الروائى إبراهيم عبدالعزيز كتب ثلاثة كتب عن عميد الأدب العربى طه حسين وجمع بعض المواقف عنه من خلال لقاء أحفاده والحصول على بعض أوراقه الخاصة، يروى عن صاحب قصة «الأيام» أنه كان يستمع لإذاعة القرآن الكريم على الرغم من أن زوجته سوزان الفرنسية ظلت تحتفظ بديانتها المسيحية حتى وفاتهما، فهو نموذج للتنوير يصعب أن يتكرر. ويقول عبدالعزيز إن أم كلثوم كانت عندما تقابل طه حسين «تقبل يده» عرفانا وتقديرا له وهو كان يهديها كل كتبه. احترم طه حسين كل رموز جيله فكان يحب النحاس باشا كثيرا والنحاس اختاره وزيرا للمعارف وذات مرة وهو مار على بيت النحاس أرسل له التحية فطلب منه النحاس الدخول ولكن حسين رفض لأنه لم يكن مرتديا الطربوش الأحمر وكان من علامات الاحترام والتقدير. عميد الأدب العربى نادى بفرض عقوبة على من يتحدث باللغة العامية، وعندما كان ولداه مؤنس وأمينة يحصلان على درجات سيئة فى الامتحان كان يعاقبهما بأكل المهلبية التى لا يحبانها. كان طه حسين إنسانا لأبعد الحدود حنونا وعطوفا على كل الناس، وأعطى محمد حسن الزيات دروسا خصوصية فى بيته بعد فصله من المدرسة بسبب مشاركته فى مظاهرة ضد الإنجليز، والذى أصبح وزير خارجية مصر فيما بعد، وقد تزوج ابنة طه حسين أمينة ولم يطلب العميد مهرا لابنته. طه حسين الدكتور فى الجامعة وعميد كلية الآداب كان عندما يدخل المحاضرة لا أحد من الطلبة يهمس، ويصل فى الميعاد المحدد وينهيها بالضبط دون معرفة الساعة، وفى إحدى المرات التى كان يختبر فيها طلابه شفهيا كعادته كان الطالب يجيب من الكتاب مستغلا عدم إبصاره فقال له: «أليس عيبا أن تغش، فأنت تقرأ من الكتاب فى الصفحة رقم كذا... والفقرة.كذا».. وكان فى كل محاضرة يطلب من أحد الطلبة أن يحضر موضوع المحاضرة القادمة وكان الطالب يشرح نصف ساعة وهو نصف ساعة. امتلك طه حسين حدسا غريبا بالناس والأشياء بنفس درجة تمرده على نفسه وعلى كل شىء، فقد كان اسمه طاهر حسين وهذا التمرد الداخلى جعله يغير اسمه فى الشهر العقارى إلى «طه حسين»، فكان دائما يفكر بعقله وقناعاته فهو من الرموز التى لا يستطيع الزمن تجاوزها. أطلق على طه حسين لقب عميد الأدب العربى بسبب فصله من عمادة كلية الآداب جامعة القاهرة بأوامر من صدقى باشا، رئيس الوزراء، بسبب رفضه منح الدكتوراه الفخرية لبعض الرموز والشخصيات السياسية، وهو ما جعله يقبل على الانتحار بألا يدرس اللغة العربية التى عشقها، بالإضافة إلى أنه لم يكن لديه أى دخل حتى لثمن الدواء، وعندما عرف ذلك الشيخ على عبدالرازق اشترى الدواء وقام بالإنفاق عليه، وبعدها عرض عليه أن يكون رئيس تحرير جريدة الشعب لسان الحكومة التى رئيسها صدقى أيضا، فرفض طه حسين على الرغم من أنه لا يملك قوت يومه لكيلا يتهاون فى مبادئه ومواقفه، وبلغ الأمر أنه فكر فى أن يهاجر ويترك مصر هربا من بطش صدقى باشا وظل يكتب فى الصحف منددا بهذه الدكتاتورية وهو ما جعل الرأى العام يطلق عليه عميد الأدب العربى تكريما لكفاحه من أجل قضيته وتركه عمادة كلية الآداب. وعلى الرغم من الظروف المادية الضيقة التى عاشها عميد الإنسانية العربية إلا أنه امتلك فيلا «راماتان» بالهرم ولهذه الفيلا قصة وهى أن طه حسين تعاقد مع المخرج محمود ذو الفقار على تحويل روايته «الوعد الحق» لفيلم وكتبا العقد على هذا وتقاضى طه حسين المبلغ المتفق عليه ولكن بعد نجاح الفيلم سوقه المخرج فى الدول العربية ولاقى نجاحا شديدا، فطلب منه طه حسين حقه المادى فى هذا النجاح ولكن محمود ذو الفقار رفض أن يعطيه أى مبلغ آخر وقال له لقد أعطيتك المبلغ المتفق عليه فى العقد، فرفع طه حسين على ذو الفقار قضية وكسبها، ومن هذه المستحقات اشترى أرض فيلا راماتان من الفنان يوسف وهبى وبناها وتحولت هذه الفيلا بعد وفاته لمتحف باسمه. ويروى عبدالعزيز أن عبدالناصر فى بداية حكمه طلب طه حسين إلى بيته وقام عبدالناصر بوصف الشقة التى يعيش بها فى منشية البكرى لطه حسين حتى يكتب عنها للناس التى تثق به، وطلب طه حسين من عبدالناصر وقتها أن يحصل المعتقلون على مرتباتهم بالكامل ووافق عبدالناصر على طلب حسين، وكان للكاتب عبدالرحمن الشرقاوى شقيق محام تم اعتقاله وذهب لحسين وهو فى قمة الغضب وقال له: «أنا مش هاسكت على اعتقال أخى» فنصحه طه حسين بالتريث لأننا فى حكم العسكر ولا يجب أن تصطدم بهم قائلا له: «لا تتحامق مع الحمقى فتكون أحمق منهم». طه حسين توفى بعد نصر أكتوبر 73 بأيام بعد أن تنبأ بانتصار أكتوبر عند سؤاله عن حالة الجيش والشباب وأجابه أحمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر وزوج ابنته، بأن الشباب كلهم متعلمون فقال له طه حسين: «إذن سننتصر».