ذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن أنصار رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي يسعون إلى تخليده على نحو ما فعل الصينيون بزعيمهم "ماو تسي تونج". ورأت المجلة -في تعليق بثته على موقعها الإلكتروني الخميس- أنه ربما يكون من المبكر جدا الحديث عن عصر "ما بعد زيناوي"، فهو على الرغم من وفاته لا يزال السياسي الأبرز في عيون شعبه. ولفتت المجلة إلى أنه على الرغم من مرور أشهر على رحيله، لا تزال جدران شوارع العاصمة أديس أبابا وواجهات المباني مليئة بلافتات التعزية ولوحات تتعهد باستمرار السير على خطاه والوعد بعدم نسيانه. إلى جانب ارتفاع بعض الأصوات التي تكرس لمثالية زيناوي كقائد ضحى بحياته فداء لبلاده. وأشارت المجلة إلى أن زيناوي خلال فترة حكمه للبلاد التي امتدت زهاء عقدين، انفرد بالتخطيط للنهوض بها من اللاشيء إلى النموذجية، لافتة إلى أنه حتى خصومه اعترفوا بشعبيته وكفاءته؛ إذ كان دائب العمل يوضح ما استشكل على الناس فهمه من سياساته، ويعمل حساب كل شيء بدقة ابتداء من تخطيط الطرق وحتى قمع المعارضة، لكن الشيء الوحيد الذي لم يعد زيناوي له العدة كان وفاته. ووصفت "ذي إيكونوميست" وفاة زيناوي بالمفاجئة، حيث لم يكن قد تجاوز 57 عاما، تاركا إثيوبيا في صدمة، مشيرة إلى أن زيناوي كما هو معروف كان مستأثرا في يده بسلطات كثيرة للغاية وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يتخوفون من أن تؤدي وفاته إلى إحداث حالة من الفوضى السياسية وانكماش اقتصادي، حيث لم يكن أحد سواه يحوز ثقة الجند والممولين والشعب الإثيوبي والغرب. ولفتت المجلة إلى أن انتقال السلطة إلى رئيس الوزراء الجديد "هايلي مريم ديسيلين" كان سلسا، لم تشهد شوارع العاصمة أديس أبابا أي اضطراب، كما لم يشهد حزب "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي" الحاكم أي انشقاق في صفوفه باستثناء بعض أصوات متذمرة سرعان ما تم إسكاتها، وبالمثل بعض عمليات الشغب من جانب متشددين إسلاميين تم إخمادها، كما ظلت النزاعات بين النخبة خلف الأبواب المغلقة، وعلى المجمل سارت الأمور على نحو طبيعي كأن شيئا لم يكن. وقالت مجلة "ذي إيكونوميست" إنه بدلا من الفوضى، خيم هدوء غريب على البلاد، واحتفظ أفراد الحرس القديم الذي أحاط زيناوي بمناصبهم التي تبوأوها غداة انتصارهم في حرب ثمانينيات القرن الماضي الأهلية والتي أطاحت بالديكتاتور "منجستو هايلي مريام"، لافتة إلى أن أرملة زيناوي، التي رفضت مبارحة قصر رئيس الوزراء، لا تزال تسيطر على إدارة مؤسسة إعادة التأهيل والإعمار "ايفورت" التابعة للدولة. وانتقلت المجلة البريطانية إلى الحديث عن رئيس الوزراء الجديد الشاب -47عاما- الخبير في الإدارة التي درسها في فنلندا، قائلة إنه يفتقر إلى كاريزما زيناوي وحنكته السياسية، مشيرة إلى أن اسمه غير معروف إلا بين قليلين من الإثيوبيين فيما هو معروف جيدا على الصعيد الدولي، حيث تم انتخابه مؤخرا رئيسا للاتحاد الأفريقي. ونقلت المجلة عن بعض عارفي ديسيلين القول إنه يميل إلى الرأسمالية أكثر من ميل العديدين من اليساريين المحيطين به، وأنه لم يكن أبدا ماركسيا، لكن في الوقت نفسه لم يكن لديه رؤية بديلة للدولة. وتابعت قائلة إنه على الرغم من شغل ديسيلين منصب نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية، إلا أنه غير ملم بالشأن الداخلي على نحو ما كان زيناوي، مشيرة إلى أنه بروتستانتي اسمه الأول يعني "قدرة ماري" وسط شعب يعتنق معظمه مذهب الأرثوذوكس، كما يختلف عرقيا عن معظم أفراد الحكومة المنحدرين من منطقة "تيجري"، قائلة إنه ربما كانت أسباب اختلافه هذه وراء اختيار زيناوي له في نيابة رئاسة الوزراء بهدف تقليص التمييز بين العرقيات. ولفتت "ذي إيكونوميست" إلى أنه في الشهور الستة الأولى من حكمه، لم يعلن ديسيلين إلا عن عدد صغير من السياسات الجديدة، كما تم تجميد الجهود الإصلاحية، مشيرة إلى أنه تم كذلك تأجيل التحرر الاقتصادي على الأقل حتى الانتهاء من انتخابات 2015، كما بات قادة الأحزاب لا يدرون كيف يستمرون في غياب زيناوي، صاروا يباشرون أعمالهم بتنفيذ خطط رئيس وزرائهم الجديد دونما تفكير بعدما أضحى التطابق في وجهات النظر عادة بينما تراجعت فكرة طرح رؤى جديدة ولم تعد محل ترحيب. ورأت المجلة أن ديسيلين قد يستطيع يوما ما، بعد توطيد حكمه، أن يعيد تشكيل حزب "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي" الحاكم الذي بات على رأسه، لكن لن يتسنى له ذلك إلا إذا استمر في منصبه زمنا، أما الآن فليس أمامه غير مساحة ضيقة للمناورة، لا سيما وأنه لم يحكم بعد قبضته على قوات الأمن. ورجحت "ذي إيكونوميست" أن يعاني المستقبل الإثيوبي صعوبات؛ ففي غياب حماسة زيناوي وغيرته على دولته، قد يتقوض النظام الذي صنعه، ومشاريع الإصلاح قد تنهار على نحو يتعذر إصلاحه، كما رجحت أن تشهد وتيرة مكافحة الفساد بطئا وكذلك التقدم الاقتصادي، قائلة إن طريقة إدارة البلاد بعد زيناوي قد انحرفت بالفعل عن مسارها وباتت لا تدري إلى أين تتجه. واختتمت المجلة تعليقها بالقول إن زيناوي ترك بوفاته قادة بلاده في حالة ارتباك، يحاولون السير على خطاه في كل الطرق التي طرقها، مشيرة إلى أن زيناوي ربما يكون بحق سار في كل الطرق التي أراد باستثناء طريق واحد طالما تحدث عنه لكن لم يحاول قط السير فيه.. هذا الطريق هو طريق الديمقراطية الحقيقية.