هى حقيقة مؤلمة، ومن شدة إيلامها ترفض الأمهات الاعتراف بها: الطفل مريض نفسيا. تحدث نفسها: لا ليس مريضا، هذه أعراض طبيعية وبسيطة، لن أعرضه على الطبيب النفسى. وهكذا تصر على الرفض، فتتفاقم الحالة، ويصبح العلاج الذى كان متاحا مستحيلا. هذه خطيئة كبرى، يقع فيها الكثير من الأمهات، فى المجتمع المصرى، الذى مازال يرى فى المرض النفسى «عورة» يجب إخفاؤها. تقول الأستاذة الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ الطب النفسى بطب عين شمس: «إن دراسة الحالة النفسية للطفل غالبا ما تكون غير سهلة، فوضع الطفل أصعب كثيرا من الراشدين لأنه لا يتكلم ولا يعبر عما يعتريه من مشاعر، وعادة ما يكون التعبير لديه غير مباشر، فلا يظهر المرض النفسى إلا فى صورة انفلات فى سلوكه ونشاطه وعاداته الغذائية، وأحيانا فى صورة جنوحه إلى العنف وتحطيم الأشياء والعدوان على زملائه أو عدم التحكم فى عملية الإخراج». وكثيرا ما يكون صعبا على الأهل أن يحددوا ما إذا كان طفلهم يعانى من مرض نفسى أم لا، خصوصا فى العامين الأول والثانى، ويعتبر تأخر الكلام وعدم النظر إلى الأم حين تتكلم معه، وعدم استعماله السبابة، مع عدم قدرته على التقليد والمحاكاة، من الأعراض الأولية المبكرة لتشخيص الأمراض التطورية النفسية. ويتم تشخيص مشاكل أو أمراض الطفل النفسية بناء على الأعراض التى تظهر عليه ومدى تأثيرها على نشاطاته اليومية. وتضيف أنه من بين هذه المؤشرات والأعراض التى توحى بأن مرضا نفسيا ما، يعانى منه الطفل: تغير سلوكه، بحيث تشعر الأم أن ابنها اختلف سلوكيا عن ذى قبل، فإذا كان هادئ الطبع، وتحول إلى الحركة الدائمة المفرطة، فهذا مؤشر يجب عليها مراقبته. وتقول: إذا لاحظت الأم أن صغيرها، يشعر بحزن شديد ويستغرق بلا أسباب فى نوبات بكاء، ولا يشترك فى النشاطات التى كان يمارسها من قبل، فعليها أيضا أن تهتم بالأمر، وإذا اقترن هذا التغير فى سلوكه بالانغلاق على نفسه، وبتغير شهيته إلى الطعام، بالزيادة المفرطة أو الامتناع أكثر من اللازم، فعليها حينئذٍ أن تفكر فى عرضه على الطبيب. وتتناول الدكتورة هبة العيسوى عددا من مؤشرات السلوك التى ترجح احتمالات أن يكون الطفل يمر بأزمة نفسية ما، منها: إنه يحاول جرح نفسه أحيانا أو يخطط لذلك، وأن تكون لديه مخاوف غير مبررة ومبالغا فيها من أشياء عادية كالحشرات، وأن يصاحب هذا الخوف سرعة فى ضربات القلب أو فى عملية الشهيق والزفير. وتؤكد أن الطبيب الخبير وحده هو القادر على كشف المرض النفسى عند الطفل، فإذا كان يفرط مثلاً فى غسل يديه عدة مرات، فهذا مؤشر على إصابته بالوساوس، وهى حالة تستدعى أن يدرسها الطبيب بعناية، عبر التعرف على قائمة من السلوكيات الأخرى، كالخوف من استقلال المصاعد، وعدم قدرته على التركيز فى دروسه، ولديه تغير سريع فى المزاج ما بين الحدة والهدوء. وتختتم حديثها بقولها: إن الاكتشاف المبكر للمرض النفسى لدى الأطفال من أهم سبل العلاج الناجح، لأن وضع بروتوكول علاجى مبكر، قد يؤدى إلى سرعة الشفاء، وتجنب ما قد يطرأ من مضاعفات لا يمكن الشفاء منها، مؤكدة أنه يجب التخلص من النظرة الخاطئة للمرض النفسى، بحيث يتم التعامل معه فى إطاره الصحيح.