هل أنا متعصب؟ سؤال لا يطرح نفسه وإنما أطرحه لنفسى، وسيكون ردى العفوى السريع: «لا طبعاً.. على الإطلاق!» لكنى لو راجعت نفسى بروية، سأكتشف أننى متعصب فى بعض الأحوال لبعض الأفكار أو الأشخاص أو لبعض الأشياء أو الأمكنة، لكنى أحاول وأتمنى ألا تكون درجة تعصبى مضرة لآخرين أو مسيئة لهم أو لمشاعرهم وقناعاتهم. والتعصب أنواع ودرجات، والمبالغة فيه تمثل سلوكاً غير سوى فى النهاية، ولا يخلو واحد منا من تعصب ما، لكن هناك من يسيطر على درجة تعصبه ولا يجعله يصل لدرجة كراهية المخالف، وهذا أفضل المتعصبين. وهناك من هو متعصب دون أن يدرى وهذا خطر لأنه يتبنى أفكاراً مسبقة أو ينساق وسط قطيع ينتمى للفكرة المتعصبة نفسها ويريد تدمير الفريق المخالف، وهناك أخيراً من هو متعصب ويعرف ذلك ويصر عليه رغم علمه بأن تعصبه يؤذى الآخر وهذا هو أخطر المتعصبين. * كنت فى مراهقتى فى مصر أشجع أحد فرق كرة القدم الشهيرة، وكنت متعصباً إلى حد ما إذا قيمت نفسى بمقاييسى اليوم، كنا نتبارى فى إظهار الفروق وتحليل المباريات ويعلو صوت جدالنا وخلافنا، بل وصل البعض منا لدرجة تنزيه الفريق الذى يعشقه وتأليه بعض لاعبيه، فصار تشجيع فريق ما بمثابة الاعتقاد والإيمان. قرأت مرة عن مباريات كرة قدم تجرى بشكل شعبى فى أحد المجتمعات الأفريقية، يتبارى فيها الفريقان ولا تنتهى المباراة إلا حين يسجل كل فريق عدد الأهداف نفسها للفريق المنافس، حتى يصلان بالنتيجة إلى التعادل، وحينها يصفر الحكم لينهى المباراة. رغم أن الفكرة قد تبدو عبثية للكثيرين فإن رسالتها تبدو واضحة! * حزنى يزيد حين أرى داخل الأوطان العربية للمرة الأولى أعلى درجات التعصب، السياسى والدينى والعرقى والطبقى والنوعى وغيرها، وقد بدأ يأخذ شكل الوباء، وأكثرها خطورة وضرراً هو التعصب الأيديولوجى والعقائدى الذى يقسم العالم إلى فريقين: فريق الجنة وفريق النار، أو جماعة الإيمان وجماعة الشيطان، ولا يُسمح بالخلاف فى الرأى ولا بأى تناظر فكرى يسمو بالوعى، بل بمحاولة تصفية الآخر معنوياً أو جسدياً باعتباره عدواً، حتى أوشكنا على مطالبة الأممالمتحدة لتحفظ السلام بين مواطنى البلد الواحد. * يحزننى ما أراه من تعصب دينى (مسلم وقبطى وشيعى وسنى ولا دينى) وفكرى ورأسمالى وشيوعى ويسارى ويمينى وأهلاوى وزملكاوى وإسماعيلاوى وبورسعيدى، بل لمن يلبس الأحمر ضد من يلبس الأبيض أو الأصفر، وتعصب ساكن الزمالك وجاردن سيتى ضد ساكنى شبرا والكيت كات، أو تعصب ساكنى الرحاب والتجمع الخامس ضد سكان القاهرة بالكامل، والطبيب ضد المدرس والمدرس ضد الفلاح والفلاح ضد البائع المتجول والبائع المتجول ضد الشحاذ والشحاذ ضد كل الأغنياء، والرجل ضد المرأة. ومن يأكل البقر ضد من يأكل الخنزير، ومن يشرب الشاى ضد من يشرب القهوة، ومن يدخن ضد من لا يدخن. تعصب للطبقات وتعصب للمهن وتعصب للأحياء وللمحافظات وللمدارس وللجامعات وللملابس وللشراب وللطعام وكل القائمة الطويلة! * أصبح كل ما يدعو ومن ينادى بالتفكير ورفع وعى الناس كأنه على خطأ، حتى وصلنا لدرجة أن كل الأمور الضرورية فى حياتنا تدنت، من تعليم ورعاية صحية وتوفير عمل واستقرار وتوفير أمن وأمان، وأصبح الحديث عن هذه الأمور مجرد شعارات طنانة فى خطابات لا تأتى إلا بالخطوب؛ كلمات مثل: الكرامة والعزة والإباء والمجد والشرف والعلياء والبطولة والرخاء والرفاهية والأخوة؛ ثم يعيش الناس حياتهم كلها فى عكس كل هذه المعانى!