"انقلاب عسكري.. لكن شيك".. هكذا وصف مراقبون الاحداث المتلاحقة التي شهدتها البلاد علي مدي اليومين الماضيين، بدءأ من منح سلطة الضبطية القضائية لرجال الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية، مرورا بحكم المحكمة الدستورية العليا برفض قانون العزل السياسي ومن ثم استمرار الفريق احمد شفيق في السابق الرئاسي، وحل مجلس الشعب، ثم منح المجلس العسكري سلطة التشريع لنفسه. "الوادي".. استطلعت اراء عدد من السياسيين حول دقة تعبير "الانقلاب العسكري"، وتداعيات هذه القرارات المتلاحقة علي الوضع المصري الحالي، خاصة وانه لا يفصلنا عن جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية غير ساعات. من جانبه، قال ابراهيم نصر الدين استاذ العلوم السياسية ان الحديث عن انقلاب عسكرى، مهد له المجلس الأعلي للقوات المسلحة، يعتبر دربا من الخيال، خاصة وان مروجى هذا الكلام من جماعة الاخوان المسلمين، وتساءل " هل اذا جاءت احكام القضاء لصالحهم يهللون.. واذا جاء غير ذلك يستنكرون؟". واضاف الخبير السياسى اننا فى مشهد عبثى بطله حزب الحرية والعدالة وجماعه الاخوان المسلمين، فنحن ارتضينا منذ البداية بالتحكيم القضائى ولم يحدث اعتراض على احكام القضاء الا بعد زوال حالة الانسجام والتوافق بين المجلس العسكرى وجماعة الاخوان، بعد تخول الأخيرة بشكل كبير داخل مفاصل الدولة. وتابع " لا تستطيع تفسير فترة حكم المجلس العسكرى بالانقلاب الناعم خاصة وان المجلس العسكرى لم يصدر اى قرار بمفرده بل انه صدق على قانون العزل السياسي الذى اقره مجلسى الشعب والشورى، بل واصروا على تطبيقه خاصة وان الجميع من المهتمين بالشأن السياسى كانوا اوصوا بعدم دستورية هذا القانون لتفصيله على اشخاص بعينهم وليس للعموم. واشار استاذ العلوم السياسية الى ان الاخوان ارادوا ابتلاع الثورة والركوب على شرعية المجلس العسكرى دون ان يدركوا طبيعة العلاقة التى تربط القوات المسلحة متمثله فى الشرطة العسكرية والشرطة المدنية والبسطاء من ابناء الشعب المصرى. واعرب نصر الدين عن دهشته من تذاكى الاخوان المسلمين، فهم ارادوا الاحتكام الى صندوق الانتخابات، فلماذا يعودون الآن الى البكاء والعويل لانهم ادركوا بفقدان مصداقيتهم فى الشارع المصرى، بالاضافة الى قيامهم بالعديد من الخطواط التى عطلت مسار المرحلة الانتقالية، ومن اهمها الاصرار على تشكيل لجنة تأسيسية أولى وثانية مشكوك فى دستوريتها بالاضافة الى موافقتهم منذ البداية على الاعلان الدستور عن طريق الاستفتاء. واضاف، ولكنهم ادخلونا فى دوامه الدولة المدنية ، ولكن فى الحقيقة لا يوجد مسمى باسم الدولة المدنية، فحقيقة المسمى لابد ان يكون الدولة الوطنية فلا هى مدنية ولا عسكرية ولا دينية خاصة وان الدولة الوطنية تعرف بان كل من يعيش على ارضها يحمل جنسيتها ويتحمل كافة اعبائها ويلتزم بقوانينها، فلا يجب التفريق بين مواطنيها من حيث الدين او الجنس او النوع او منطقة الاقامة، وهذه مبادىء العلمانية التى يخوفون الناس من اقامتها. وقال " يجوز ان يتولى الدولة الوطنية قيادة عسكرية او مدنية او دينية وليس بمنطق دينى او عسكرى، لان ذلك يرجعنا الى عصر ما قبل الدولة. وتابع انتقاده للاخوان قائلا " الاخوان ساهموا فى انتشار مخطط تقسيم مصر عن طريق لقاء طوائف الشعب مثل شيوخ القبائل والاشراف والسيناوية، فمن الواضح انه اذا استحوذ الاخوان علي حكم البلاد لن يتركوه، ولنا فى التجربة السودانية عبرة وعظة، فكل من يتقاتل فى ليبيا وغزة والصومال وافغانستان والعراق والجزائر من الاسلاميين، فالخطورة ان جماعة الاخوان المسلمين ليست تنظيم مصرى بل انه تنظيم عالمى غالبية اعضائه يحملون الجنسية الامريكية بعد خروجهم من مصر واتجاههم الى السعودية ومنها الى الولاياتالمتحدةالامريكية، وتجدهم يتكلمون عن العدو الامريكى. وحذر الخبير السياسى من عدم رضا الاخوان المسلمين عن نتيجة صندوق الانتخابات في حالة فوز الفريق احمد شفيق، قائلا " من المتوقع الوصول الى مرحلة العنف المسلح". ووصف نصر الدين على قرار وزير العدل بمنح سلطة الضبطية القضائية لرجال الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية، بأنه قرار صائب، خاصة وانه فضل ان تكون مصلحة امن واستقرار الوطن على رأس الاولويات فى المرحلة القادمة، وان المجلس العسكرى بدأ الآن يسير فى الطريق الصحيح بانتخابات رئاسية ثم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور ثم انتخابات برلمانية "مجلس الشعب ومجلس شورى"، ان وجد له مكان فى الدستور الجديد. وقال القيادى اليسارى احمد بهاء الدين شعبان، لا نتمنى ان نصل الى مرحلة الانقلاب العسكرى لانها ليست فى مصلحة الثورة او ثوار 25 يناير، لان ذلك معناه مواجهات مسلحة كما حدث فى مرحلة التسعينات، والتي قادتها الجماعات الاسلامية، موضحاً ان المناخ الذى نعيشه يثير نوع من التخوفات، قائلا " الحقيقة ان المجلس العسكرى يسير فى خطوات ممنهجة لاجبار المصريين على كراهية الثورة والبقاء على حكم البلاد، والتى كان اخرها ما اعلنه وزير العدل بمنح سلطة الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية وهو اخطر من قانون الطوارىء الذى يرتبط بتوقيت معين نعرف ملامحه، وقال " هذا القرار يهدد الحريات العامة والديمقراطية، ومن ناحية اخرى الحكم بعدم دستورية قانون العزل، وهذا الامر ليس جديد، لان هذا القانون ولدا مشوها وكان من المتوقع وفاته لانه من نوعية قوانين فتحى سرور المفصلة على اشخاص بعينها. واعتبر شعبان حل مجلس الشعب، قراراً لصالح الثورة والثوار خاصة واننا كنا نعانى فى الماضى من سيطرة الحزب الواحد على كل مقاليد مجلسى الشعب والشورى. وأكد القيادى اليسارى اننا عدنا الى المربع صفر، وتحت علي بعد خطواط من انتخابات رئاسية جاء طرفيها لا يعبر عن الثورة، ورغم تحفظه علي استكمال مسار المرحلة الانتقالية لتسليم السلطة، اعتقد شعبان انه ليس من المرجح استكمال انتخابات الرئاسة لان البداية كانت خاطئة، موضحا ان جربنا الحكم العسكري، وكان له العديد من الاخطاء بالاضافة الى المواجهات التى كانت بين القوى الثورية ورجال القوات المسلحة، وكان ذلك الامر غير قانونى، فمابالنا وقد اصبح الامر بحكم القانون وسلطة الضبطية القضائية. وراهن القيادى اليسارى على سلمية الثورة، قائلا "حتى الحركات الاحتجاجية لا يمكن ان تصل الى حد المواجهات فنحن دعاة تغيير سلمى وديمقراطى واى خطأ سيرتكبه الطرفين ستكون نتيجته مواجهات دامية وسيستمر لفترات طويلة وكل تلك الامور ستخصم من رصيد استقرار البلاد. وقال هشام فؤاد القيادى بحركة الاشتراكيين الثوريين أن حكم المحكمة الدستورية جاء ليعلن أن مرحلة من الثورة قد حسمت، مرحليا، لصالح نظام عسكري يخدمه قضاء متواطئ، حكم من بين ما حكم بحل البرلمان ورفض قانون العزل لمن تولى منصب رئيس الوزراء، بينما كان شباب الثورة يذبحون في الشوارع، كما حكم في سابقة في تاريخ القانون المصري بإعطاء صلاحية قضائية للجنة إدارية تشكلت بقرار من المجلس العسكري للإشراف على انتخابات ستأتي بأحمد شفيق المعزول شعبيا، المدعوم عسكريا وقضائيا، لينفذ ما وعد به الشعب من فرض الأمن في 24 شهرا وإعدام من وصفهم بالبلطجية وازدهار الاقتصاد بطرح عمالنا وكادحينا سلعة رخيصة في سوق العمل العالمي. واضاف هشام فؤاد انه في حين حشد نظام مبارك ممثلا في مجلسه العسكري كل ما يملك من مؤسسات وموارد وإعلام ورجال وعتاد لمواجهة ثورة 25 يناير 2011، اختلفت القوى السياسية حول تقسيم المجتمع إلى مدني "بمعنى علماني" وإسلامي فذكرهم المجلس العسكري اليوم أن مصر منقسمة إلى مدني "بمعنى غير عسكري" وعسكري.. وأثبت لهم أن الديمقراطية بحراسة العسكر أكذوبة وان الإشراف القضائي الذي يحدده العسكر تابع ومنعدم الاستقلالية. واكد فؤاد ان اصرار القوى السياسية المتفاوضة والمتوافقة والنهمة إلى سلطة لم تكن يوما في أيديهم ليفرضوا شروطهم على اختصار مطالب الثورة في مطالب "ديمقراطية" في ظل نظام لا يستوفي حتى الشروط المجحفة للديمقراطية البورجوازية، وإنما يزيد عنها بأنه يحمل السلاح ويمتلك المعتقلات والسجون وآلات التعذيب الرهيبة، بينما كانت الجماهير تهتف للقمة العيش والحق في العمل والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، فاعتبرت هذه المطالب مطالبا فئوية عليها أن تنتظر لحين ما يتحقق استقرار الدولة وهو ما يعني استقرار البورصة والاستثمارات وعجلة الإنتاج تدهس من تدهس من العمال والفلاحين والطلاب والمهمشين، طالبوا بتمثيل الأقباط في اللجنة التأسيسية للدستور فمثلتهم الكنيسة وبضعة رجال أعمال لم تمثلهم شقيقة مينا دانيال ولا أي من الثوار الذين شهدوا مقتل إخوانهم بمدرعات العسكر في مذبحة ماسبير، طالبوا بتمثيل النساء، فمثلتهن سبعة نساء لا علم لهن ولا معرفة بحقيقة ما تعيشه نساء البلاد من فقر وقمع وتمييز وانتهاك لأبسط الحقوق بما فيها حقوقهن في السلامة الجسدية خارج وداخل السجون، طالبوا بتمثيل العمال فمثلهم رجال النظام القديم في اتحاد العمال "الأصفر"، واختلفوا وتناحروا وانسحبوا على تمثيل الأحزاب التي لم يتمكن واحد منها من حماية الثورة أو حتى تجميل عملية سرقتها والانقلاب عليها. واشار فؤاد ان القوى الوحيدة القادرة على نصرة الثورة، كما نصرتها في خلع رأس النظام، مازالت غائبة عن ساحة المعركة، وقال "صحيح انها تناضل في معاركها الباسلة كل في موقعه، ضد إدارته ورأس المال المتحكم في شركته، لكنها لازالت بعيدة عن الميادين وعن بعضها البعض. فلا زالت نضالاتها وإضراباتها واعتصاماتها غير المسبوقة في عددها وانتشارها تقف محرومة من حركة عمالية واحدة وثورية توحد النضال والتضامن والمواجهة ضد كتائب الثورة المضادة المتوحدة الآن بأجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية والعقابية".