غداً غرة الشهر الكريم.. كل عام وأنت بخير، 24 ساعة تفصلنا الآن عن الإعلانات الموسمية التى تروج فى رمضان، كما لا تروج فى غيره من الأشهر الهجرية، إعلانات التبرع بالمال للمرضى والفقراء والمساكين وعابرى السبيل والمشردين وطلبة العلم. يتسابق فى هذا الاتجاه عشرات الجمعيات الخيرية المشهورة -من بين آلاف الجمعيات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى- التى تنفق على الإعلانات مبالغ تعد بالمليارات. يشهد على ذلك أن إعلانات التبرع تشغل المساحة الأكبر من خريطة الإعلانات خلال شهر رمضان، مستغلة فى ذلك تلك المحمدة المعروفة عن المصريين، بالميل إلى فعل الخير وكفالة المحتاج فى رمضان. مليارات الجنيهات تجمعها الجمعيات الخيرية فى رمضان، وغيره من أشهر العام، لا أحد يعلم مقدارها على وجه التحديد، ويصل البعض فى تقديرها إلى 30 مليار جنيه، وهو رقم لا نعلم مدى دقته، لكننا إذا أخذنا فى الاعتبار المعلومات الرسمية التى تقول إن حجم ودائع المصريين فى البنوك يقترب من 2 تريليون جنيه، وحسبنا نسبة الزكاة الشرعية عليها، فسنجد أنها تعد بما يقرب من 50 مليار جنيه، وبالتالى فرقم ال30 ملياراً الذى يقدره البعض كتبرعات تصل إلى الجمعيات الخيرية يبدو متواضعاً!. تخيل هذا المبلغ (ال30 ملياراً) يشكل نصف تكلفة حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس، وخمس تكلفة بناء مليون وحدة إسكان اجتماعى (تكلفتها تقدر ب150 مليار جنيه)، يعنى بالمبلغ الذى تجمعه الجمعيات الخيرية يمكن أن نحل مشكلة الإسكان الاجتماعى فى مصر حلاً نهائياً. ويزيد مبلغ ال30 مليار عن نصف ميزانية الصحة، ويقترب من نصف ميزانية التعليم فى مصر!. تخيل كم المشكلات التى يمكن حلها لو أشرفت وزارة التضامن الاجتماعى بشكل حقيقى على الجمعيات الخيرية التى تعد بالآلاف فى بر مصر المحروسة؟. مؤكد أن مشكلات عديدة يمكن أن تحل بهذه المليارات، ومؤكد أيضاً أن الإشراف الحقيقى من جانب الوزارة هو القادر على الحيلولة دون تحول هذه الجمعيات إلى مجرد «سبوبة للاسترزاق»، خصوصاً فى شهر رمضان. حكى لى أحدهم أن من يجد يتيماً فى هذا الزمان يكون قد وجد «لقية»، فمن خلال جمع «كام يتيم» أو «كام معاق» من هنا وهناك يمكنك أن تنشئ «بزنس» مربحاً للغاية، فالمتاجرة بهؤلاء الغلابة تدر أموالاً كثيرة، يمكن أن تدخل جيوب بعض جامعيها، أما إطعام «الغلابة» ومعيشتهم، وحتى حلاقة رؤوسهم فمن الممكن أن تتم بالتحايل على البائعين وأصحاب المساكن والحلاقين!. المصريون لديهم ميل فطرى إلى فعل الخير، وتلك واحدة من أجمل وأجل صفاتهم، وهم أشد ميلاً لذلك فى رمضان، لكن عليهم أن يتنبهوا إلى أنه لا خير مع كسل، وأن الخير يجب أن يذهب إلى من يحتاجه فعلاً، وليس لأقرب أو أول يد تقابل فاعله، دون بحث أو اجتهاد فى تحديد هل وقع الخير فى يد من يستحقه أم لا. أفهم أن يكسّل الإنسان فى أمور كثيرة، لكن أن يتراخى فى أمر يرجو به مثوبة الله، فذلك أمر غير مفهوم. جزء من الإصلاح أن نحارب من حولوا الشهر الكريم إلى «سبوبة للاسترزاق» بآلام البشر، دون أن يرفعوا عنهم، ولو نزراً يسيراً من الألم.