هل يكفي أن أقول إنه الجندي المظلوم في منظومة الرحابنة!، وهو الشخص الذي شارك في معظم مسرحيات "فيروز"، وكل مسرحيات زياد الرحباني. من منا لا يتذكر "فارس بك" في مسرحية "لولو"، ولا "المعلم نخلة التنين" في مسرحية "سهرية"، أولى أعمال زياد الرحباني، اللي كان بيطرب روّاد القهوة بصوته الجميل، أو "نسناس" في "ميس الريم"، وهو برضو أبوليلى في "فيلم أميركي طويل"، ورامز في "بالنسبة لبكرا شو". أتحدث عن صاحب الصوت الجبلي الفلكلوري الرخيم.. العظيم والحنون والمطرب والممثل والمؤدي والمسرحي "جوزيف صقر".. جوزيف أو الجو كما كان يحب أن يناديه صديق عمره زياد الرحباني، ابتدى مشواره في كورال الرحبانية، واحد واقف جنب عشرات الوجوه اللي بتغني، محدش بيلتفت له، ولا قادر على تمييز صوته من وسط عشرات الأصوات المتداخلة في الكورال. في يوم عادي ورا الكواليس في تحضير مسرحية لفيروز كان قاعد "بيدندن" لوحده، وكان زياد معدي بالصدفة، لفت انتباهه الصوت.. رايح جايب العود وقعد يعزف ويغنوا سوا، وكانت اللحظة دي هي بداية مشروع غنائي وصداقة وطيدة امتدت لربع قرن من الزمان. شكل جوزيف وزياد ثنائي مبدع اتكلم عن هموم الناس وظروفهم في سبعينيات القرن الماضي والحرب اللبنانية، والحروب العربية بإسلوبهم الساخر والناقد، لدرجة إنه أي لقاء لجوزيف كان لا يغفل إنه يجيب سيرة زياد وإنه صاحب الفضل الكبير عليه، وزياد لحد اللحظة دي لو اتكلم في لقاء لازم يتذكر رفيق مشواره "جوزيف صقر"، اللي عمره ما لقى حد يعوض مكانه بعد رحيله. الغريب في الموضوع، إن أعمال جوزيف إلى الآن لم تصل إلى الناس كما يجب، لكنها أكيد قدرت توصل للقلوب اللي بتدور على الأصالة والنقاء.. جوزيف كان الصوت الجبلي القادر على ارتداء عباءة الحداثة.. كان يقول أحمد قعبور: "فزعت"من قدرة جوزيف على إنه يغني ألحان الجاز بتاعت زياد.. مش معقول شو متمكن، جوزيف الضاحك دائمًا، مات منكسر ومقهور". وتابع "جوزيف كان ليه حفلة قبل يومين من رأس السنة.. وكان بقاله سنين طويلة ما عملش حفلة، فكان مبسوط جدًا بآخر ألبوم عمله مع زياد، لكنه لم يكن يعرف أن جمهور القرن ال21 تغير عن الجمهور اللي هو متعود عليه طلع على المسرح، محدش كان باصص عليه، رجع على بيته مقهور، وتاني يوم أذيع خبر وفاته.. في اليوم الأول من العام 1997". جوزيف مكنش مستني حد يبكي عليه، يكفي إننا نتذكر أي شخصية من شخصياته، يكفي إننا نفتكر إن كل محاولات فيروز في إخراج أغنية "ع هدير البوسطة" هو عملها بتلقائية شديدة.. جوزيف اللي لما اتسأل عن الشيء الوحيد اللي ندم عليه، قال "إني ما اشتركتش في ألبوم أنا مش كافر، وما غنيتش اسمع يا رضا كما يجب".. وقال زياد مرة "ما حدا يفكر إنه رح يحل محلّ جوزيف لا هلّا ولا بعدين، معه كل الحق". جوزيف كانت أغنيته المفضلة: أنا عندي حنين لفيروز، وإحنا كمان يا جو كلنا عندنا نفس الحنين اللي بياخدنا ليك ولصوتك.. في دقايق بسيطة، هي عمر أغنيتك، هي عمر حلمك".