رحمة تعيل والدتها وأشقاءها وتعلن تمردها على قولبة المجتمع رئيس القومى للمرأة: الفتيات نموذج مشرف والدستور لا يقصر عمل المرأة على مجالات محددة على عكس المعتاد فى الشوارع المصرية، بأن تنشط محطات الوقود على يد الرجال لجأن عدد من الفتيات للعمل فى هذه المحطات بمنطقة الهرم، بعدما أجبرتهن مصاعب الحياة على البحث عن عمل للإنفاق على أسهرهن. على مدخل إحدى محطات الوقود بمنطقة نصرالدين بشارع الهرم، تستقبل رحمة أحمد، بابتسامتها الرائقة التى تضفى جمالًا على ملامحها الخمرية الرواد، وعلى الفور تبدأ فى إتمام مهمتها بتزويد السيارات بالسولار والبنزين. بزيها المميز المكون من بنطال كحلى يعلوه قميص بنى اللون، وطرحة زرقاء تغطى الرأس تبدأ رحمة البالغة من العمر 17 عامًا عملها بالمحطة كل صباح، ويستمر دوامها بالعمل ثمانى ساعات متواصلة. الهدف الأساسى من عمل رحمة التى تقيم بمنطقة العمرانية بالهرم، وتدرس بالفرقة الثانية من الثانوية التجارية، هو مساعدة والدها فى تربية شقيقيها الصغيرين حيث إنها البنت الكبرى لأب يعمل موظفًا حكوميًا ووالدتها التى لا يوجد لديها عمل. بعد أن تنتهى مما فى يدها تضع رحمة مزود الوقود مكانه، وتروى ل«الصباح» تفاصيل عملها داخل محطة الوقود، والذى بدأ بأن أخبرتها إحدى صديقاتها فى شهر رمضان الماضى أن والدها الذى يعمل مديرًا للمحطة يريد فتيات للعمل معه. على الفور دارت الفكرة فى رأس رحمة، ولم تكن جديدة عليها، فهى تعمل لمساعدة والدها منذ أن كانت فى المرحلة الإعدادية، وقتها كانت مساعدة دكتور جراح، ثم عملت بمصنع ملابس أطفال. قبل أن تقرر رحمة العمل فى محطة الوقود كان عليها إقناع والدها الذى رفض الفكرة بشكل كبير، إلا أنها مع نهايات شهر رمضان استطاعت إقناعه بالنزول للعمل على أن يكون الأمر مجرد تجربة مؤقتًا. فى البداية كان العمل شاقًا بطريقة موجعة إلا أنه كان ممتعًا لأنه تجربة جديدة هكذا تصف رحمة أيامها الأولى بمحطة الوقود، حتى أن والدها رفض نزولها للعمل مرة أخرى، لكنها استطاعت إقناعه فى النهاية. كمثل بنات جيلها كان تفكير رحمة منصبًا على توفير احتياجاتها من أدوات الزينة والتجميل النسائية وشراء الملابس، إضافة لمساعدة والدها الذى لا يكفى دخله لكل هذه المتطلبات حتى أنه كان دائمًا يردد مع كل طلب «أجيب منين كفاية إنى يغطى مصاريف الأكل والمسكن والتعليم». كانت الفتاة تصاب بالخجل أمام والدها الفقير وتتراجع عن مطالبته بإعطائها أموال لشراء ما تريد، ودائمًا ما كانت تلجأ للعمل فى فترات الإجازة الصيفية، وحاليًا بعد انتهاء اليوم الدراسى. لم يتوقف طموح رحمة عند العمل بمحطة الوقود فقط لكنها بعد مرور شهر على العمل أقنعت إحدى صديقاتها للدخول فى التجربة معها. تحصل «فتاة البنزينة» على راتب زهيد 150 جنيهًا شهريًا، لكن الغنيمة الكبرى تكون فى «الإكراميات والبقشيش» والتى تصل بحسب ما تقول رحمة من 30 جنيهًا وحتى 70 جنيهًا يوميًا، كما أنها تحصل على يوم واحد إجازة أسبوعية. العمل فى محطات الوقود صعب للغاية حتى أن الفتيات غادرن المكان بسبب عدم قدرتهن على الوقوف طوال وقت العمل حيث لا يحق لهن الجلوس، إضافة إلى أن بعضهن كن فى مرحلة الخطوبة أو تزوجوا أثناء العمل، وقام أزواجهن بإجبارهن على ترك العمل. لم تجد رحمة ورفيقاتها بمحطة الوقود أى مضايقات حتى الآن، وجميع الزبائن يتعاملون معهن بلطف وربما يلقى أحدهم جملة تشجيعية لهن كأن يقول «هاجى أمون من عندك كل يوم ربنا يحفظك». وفى حالة حدوث أمر سلبى أو وجود زبون لا يعجبه عمل الفتيات بالمحطة تقوم الفتيات بالنداء على أحد الرجال لتزويد سيارته ويرحل. الفتاة المعيلة على بعد خطوات من رحمة أحمد تقف صديقتها والتى تدعى هى الأخرى «رحمة عبد الناصر» 17 عامًا، وترافقها فى الفرقة الثانية بالمدرسة الثانوية التجارية، إلا أن قصتها تحمل مزيدًا من التفاصيل الدرامية القاسية. قبل أعوام انفصل والد الفتاة عن أمها، وحاليًا تسكن مع والدتها وأشقائها الصغار، ولنفس الغرض الذى حضرت به زميلتها «مساعدة أسرتها» جاءت رحمة قبل أسبوعين للمحطة هربًا من الاكتئاب الذى أصابها بسبب الجلوس الكثير بالمنزل. كالعادة فى بداية طرح رحمة للفكرة على والدتها قابلتها بالرفض وأبلغتها أن العمل بمحطات الوقود من اختصاصات الرجال، وحذرتها من عدم تقدم أحد للزواج منها بسبب هذا العمل، كما أنها كانت تخشى عليها من الوقوع فريسة للتحرش على يد سائقى «التوك توك والميكروباص». القرار تأكد بعد أن قابلت رحمة مدير المحطة وتأكدت منه من عدم تعرضها لأى مضايقات، وبالفعل بدأت العمل. فى حديثها ل«الصباح» تقول رحمة: إن العمل هنا بالمحطة شاق جدًا، حتى أنها حين تعود للمنزل كل يوم لا تستطيع الضغط بأصابعها التى تؤلمها بسبب الضغط على مضخ الوقود. الفتيات بمحطة الوقود تتلخص مهمتهن فى تزويد السيارات والإشراف على غرفة «الزاوية» وهى غرفة تتجمع فيها مياه غسيل السيارات ويقومن بإزالتها. وتؤكد رحمة أنها تسعى الآن لتعلم تزويد إطارات السيارات بالهواء لكنها ترفض حاليًا الانتقال لهذه المهمة حتى لا تنحنى أمام السائقين وأصحاب السيارات فيظهر جسدها. أكثر المواقف التى لا تنساها رحمة منذ العمل بالمحطة، هو رفض إحدى السيدات أن تقوم هى بتزويد سيارتها بالوقود، وحينها ابتسمت وقالت لها «لا تخاف لن أخرب السيارة» إلا أنها صرخت قائلة «ابتعدى عن عربيتى»، وموقف آخر حينما جاء رجل لتزويد سيارته ولما اقتربت من سيارته قال «إيه ده نسوان!، وظل يكرر تلك الكلمة». وقتها دخلت رحمة فى نوبة بكاء كبيرة بسبب استهزاء الرجل بها وقام أحد العاملين من الشباب بتموين سيارته. عمل الرحمتان بمحطة الوقود تراه مايا مرسى رئيس المجلس القومى للمرأة، أنه نموذج إيجابى وفخر لكل الفتيات والشباب. وقالت ل«الصباح» إن الدستور المصرى واضح وجاء بإرادة الشعب المصرية ونص فى مادته 11 على حق المرأة فى التعيين بالجهات القضائية والمؤسسات الحكومية دون تمييز، وبالتالى فإن فتيات البنزينة يحق لهن التمتع بكل حقوق الموظفين بمحطات الوقود.