أثارت زيارة الناشط مايكل نبيل لإسرائيل أوجاعاً فى قلب الثوار، خاصة أنه قدم نفسه على أنه من ثوار التحرير فى حضرة محفل من قتلة الثوار الفلسطينيين، وأشار إلى تجربته ضد العسكرة فى دولة تديرها أسوأ فاشية عسكرية فى العالم، وتحدث عن السلام فى عقر دار ثقافة الحرب، زار قبر رابين متجاوزاً قبور أكثر من خمسين ألف شهيد فلسطينى قتلوا بيد آلة الحرب الصهيونية. وبعيداً عن تبادل الاتهامات، والأخطاء التى ترقى إلى حد الخطيئة، والمعلومات الهوجاء التى استعرضها فى الجامعة العبرية، فلا عبدالناصر ولا السادات كانا عضوين فى ميليشيات الإخوان السرية، ولا مجندو الجيش المصرى مليونان، ولا يوجد أوجه تشابه بين حركة القوميين العرب والحركة الصهيونية، كل تلك الأخطاء جعلت مايكل يبدو كمن أخطأ وبدلاً من دخول حمام سباحة دخل معبداً بالمايوه! ولعل أخطر ما فى هذه الزيارة هو السؤال: لماذا فشلت محاولات دعاة السلام المصريين على مدى ثلاثة أرباع القرن، فى إقامة سلام شعبى مع الوسط اليهودى قبل 1947؟ فمن زيارة المفكر العظيم أحمد لطفى السيد فى افتتاح الجامعة العبرية 1925، وما تلاها من زيارات صحفية للسياسى والصحفى البارز محمد حسنين هيكل (1946-1948)،كتب عنها فى أخبار اليوم وآخر ساعة، إلى فشل الراحل الكبير السادات واتفاقات كامب ديفيد 1978 فى تأسيس سلام شعبى، ثم زيارة الكاتب الكبير على سالم 1995، ثم محاولات قامات كبيرة مثل لطفى الخولى والدكتور عبدالمنعم سعيد وصلاح منتصر فى إقامة جمعية للسلام رغم تقدير واحترام النخب الفلسطينية لهذه المبادرة. حتى الرئيس السادات، رحمه الله، ورغم امتنان الشعب المصرى له لانتصار 1973 واحترامه لنواياه تجاه السلام، فإنه مات مقتولاً ومعزولاً بسبب محاولاته السلامية التى أسفرت عن استرداده للأرض وفقدانه لتأييد الشعب. هل سلسلة الفشل المتكرر لدعاة السلام المصريين سببها أن الشعب الفلسطينى لم يحصل على حقوقه، أم أن آلة الحرب الصهيونية لا تكف عن سفك الدماء ومنذ 1978 وحتى الآن خاضت إسرائيل عشر حروب واعتداءات على الدول العربية بخلاف اجتياح غزة 6 مرات؟ بالطبع لا ننكر أخطاء العرب والفلسطينيين، وأسلمة «حماس» للقضية، ولكن على الجانب الآخر ما زال الرئيس محمود عباس يمد يده بالسلام ولا مجيب. أيضاً لا بد أن نلفت النظر إلى أن العقد الأخير قد شهد صعوداً لليمين الإسرائيلى، وانهار حزب العمل، واختفت حركة «ميرتس»، وفقدت حركة السلام الإسرائيلية قوامها وشعبيتها. فى هذا السياق ودون دراية وبحركة بهلوانية دخل مايكل نبيل المعبد الصهيونى عارياً لا يستر عورته إلا المايوه، فصفق له الجميع اندهاشاً والتقطت معه الصور التذكارية، فتصور هذا المراهق المسكين أن ذلك لكونه داعية سلام! فيا أيها الفتى الذى تعاطفنا معه حينما حوكم عسكرياً، القضية أعمق من تنظيم وقفة احتجاجية، أو أن ترفع عقيرتك وتصرخ: «يسقط حكم العسكر»، فحركة التاريخ وأقدار الشعوب لن تحلها معاهدات حكام أو نوايا حسنة، لأنه كما يقول الفيلسوف إنجلز: «الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة»، هذا إذا كانت النوايا حسنة! وكان غيرك أشطر يا بلبل.