اتسمت أعماله الأدبية بالبلاغة والكتابة عن عالم الريف والبسطاء والمهمشين في من خلال النظر للتفاصيل الدقيقة لحيوات أبطاله المهمشين في الحياة الذين لا يهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حوله، ثبت على موقفه السياسي المعارض لبعض سياسات الدولة حتي وافته المنية في عام 2012، أنه الأديب والكاتب المصري محمد البساطي الذي نحيي ذكري وفاته اليوم. ولد محمد البساطي عام 1937 في بلدة الجمالية المطلة على بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية، وعمل مديراً عاماً بالجهاز المركزي للمحاسبات، ورئيساً لتحرير سلسلة " أصوات " الأدبية التي تصدر في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. أنهى دراسته الثانوية وانتقل إلى القاهرة ليكمل دراسته الجامعية فحصل على بكالوريس التجارة عام 1960، لكن توجهه الأدبي غلب على دراسته الأكاديمية، وبعد سنتين حاز علي جائزة القصة من نادي القصة التي كانت في حينها حلم كل الأدباء الشبان ، لتبدأ بعدئذ رحلته مع عالم السرد الروائي والقصصي. استمد البساطي نماذج شخصياته الروائية والقصصية من عالم البسطاء في مصر وكان من أغزر كتاب جيله إنتاجا خصوصاً في السنوات العشرين الأخيرة من حياته، إلا أنه لم يحظ بدعاية إعلامية لأعماله المتميزة بالمقارنة بأبناء جيله، لأنه لم يسع إلى الإعلام ولم يبحث عن الشهرة، فاستوحي رواية "صخب البحيرة" من روح وليالي قريته "الجمالية" التي كان يقضيها وهو يصغي إلى حكايات العجائز بعمقها وجماليتها، ونجد أيضاً روايته "أصداء الليل" التي صنع أحداثها من حكايات عجائز القرية اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب. لكنه خرج عن هذا الهامش في أعماله الأخيرة فتناول في روايته "فردوس" الحياة في المدينة" ورواية "الخالدية" عالم الفساد في وزارة الداخلية، وابتدع عالم مواز لعالم القمع الذي تعيشه مصر. بقي البساطي محافظاً على موقفه السياسي المعارض للنظام منذ توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية كامب ديفد. وكان ناشطاً في مواجهة التطبيع مع إسرائيل ففي روايته "ليال أخرى" يتناول التحولات الكبرى التي عرفتها فترة السبعينيات، خاصة مرحلة الانفتاح الاقتصادي التي عصفت بالطبقة الوسطى وغيرت الواقع الاجتماعي المصري، والصلح مع إسرائيل والهجمة على المثقفين. وقد رفض البساطي طوال حياته الجوائز التي تمنحها الدولة المصرية خصوصا في ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولم يقبل سوى الجائزة التقديرية التي حصل عليها بعد ثورة 25 يناير. منح البساطي جائزة العويس في دورتها السابعة، وصف النقاد أسلوبه الروائي بأنه "يتسم بالبليغ الدال سرداً وأسلوباً ، ويتوق إلى استحداث أفق شعري رائق"، وأضاف تقرير لجنة التحكيم يومها بأنه "يعمد إلى التجربة الاجتماعية والنفسية والسياسية فيلقي النور على الجوهري فيها محتفظا بما هو إنساني عام لعرضه ضمن بنية تخيلية تمتاز بالشاعرية. ترك محمد البساطي نحو عشرين رواية ومجموعة قصصية من بينها "التاجر والنقاش" و"المقهى الزجاجي" و"الأيام الصعبة" و"بيوت وراء الأشجار" و"صخب البحيرة" و"أصوات الليل" "ويأتي القطار" و"ليال أخرى" و"جوع". ومن مجموعاته القصصية "الكبار والصغار" و"حديث من الطابق الثالث" و"أحلام رجال قصار العمر" و"هذا ما كان" و"منحنى النهر" و"ضوء ضعيف لا يكشف شيئا" . توفي الكاتب البساطي 14 يوليو عام 2012 عن عمر يناهز 75 عاماً، وذلك بعد صراع طويل مع مرض سرطان الكبد بعد رفضه العلاج على نفقة الدولة التزاماً منه بموقفه الذي اتخذه قبل سنوات بالبعد عن المؤسسة الرسمية.