شخصية متعددة الاهتمامات والجوانب، عشقتْ التفرُّد والتميز، فكانت أول فتاة تنال «البكالوريا» -وهى شهادة الثانوية العامة حاليا- وتقوم بتدريس اللغة العربية التى كان تدريسها يقتصر فقط على مشايخ الأزهر وخريجى كليات دار العلوم، وكانت أول ناظرة فى تاريخ التعليم المصرى.. عشقتْ الحرية، فنادت بتحرير المرأة وضرورة تعليمها.. عشقت الأدب والشعر، وكتبت القصة ونظمت القصيدة، إنها «نبوية موسى». وُلدت نبوية موسى بمحافظة الشرقية فى 17 ديسمبر 1886م، وكان والدها ضابطاً بالجيش المصرى، وسافر قبل ميلادها بشهرين إلى السودان بعد الثورة المهدية، لكنه رحل، فنشأت نبوية موسى يتيمة الأب، وعاشت هى وشقيقها فى رعاية والدتهما، فغرس فيها اليُتم إحساساً بالثقة والإصرار على التفرد والنجاح. عندما بلغت السادسة من عمرها، ساعدها شقيقها فى تعلم القراءة والكتابة فى المنزل، وأقبلت نبوية موسى على القراءة بحماس وشغف بالقصص والشعر، وحلمت أن تواصل دراستها برغم المعارضة الشديدة من أسرتها، ورغم رفض المجتمع تعليم البنات آنذاك.. التحقت نبوية موسى بالمدرسة السنية للبنات، ونجحت فى عام 1901م فى الالتحاق بالصف السادس الابتدائى، واستطاعت بعد عامين من الدراسة أن تحصل على الشهادة الابتدائية فى عام 1903م. فى عام 1906م أتمت نبوية موسى دراستها بقسم المعلمات السنية، وعُيِّنت مُدرسةً بمدرسة عباس الابتدائية بالقاهرة، فهل توقف طموح نبوية موسى عند هذا الحد؟ بالطبع لا. صمّمت أن تحصل على شهادة البكالوريا، واستعدت لها بمجهودها الذاتى، فلم يكن فى مصر، فى ذلك الوقت، مدارس ثانوية للبنات، تقدَّمت نبوية موسى للامتحان، فأثارت ضجة فى وزارة المعارف -وهى وزارة التربية والتعليم حالياً- باعتبارها أول فتاة فى مصر تجرؤ على التقدم لهذه الشهادة التى كان من يحصل عليها يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة. نجحت نبوية موسى فى الامتحان، وحصلت على شهادة البكالوريا عام 1907م، ثم حصلت على دبلوم المعلمات عام 1908م، وبدأت تكتب المقالات الصحفية وتنشرها فى بعض الصحف، مثل «مصر الفتاة» و«الجريدة»، وتناولت فيها قضايا تعليمية وأدبية واجتماعية، كما ألفت كتاباً مدرسياً بعنوان «ثمرة الحياة فى تعليم الفتاة» قررته وزارة المعارف على الطلبة. تولت الأستاذة نبوية موسى نظارة المدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم، وكانت أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية للبنات ونجحت فى نشر تعليم البنات فى الفيوم، فزاد الإقبال على المدرسة، وارتفع عدد تلميذاتها إلى أكثر من الضعف فى مدة أربعة أشهر. فى عام 1910م تولت الأستاذة نبوية موسى نظارة مدرسة معلمات المنصورة بعد أن رشحها أستاذ الجيل (أحمد لطفى السيد)، وحازت المَدرسة المركز الأول فى امتحان كفاءة المعلمات الأولية. فى عام 1920م، نجحت نبوية موسى فى تأسيس مدرسة ابتدائية حرة للبنات فى الإسكندرية، تولت إدارتها وأثبتت نجاحاً كبيراً، كما قامت فى العام نفسه بنشر كتابها عن المرأة والعمل، دافعت فيه عن حقوق المرأة، وسافرت -ضمن الوفد النسائى المصرى- إلى مؤتمر المرأة العالمى الذى عُقد فى روما عام 1923م، كما قامت بإنشاء مطبعة ومجلة نسائية أسبوعية باسم (الفتاة)، صدر العدد الأول منها فى 20 أكتوبر 1937م. عشقت نبوية موسى عالم الأدب، فألفت روايتها التاريخية «توب حتب». وأصدرت ديوانها الشعرى الذى دعت فى أبياته إلى ضرورة تعليم الفتاة، فربطت بين تقدم الأمم ووضع المرأة، فتقدُّم المرأة هو سر تقدم الأمم، ولأنها دائماً متفردة، كانت نبوية موسى من أوائل المهتمين برياض الأطفال، وما يتصل بها من أدب الطفل وأهميته فى تنمية الخيال، فنادت بضرورة الاهتمام بكتب الأطفال، شباب الغد ورجال المستقبل. ظلت نبوية موسى تعشق مصر إلى آخر نبض فى حياتها، ولا نجد أفضل من أبياتها التى كتبتها للأطفال عن نهر النيل، والتى تدل على وطنيتها المتدفقة وحبها لمصر. إذا ما النيل حط بنا الرحالا وفاض على شواطئه وسالا وأهدى مصر جلبابا موشى بفضته فألبسها جمالا أرادت أن تباريه فغطت بسندس نبتها تلك الرمالا وأبدت درها المكنون حتى يطيب الضيف فى الأحياء حالا