يعانى مستشفى أبوالريش للأطفال من قائمة كبيرة من المشكلات، يأتى على رأسها أن المستشفى ذا المبنى الفخم والمطل على النيل، غير قادر على إجراء جراحات القلب المفتوح، لعدد كبير من الأطفال الذين مازالوا على قائمة الانتظار.. والسبب نقص التمويل. مصدر مسئول بالمستشفى قال: إن التبرعات الأهلية التى يتلقاها المستشفى كفيلة بحل معظم المشكلات، حيث بلغ إجمالى التبرعات حوالى 19 مليون جنيه، لكن حين توجه مسئولو المستشفى للمطالبة بالحصول على هذا المبلغ، أفادت الحكومة بأن التبرعات قد أودعت فى الحساب الموحد لوزارة المالية، إلى أجل غير مسمى. «فهل تشعر الحكومة براحة الضمير، وهى «تستولى» على أموال مخصصة لعلاج أطفال فى حالات مرضية متأخرة، من السرطان وأمراض القلب؟».. التساؤل للمصدر ذاته الذى رفض الكشف عن اسمه. ويستقبل مستشفى أبوالريش سنويا، نحو 600 ألف طفل، وتبلغ طاقته الاستيعابية 450 سريرا، ويضم سبع وحدات عناية مركزة، وهناك على قوائم الانتظار 308 حالات لأطفال يحتاجون رعاية مركزة. ولا يستطيع المستشفى استقبال هذه الحالات، لأن عددا كبيرا من الأجهزة، بما فيها جهاز الأشعة المقطعية، يحتاج إلى صيانة منذ بضع سنوات، ولا حياة لمن تنادى، وهناك على قوائم الانتظار عدد كبير من الحالات التى تحتاج على وجه السرعة لإجراء عمليات قلب مفتوح، لكن «العين بصيرة والإيد قصيرة». ورغم قلة الإمكانيات، أجرى المستشفى الشهر الماضى 18 جراحة قلب مفتوح، أسهمت فى إنقاذ حياة أطفال مصابين بحالات مرضية شديدة الخطورة، لكن المستشفى فى حال تم توفير الإمكانيات له، سيستطيع إجراء ضعف هذا العدد من الجراحات، ويحتاج المستشفى بشكل عاجل إلى مليونى جنيه، لشراء جهاز تنفس صناعى، وشراء عدد من الأدوية الواجب توفيرها. وبعيدا عن هذه المشكلات، ثمة مظاهر فوضى وتسيب و«فساد» لا تخطئها العين.. فهنا أم جاءت من قرية فقيرة، وعلى ذراعيها رضيعها الذى يصرخ صراخا يمزق القلوب، وهناك امرأة طردها الطبيب لأنها أثقلت عليه بأسئلة حول حالة طفلتها الصحية، وهذه تركض كالمجانين بحثا عن صيدلية لشراء العلاج اللازم لطفلها، لأنه ليس متوفرا داخل المبنى الفاخر. وتروى أميمة عبدالمقصود، التى جاءت من الحوامدية، مأساتها قائلة: «لم يرزقنى الله بالأطفال إلا بعد علاج استغرق تسع سنوات، كانت فرحتى بطفلتى أكبر من أن توصف، لكن الطفلة ولدت مصابة بعيب خلقى فى عضلة القلب، ما يتطلب خضوعها لجراحة قلب مفتوح». وتضيف: «أتردد على المستشفى منذ أربعة أشهر، والجراحة التى تعد الأمل الوحيد الذى ينقذ حياة وحيدتى تتأجل من شهر إلى شهر، والأطباء يعالجونها بتقطير نقاط فى فمها، وكان يطلبون منى شراءها من الخارج، وحين اعترضت على الأمر، قال الأطباء إن الدواء غير متوفر، وحين قلت لهم «إحنا ناس غلابة، نجيب منين» طردونى من المستشفى بحجة أن حالة ابنتى غير حرجة، وهناك حالات أولى منها بالرعاية، ويجب أن تخضع للعناية السريرية». وتقول سعاد عبدالله، التى جاءت من محافظة قنا، والتى ابتليت بطفلين مصابين بورم فى المخ: «الفقراء فى هذا البلد يدهسون بالأقدام، ولا يشعر بهم أحد، ومن ليست لديه واسطة، لا يمكنه الحصول على أى حق من حقوقه». وتقول: «أنا امرأة مؤمنة بقضاء الله وقدره، وأعلم أن الولدين قد يلقيان ربهما فى أى لحظة، ومنهما واحد مصاب بانخفاض فى نسبة الذكاء، ويعانى من التهابات فى العظام، لكن هذا لا يعنى ألا يحصلا على العلاج، فالمعجزة قد تتحقق لكن الله يأمرنا بالأخذ بالأسباب». وتبكى المرأة التى تجاوزت الأربعين بقليل قائلة: «حسبى الله ونعم الوكيل، كل ولد يحتاج إلى جلستى علاج كيماوى أسبوعيا، لكنهما يحصلان على جلسة واحدة «بطلوع الروح»، والأطباء يبررون هذا القصور بأن الضغط على الأجهزة كبير، وليس بالإمكان أفضل مما هو كائن». وتقول أسرار المنياوى، التى تقطن منطقة السيدة زينب بالقاهرة، ويعانى طفلها ذو العامين من تشوهات خلقية فى عظام القدم: رغم أن أطباء المستشفى أجروا أشعة لابنى منذ أكثر من عامين، إلا أنى لم أتسلم حتى الآن نتيجة الأشعة، ولم أقابل طبيبا يشرح لى ما نوع وحجم إصابة طفلى؟.. لا أعترض على «دوخة السبع دوخات» لكنى أريد أن أعرف ما يعانيه ابنى، وما نوع العلاج اللازم؟ وتختتم شكواها بقولها: «الضنا غالى يا عالم، حرام عليهم الدكاترة، الغلابة مش ممكن يقدروا على العلاج فى المستشفيات بتاعة الناس المرتاحة.. لو عندى واسطة كانوا وقفوا انتباه». أما الطفل عصام محمود الذى لا يزيد عمره على عشر سنوات، فقد كان يبكى بكاء حارا، وهو ينتظر أمه التى خرجت لشراء الدواء اللازم له، وتركته وحيدا فى المستشفى، قبل ساعات من دخوله غرفة الجراحة، لإجراء عملية قلب مفتوح فيقول: «بعد أن خرجت ماما، الممرضة قالت لى اطلع استنى أمك على الباب، لأن فى عيان تانى لازم يدخل مكانك».. ولم يكلف أحد من العاملين بالمستشفى، بمن فيهم «ملائكة الرحمة» من تهدئة الطفل الوحيد المريض الخائف، ما يكشف أيضا عن نوعية الخدمة التى يحصل عليها «أولاد الناس الغلابة».