فى الوقت الذى يشير فيه تقرير صادر مؤخرًا عن مؤسسة «بشر ومركز أبحاث ميسود اند سليوشن للدراسات والأبحاث» إلى أن نسبة الطلاق فى مصر بلغت 40% فى 2012، لا تزال محكمة الأسرة هى الخطوة التالية. فبعد أن تنتهى علاقة الزواج بين الرجل والمرأة تظل علاقة لا فكاك منها هى الأبناء، ولا سبيل لتنظيمها بينهما (خاصة مع كون الطلاق فى مجتمعنا ليس مجرد انفصال هادئ) سوى قوانين الأسرة والمحكمة المختصة بالنظر فى قضايا الأسرة التى لم تنجح حتى الآن فى التوصل إلى صيغ مرضية للطرفين. الحقيقة أن المشكلة لا تتعلق بشكل مباشر بالقوانين، ولكن تتعلق بمن تحكمهم هذه القوانين. فالآباء نوعان، نوع يفكر فى نفسه أولا، فيتعامل مع الزواج باعتباره علاقة بين اثنين تخصهما وحدهما، فيقيمانها فى إطار تأثيرها عليهما. تضيق الزوجة من الزوج فتطلب الطلاق، أو يكتفى الرجل بهذا القدر من العلاقة فيرمى اليمين، ويقع الأبناء فى فخ الطلاق. والنوع الثانى يفكر فى الأبناء فقط، يعتقد أن وجودهم فى ظل الشكل الاجتماعى المتعارف عليه للأسرة تحت سقف واحد هو الوضع الأمثل لتنشئتهم وإبعاد شبح «الشحططة» عن حياتهم، دون أن يكون ذلك السقف ملائما لأن تنمو تحته حياة سوية. لا فضل لنوع على آخر، فكلاهما ينظر إلى الحياة الأسرية من جانب واحد قاصر بالضرورة، لا يراعى حق الأبناء فى تقرير مصيرهم ولا يعتبرهم جزءًا من المعادلة. يعتبر الآباء فى مجتمعاتنا أن الأبناء غير قادرين على تقرير مصيرهم، أو المشاركة فى إيجاد حلول لمشاكل الأسرة، على الرغم من أنهم أول المتضررين، وربما يكونون الوحيدين من هذه المشاكل. ينظر الآباء إلى أولادهم باعتبارهم حقًا مكتسبًا، هم سبب قدومهم للحياة، ولذلك هم الأولى بتحديد نمط حياتهم، متغاضين عن حقوقهم فى حياة مستقرة وصحية. نادرًا ما تجد حالة طلاق، يأخذ فيها الطرفان حق الأبناء فى الحسبان، فيحاولان جاهدين أن يحافظا على ما تبقى من احترام متبادل يجعل هناك متسعًا لأن يظلا بالتبادل أو التوازى فى حياة أولادهما يراعيان شئونهما ويتشاركان فى تربيتهما، دون اللجوء لوسيط «المحكمة» الذى لا يدخل إلى أسرة إلا ويفسد عليها حياتها. ليس لسوء من القانون، ولكن لأن الأسرة التى تحتاج إلى وسيط خارجى لإدارة حياة لم تفلح فى إدارتها. لا يتعلق الأمر فقط بحالات الزواج والطلاق، إنما هو طابع أصيل فى المجتمع المصرى الذى يحاول أن يحل مشكلاته بإحدى طريقتين، إما بشكل ودى يتنازل فيه أحدهما للآخر، أو عن طريق المحكمة التى تورث الكراهية وتوغل القلب. خاصة أن تدخل المحكمة كوسيط بين الطرفين يأتى فى مرحلة متأخرة بعد أن تفعل المشكلات فعلتها فى قطع كل حبال الود، ربما لو أن مساعدة متخصصة تتوافر فى مرحلة مبكرة من الزواج، فيما يعرف ب«مستشار الأسرة» لكانت النتيجة أفضل. حتى لو انتهت العلاقة بالطلاق بين الطرفين، ستساعد الاستشارة على أن تصل إلى الطلاق آمنة من المشاحنات والمهاترات وتقى الأبناء شر الاختيار الإجبارى بين العيش مع أحدهما دون الآخر. يعرف مجتمعنا «كبير العائلة» الذى يكون حاضرًا فى المشكلات يحكم بين الطرفين ويرد الظالم وينصف المظلوم، ولهذا لا أرى أن وجود مستشار متخصص فى العلاقات الزوجية والأسرية غريبًا أو مستبعدًا، لهذا ربما يكون أحد أدوار المؤسسات والهيئات المهتمة بشئون الأسرة والطفل مثل: المجالس المتخصصة أو الجمعيات الحقوقية، هو توفير كوادر قادرة على العمل فى هذا المجال، والترويج لهذا التخصص بين أفراد المجتمع. فيجد الأزواج مساعدة متخصصة وواعية لمشكلاتهم التى تواجههم فى الحياة معا، وربما تكون حصنًا واقيا من الوصول إلى نهاية الطريق بينهما بالطلاق وما يجره عليهما وعلى الأبناء من مشاكل مادية ونفسية، تورث لهم فتعيقهم عندما يبدأون فى إنشاء أسرهم الخاصة من أن يكونوا أسرة ناجحة وسوية.