الأهالى: نشعر بالغربة فى المنطقة الجديدة ونعانى من نقص الخدمات وارتفاع الأسعار أتوبيس واحد يحمل الأبناء للمدارس..والوحدات السكنية صغيرة جدا التجار يستغلون المواطنين .. وتشطيب الوحدات السكنية لا يصلح للاستخدام 480 أسرة يطالبون بالبقاء.. والحكومة تبدأ هدم المنازل التى تم إخلاؤها فى شوارع بولاق أبو العلا ومنطقة مثلث ماسبيرو، كانت ذكريات الأهالى فى المساحة التى تمتد بين شارع الجلاء وشارع 26 يوليو وكوبرى 15 مايو وكورنيش النيل فى واحدة من أقدم المناطق الشعبية المصرية، غير أن هذه الذكريات تتلاشى بعد أن انتقل الأهالى إلى منطقة أخرى تشعرهم بالغربة داخل بيوتهم الجديدة فى الأسمرات، فالأصحاب تغيروا، والمكان تغير، والخدمات التى تعودوا عليها فى منطقتهم لم تعد موجودة، حتى مدارس أبنائهم. زارت «الصباح» المنطقة فوجدنا حالة من الحزن تخيم على الأهالى الذين اختاروا الرحيل، تاركين ما ورثوه من ذكريات وأحلام بمنطقتهم التى عاشوا وتربوا فيها لينتقوا إلى الأسمرات. الأسمرات 420 أسرة كانت قد اختارت الرحيل إلى الأسمرات كبديل للسكن فى مثلث ماسبيرو، تم تسليم 390 أسرة منهم حتى الآن، ومنذ تسليمهم السكن الجديد يداهمهم الحنين لشوارع وحوارى بولاق ولجيرانهم وأهاليهم بالمنطقة. «فرقونا عن بعض وفرقتنا مرة» بهذه الكلمات بدأ «عم حسن» حديثه قائلاً: «منطقة بولاق لن تتعوض، بشوارعها وذكرياتنا فى كل حارة، بولاق بالنسبة لنا هى الونس والأمان، فثوار يناير كانوا يفرون من الغاز وأعيرة نيران الشرطة ويحتمون فى شوارع بولاق، ويستكمل: «هنا نشعر بالغربة ونبحث عن بعضنا البعض لنشعر بالأمان، المنطقة هنا صحراء، والناس لا تعرف بعضها، فأصبحت أخشى أن أترك زوجتى وابنتى وحدهم بالمنزل طوال اليوم». أما «عفاف السيد» أحد المستلمين بالأسمرات تشكو ارتفاع أسعار الإيجارات هناك فتقول: معاش زوجى 360 جنيهًا والإيجار 300 جنيه، ورحلنا من بولاق لأن الجميع حتمًا سيرحل، فمكان يأوينا خيرًا من أن نعيش على الرصيف، نحن هنا نعانى من قلة الخدمات لأن المنطقة جديدة، فلا يوجد سوى «سوبر ماركت» واحد، الأسعار به مرتفعة جدًا لندرة المنتجات فى المنطقة، والتجار يستغلون حاجتنا والسباكة بالمرحلة التى استلمناها رديئة للغاية، فالأدوات الصحية فى كل حمامات المرحلة لا تصلح للاستخدام، والمواصلات نادرة، نقف بالساعات فى انتظار أتوبيس واحد يحملنا لأعمالنا ومدارس أبنائنا علاوة على صغر مساحات الوحدات السكنية وقصر عمرها الافتراضى لأنه تم الانتهاء منها بسرعة». حلم البقاء بالنسبة للراغبين فى البقاء كانت وزارة الإسكان بالتعاون مع محافظة القاهرة قد عرضت عليهم عقودًا بالبقاء بعد التطوير وتشمل هذه العقود جميع بيانات المواطنين وتفاصيل البديل الذى اختاروه ما بين الإيجار والتمليك وكذلك الأقساط المتبقية على المواطن فى كل بديل، ونص العقد على التزام الحكومة بدفع إيجار مؤقت للمواطنين طوال مدة التطوير، وجاءت ردود أغلب أهالى هذه العقود رافضة لبنودها، فتقول «أم إياد» أحد المستأجرين الذين اختاروا البقاء: «هذه العقود تعتبر بمثابة عقاب من قبل وزارة الإسكان لمن اختاروا البقاء والعودة بعد التطوير، فمن اختار العودة والتملك بعد التطوير هو نفسه الساكن فى المنطقة بإيجارات تبدأ من 2 إلى 10 جنيهات ولا أحد يراعى ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية. يوضح «محمد محمود» أحد الراغبين فى البقاء أيضًا إنهم لن يرحلوا ويتركوا منازلهم بدون الاستجابة لمطالبهم التى يعتبرونها حقوقًا مشروعة والتى تتلخص فى خفض قيمة الإيجار الشهرى المعلن من قبل الحكومة بالنسبة للإيجار العادى والإيجار التمليكى بشكل يتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأهالى، أما فيما يتعلق بالإيجار التمليكى والقسط التمليكى فيعامل معاملة الإسكان الاجتماعى الذى توفره وتدعمه الدولة. تعويضات مالية «لم يكن أمامنا سوى الرحيل فلم يعد باليد حيلة»، أولى الكلمات التى تحدثت بها «إجلال لطفى» 53 عامًا، وتابعت: «اخترت أنا وزوجى التعويض المادى ولكن بعد علمنا بقدره الضعيف لم نستطع توفير سكن بديل قريب من عملنا هنا بماسبيرو فقمنا برفع دعوى قضائية طالبنا فيها برفع قيمة التعويض الذى لا يكفى لشراء «غرفة فوق سطوح»، فالدولة خصصت 60 ألف جنيه تعويضًا عن كل غرفة و40 ألف جنيه بدلًا للانتقال، وشقتى غرفتين فتم تعويضى ب 160 ألف جنيه، والشقق القريبة من المنطقة يصل ثمن تمليكها إلى نصف مليون جنيه وإيجارها قيمته 3000 جنيه، ونحن بسطاء فمن أين لنا بذلك ؟!». يستكمل هانى كمال، 32 عامًا، أحد سكان المثلث الذين اختاروا الرحيل مقابل تعويض مالى عن السكن: «لم يتركوا لنا خيارًا آخر، فالمنطقة حتمًا ستزال ولن يبقى أحد، وعندما استفتتنا الحكومة كنا مشتتين بين البقاء والرحيل، فمنزل أسرتنا ملك، فمنا من أصر على البقاء ومنا من طلب الرحيل، حتى اتفقنا على الأخذ برأى الأغلبية وقررنا الرحيل، واخترنا التعويض المادى لأن السكن فى الأسمرات لا يناسبنا، فأعمالنا ومدارس أبنائنا لا تبتعد كثيرًا عن «بولاق»، ولكن التعويض لا يكفى حتى لشراء شقة غرفتين فى أى منطقة مجاورة. المواطن أولًا من جانبه يؤكد «خالد صديق» رئيس جهاز صندوق تطوير العشوائيات، أن مثلث ماسبيرو من المناطق العشوائية المدرج تطويرها منذ فترة التسعينيات وكانت هناك عدة محاولات لتنشيطها لكنها لم تكتمل، آخرها خلال حكومة المهندس إبراهيم محلب، فالمنطقة مساحتها 84 فدانًا، يضم المشروع تطوير 50 فدانًا منها تم تحديد 11 فدانًا منها للوحدات السكنية بحيث تتضمن 1000 وحدة سكنية للراغبين بالعودة بعد التطوير، فالدولة قد خصصت 420 مليون جنيه لتعويض أهالى المثلث. شروط مستحيلة يفيد «صبحى عبد العزيز» مساعد رئيس حى «بولاق أبو العلا» ومشرف الإزالات، بأن الحى حريص كل الحرص على سلامة المواطنين أثناء عمليات الإخلاء وأنه لا تهاون فى أرواح وحياة الأهالى، ولا يوجد أى ضغط عليهم فى الإخلاء، لافتًا إلى تعويض 2383 أسرة حتى الآن بشكل مادى، واستلام 402 أسرة مساكنهم الجديدة فى الأسمرات، وذلك من إجمالى 4531 أسرة فى المنطقة، وسيتم تسليم باقى التعويضات المالية والوحدات السكنية المتبقية خلال الأيام القادمة.