يبدو أن النجاح الذى حققه محمد منير عندما أعاد تقديم أغنية «حارة السقايين» لشريفة فاضل، فتح «نفس» كثير من المطربين لإعادة التجربة مع أغنيات أخرى شهيرة، والمتابع للساحة الغنائية فى الفترة الأخيرة سيجد مجموعة من المطربين تستعد لإعادة تقديم أغنيات من التراث فى ألبوماتهم الجديدة. ستطرح إليسا ألبومها الجديد، ويتضمن أغنية «قالولى العيد» التى سبق أن قامت بغنائها الراحلة سلوى القطريب من كلمات وألحان روميو لحود، ونفس الأمر ستفعله كارول سماحة، لكن على نطاق أوسع، حيث ستقدم ألبوما كاملا يتضمن أغنيات لوردة وصباح ووديع الصافى وسلوى القطريب، وهو ما سيفعله أيضا عبدالفتاح جرينى الذى سيطرح ألبوما من التراث المصرى والعربى، كما يشدو محمد حماقى بأغنية شهيرة لمطرب ما زال موجودا بيننا لكنه طلب عدم الإفصاح عن اسمه حاليا، وتستعد أيضا صوفيا المريخ لتقديم ألبوم يتضمن أغانى من التراث المصرى واللبنانى والمغربى والفرنسى والأمريكى، ومن فترة أعادت نيللى مقدسى أغنية «على عينى» لوردة بل وقامت بتصويرها فيديو كليب على غرار نانسى عجرم عندما أعادت أغنية «مستنياك» لعزيزة جلال وقامت بتصويرها. هذه الظاهرة اللافتة تطرح عددا من الأسئلة، منها: هل عجز صناع الأغنية الحديثة عن تقديم كلمات أو ألحان أو حتى فكرة جديدة؟ هل اختفى المؤلف والملحن ليعاد نشر الأغانى القديمة على أحبال الأصوات الشهيرة؟ وهل نعتبر الإعادة إفادة أم إفلاسا وتمسحا فى نجاحات سابقة؟ طرحنا هذه الأسئلة على بعض المطربين والملحنين وكان هذا التحقيق. يقول حلمى بكر: «لست مع هذه الظاهرة لأنه من المستحيل أن يترك المطرب الحالى بصمته فى أعمال غيره، وتوجه بعض المطربين لتسجيل أغانى غيرهم راجع لأسباب مادية بحتة، لأن من سيغنى لغيره لن ينجح فى الأغنية مثل مبدعها الأول، والدليل على ذلك أن كثيرا من المطربين غنوا أثناء ثورة 25 يناير أغانى مثل «يا حبيبتى يا مصر» للعظيمة شادية، و«حبايب مصر» للفنانة التونسية عليا، ولم ينجح أحد منهم، ورجع الناس إلى صوت شادية وعليا»، وتساءل بكر: «من غنى لأم كلثوم وكان أحسن منها أو أضاف لها؟ وحتى لو اجتهد الفنان وقام بإعادة التوزيع، فمن كلفه بذلك؟ ومن جهة أخرى فإن الفنان بصفة عامة إذا لم يكن له إنتاج خاص به فإنه من المستحيل أن يترك بصمته، وبعد رحيله ماذا سنقول كان يجيد أداء أغانى فلان أو فلانة؟ وعموما لا بد من الاجتهاد بالنسبة للفنان لكن هذا لا ينفى أن هناك أزمة فى الكلمات والألحان». ويقول محمد ثروت: «هذه الظاهرة صحية لأنها تعرف الأجيال الجديدة بتراثنا الغنائى، فمثلا عندما غنى محمد منير أغنيات نجاة وشادية ووردة وأخيرا شريفة فاضل، عرف جمهوره من الشباب بهذه الأغنيات التى لا تذاع كثيرا، وما يحدث حاليا ليس بدعة، فالعالم كله يعود الآن إلى الأغنيات القديمة لأنها الأجمل من حيث الكلمة واللحن، ويكفى أن أذكر أن أغنيات خوليو إجلاسيس التى قدمها فى السبعينات والثمانينات تغنى الآن وتحقق أعلى نسبة مبيعات، فهل ما يحدث فى العالم من حولنا حلال وما نفعله مع تراث مطربينا الكبار حرام؟ لقد قدمت أغانى الموسيقار محمدعبدالوهاب عبر ألبوم غنائى ونجحت ، وغنيت أغنيات العندليب الأسمر فى دار الأوبرا ونجحت، وبناء على طلب الجمهور طرحنا هذه الأغنيات فى ألبوم «موعود»، وفى النهاية أقول إن الأغنية الحلوة ليست ملكا لصاحبها ولكنها ملك الجميع». أما محمد الحلو الذى طرح منذ فترة ألبوم «أحبابنا» وغنى من خلاله أغنيات لمحمد قنديل ووردة ومحرم فؤاد وفايزة أحمد، فيقول: «ما المشكلة؟ أنا لم أقم بتشويه اللحن أو عمل إضافات عليه، لقد غنيت «لعبة الأيام» و«تعب القلوب» و«تمر حنة» و«جميل وأسمر» وغيرها بأمانة، وأقدمت على هذه التجربة حبا فى هذه الأعمال المحفورة فى وجداننا لا سيما أننى وجدت بعض المطربين يطرحون هذه الأغنيات بصورة مشوهة، فأحببت أن أعطيهم درسا فى كيفية غناء التراث بتوزيع جديد دون العبث فى الجمل الموسيقية، بالإضافة إلى أن الأغنيات التى وقع اختيارى عليها من الصعب أن يغنيها مطرب حاليا، وكان من المقرر أن أطرح جزءا ثانيا ووقع اختيارى على مجموعة أغنيات أخرى لكن الشركة المنتجة لم تقم بعمل الدعاية اللازمة للألبوم الأول، ولم أحصل على أجرى، لهذا اكتفيت بالجزء الأول الذى طرح، ومسألة إعادة الأغنيات القديمة مهمة لأننا نحاول أن نعرف الأجيال الشابة بأن هناك أغانى لكبار المطربين قريبة من الأغانى التى يقبلون على سماعها، فلماذا الضجة؟ ولماذا الاتهام بالإفلاس؟ فأنا لى أغان كثيرة ناجحة من حق الجميع أن يغنيها بشرط ألا يتم تشويهها أو إضافة أى شىء إليها يسىء لمحتواها الأصلى». وعلى النقيض من هذه الرؤية تأتى رؤية محمد سلطان، الذى يعترض على تلك الإعادة، مؤكدا أن الاعتراض ليس لتواضع الأصوات الحديثة التى تغنى غناء العمالقة، ولكن لأن ما يحدث حاليا إفلاس فنى، وتمسح فى نجاح سابق، ونوع من اللصوصية فى ظل الفوضى الغنائية التى نعيشها حاليا، والتى من المفترض أن تنتهى بعد ثورة يناير، فإذا أراد هؤلاء المطربون أن تمر حناجرهم على الألحان القديمة، فيمكن الاستعانة بألحان سيد درويش وداود حسنى وسلامة حجازى ومحمد عثمان وعبده الحامولى، فهؤلاء لا توجد لهم ألبومات، وأصواتهم غير معروفة على الإطلاق، لكن أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب ووردة وفايزة أحمد ونجاة محفورة فى قلوب الناس، وأى مساس بها يعتبر نوعا من العجز والفشل وعدم القدرة على الإبداع». وأخيرا يقول مدحت صالح: «أنا مع إعادة الأغنيات القديمة من خلال حفلات الأوبرا ومهرجان الموسيقى العربية، لكنى ضد طبعها على شرائط كاسيت وطرحها فى الأسواق، لأن هذا سطو على إبداع المطربين الراحلين واستثمار لنجاحهم، وعندما فكرت أن أقدم أغنيات الزمن الجميل قدمتها فقط فى المكان الذى يليق بها وهو الأوبرا، وجمهور الأوبرا أحبنى جدا فى هذا اللون من الغناء القديم لأننى من خلاله قدمت رسالة من الجيل الذى سبقنا إلى الجيل الحالى دون فذلكة أو ادعاء».