الأكثر من الحب هو القتال لكي يصبح حقيقة، والأجمل من أن تروي لأبناءك عن عنتر العبد المجذوب بحب ليلى السيدة، هو أن نرى بأعيننا قصة حب الفنان الراحل الارستقراطي "حسن كامي" وزوجته المسيحية الدين "نجوى"، والأهم من الكتابة عن شخصيهما، نقل رسائل كانت وستبقى أكبر معبر عن حالة الحب والرومانسية التي جمعت بين اثنين لم يعرف عنهما العالم سوى الفن والرقة والصداقة. في يوم ليس كمثله يوم، من سنة 1969، تقابل حسن كامي في نادي الجزيرة الرياضي حيث مكان تريضه اليومي بنجوى أول مرة، بسن 29 عاما فقط خطفت قلبه الذي اعتاد على زيارة معالم أكثر حجما لكنها وصلت بها لحالة جعلته يقول " إنها الفتاة التى بحثت، ولو وافقت على الزواج مني ساستعيد ما فته من سنوات لم ارتبط فيها بشريكة حياة". قبل انتهاء اليوم نفسه، قرر حسن الحديث مع نجوى، لا سؤال عن ديانتها، جنسيتها، أهلها فقط رسالة وحيدة :" هخش في معركة جبارة عشان نكمل حياتنا سوا قدامك 3 أيام تفكري أخش المعركة دي ولا لا"، ولأن الحق لا يؤخذ إلا بالقوة فلم يكن أمامها سوى أن تحب الرجل الذي سماه البعض حينها "أجمل رجل في مصر". يعقد القران، ولا شيء حتى تهديد والدها بذبحها أمام الجميع، بينما يقرر الشابان الزواج، ولا دين ولا غيره يفرق بينهما، عشرية أولى تمر هي الآخرى وتأتي بنبتتهما "شريف" وتمر عشرية آخرى كانت اكثر جمالا لكن لا شيء يدوم على حاله فيفارقهما ابنهما الوحيد إلى مسواه الأخير وتتحول العلاقة التي اعتادت أن تعطي لهما السعادة، إلى علاقة تفرز لهما الاحتياج للآخر. ويرسل حسن رسالة آخرى لنجوى :" "انهرت تمامًا ولكنها وقفت إلى جوارى، وبعطفها ساعدتنى على تحمل الصدمة، وبدونها لم أكن أستطيع أن اجتاز هذه المصيبة، وأنا أيضًا كنت حريصًا على مساعدتها على تجاوز هذه الفاجعة، لكن السيدات دومًا أقوى من الرجال". ولأن الأقدم غالبا ما يكون أجمل، استعاد حسن بريقه بفضل حب نجوى، عاد شابا من جديد، إلا أن هذه العودة لم تتجنب آثام الشباب، ويقع في الخيانة لحب عمره، فيقرر عقاب نفسه أمامها ربما يجدي معها نفعا بعدما واجهته بما هو أصعب من فراقه :" آخرتها يحسن.. "يا خسارتك يا نجوى". وبرر كامي فعلته بأنه بسبب غنائه في الأوبرا حول العالم، ومعرفته بنساء كثيرات، قام بالغناء معهن وتمثيله الحب أمامهن داخل أعماله الأوبرالية، وكان على علاقة بعدد منهن. بكاء حسن لم يكن شفيعا له أمام نفسه "أول مرة تعيط من تحت راسي، أنا بوست رجليها لأني خليتها تعيط وجرحت مشاعرها وبصيت لست تانية". شتاء 2012 كان الأكثر سقيعا على كامي، ليس لكبر السن أو البرودة القاسية، ولكن لأنه لم يعد العالم يتسع لنجوى مرة آخرى، فارقت الحياة، وفارقته وحيدا إلى الموت والمثوى الأخير: "كانت حبيبتى وزوجتى وشريكتى فى البيت والعمل وكل شىء، وقفت إلى جوارى طوال الوقت، وكل ما حققته كفنان كان لنجوى النصيب الأكبر منه، فهي كانت تشجعنى وتساندنى، وتهيئ لى المناخ للعمل والإبداع". مكتبة "نجوى" أو "المستشرق" كما يعلو يفاطتها كانت عربون زواجه منها في 1969، وبعد عام 2012 قرر أن يعتزل كل شيء ولا يبقى إلا للمكتبة الشيء الذي شاركه حياة نجوى خلال أكثر من 40 عاما كاملة:" ما زلت أعيش فى عالمها، وأحرص على بقاء كل شىء كما هو، وأن البيت الذى بنيناه معا، لا تلمس فيه قشة واحدة، وكذلك اللوحات التى وضعتها بيدها على الحوائط، والكتب التى كانت تقرأ فيها". وفاتها التي أثرت على صحته وجعلته يترك خشبة الأوبرا كاشهر فنان أوبرالي مر عليها، جعلته ينسى كل شيء ولا ينسى أن يرسائل لها رسائله، واستمر في النشر من خلال صفحتها أكثر من عامين كاملين:"أمس الجمعة 28 أغسطس ذكرى عيد ميلادك، وأنت بعيدة عنى، أنت تعيشى فى قلبى وروحى إلى آخر العمر، وأنا على مشارف العام الرابع من رحيلك، أتذكر فى هذا اليوم حبك للحياة، والمتعة فى العيش، وكل ما يجعل هذه المناسبة يوما من أيامنا الجميلة يا نجوى، فليرحم الله روحك، وأنت الآن فى مكان أفضل". قبل عام واحد من الآن، خرج الفنان الكبير حسن كامي في اكثر من لقاء، إلا أن كلمته لزوجته نجوى التي لم يذكر في أي منهم أنها مسيحية أو أنها مختلفة، بينما يبدو تأثره واحدا وجه رسالته الأخيرة :" كلمة واحدة أوجهها لنجوى، وحشاني"، وأضاف خلال البرنامج، "بعتقد انها حاسة بيا، انا عايز اروحلها انا متصور انها يمكن ترجع البيت". في صباح 14-12-2018، يوم جمعة يبدأ في الخروج، بينما يختفي حسن كامي عن عالمنا ربما فرحا لمقابلة ما أحبه طول حياته، ربما ما تعودنا على أن نعتبره خيطًا فاصلًا أصبح الآن حدًا، أو سلسلة من الجبال، أو على نحو أكثر دقة قبرًا.