له اتهامات بأنه أدلى بتصريحات معادية للسامية في الماضي، إلا أنه توسط بنجاح بخصوص النزاع الأخير بين إسرائيل والفلسطينيين. وحظي تدخله الدبلوماسي بالكثير من الثناء من برلين. إضافة إلى ذلك، فإن ألمانيا لا زالت لا توجه أي نقد حتى الآن بخصوص الأوضاع في مصر والتأخر أحيانا عن السير في طريق الديمقراطية، وخروج الجماهير إلى الشارع مجددا". ومنذ وقت طويل تحظى مصر بالفعل بالأولوية فيما يتعلق بالمساعدات التنموية الألمانية. ووفقاً لبيانات وزارة الخارجية الألمانية فقد قدمت ألمانيا لمصر خلال الخمسين عاماً الماضية ما يعادل خمسة مليارات ونصف يورو. ومنذ نهاية عام 2011 قدمت برلين 112 مليون يورو لدعم الطاقات المتجددة. وتم الاتفاق بعد الثورة على شطب 240 مليون يورو من الديون. ويفترض أن تساهم هذه المرونة المالية في ضمان استمرار الصحوة الديمقراطية. وهذا ما تساهم به أيضا اللجنة التوجيهية العربية الألمانية، والتي تتولى تنسيق الحوار بين البلدين. ورغم أن اللجنة التوجيهية موجودة فعلياً منذ خمس سنوات، ولكن بعد التغير في المجتمع المدني المصري فإن عملها بات أكثر أهمية. وختم التقرير قائلا "رئيس الدولة ليس وحيداً في موقفه الايجابي تجاه ألمانيا. "المصريون عموماً لديهم موقف منفتح جداً تجاه ألمانيا"، كما يؤكد الدكتور عبد الحليم رجب، الأكاديمي المصري المقيم في ألمانيا منذ عام 1995، والذي يقوم بتدريس اللغة العربية في جامعة بامبيرغ. ويرى رجب بأن العلاقات بين البلدين ستكون أسهل لأنها لا تعرف أي أعباء تاريخية، "على عكس ما هو الحال مع بريطانيا أو أمريكا وتدخلاتهما في المنطقة". ولابد من الإشارة إلى أن المصريين يشعرون بأن الألمان لديهم اهتمام كبير بثقافتهم، كما يقول رجب: "لهذا تقليد عريق... يكفي أن تلقي نظرة على شعراء الحقبة الكلاسيكية والرومانتيكية في ألمانيا". إضافة للحضور القوي للمؤسسات الثقافية الألمانية الذي يلاحظه رجب في بلاده. الفضول الكبير لدى الألمان تجاه مصر أمر من الصعب التغاضي عنه، ويشهد على ذلك التغطية الواسعة للمظاهرات في ميدان التحرير في القاهرة، أو وضع المسيحيين الأقباط في الإسكندرية مثلاً. ولكن الأمر غير مرتبط بالأحداث الجارية حالياً فقط. فهذه الدولة الشمال إفريقية بأجوائها الشرقية وحضارتها الفرعونية ثم الإسلامية تعتبر واحة يشتاق لها الألمان. فأكثر من مليون سائح يسافرون كل عام إلى أرض النيل. وحتى أولئك الذين لا يسافرون إلى مصر، يريدون أن يكونوا قريبين من الثقافة المصرية.