لم تنضب بعد، مازلنا نمتلك «جين التحدى» داخل مكونات الشخصية المصرية، حتى وإن حاول آخرون أن يطمسوا هذا الجين، ما زالت هناك حكايات يمكننا أن نرويها للنشأ لدفعهم إلى مضمار التحدى ومحاولات التميز والنجاح، واحدة من تلك الحكايات ما ظهرت مؤخرًا وهى قصة مريم ملاك الطالبة المصرية المشهورة بطالبة «صفر الثانوية». من أضعف حالة يمكن أن تصيب إنسان وهى حالة العجز أمام إثبات أحقيته بالتفوق، إلى التأكيد على التفوق، خاضت مريم غمار رحلتها التى تضمنت انتصارات كبيرة، وتحديات أكبر، مريم التى توارت عن الأنظار لفترة ليست بالوجيزة بعد أن انفض من حولها المهتمون من داعمين ومهاجمين كل إلى حكايته الخاصة، عادت مرة أخرى لتكتب فصلًا جديدًا فى حكايتها، مريم الآن تنجح بتفوق فى كلية الصيدلة. فى يوليو 2015 ظهرت نتائج الثانوية العامة، وفى غمار الفرح والحزن بين الأسر المصرية التى يتنافس أبناؤها على حصد الدرجات العالية لدخول الكلية التى تناسب طموحاتهم، أملين أن تكون شهادتها مأمن لهم بالمستقبل، طالعتنا الصحف بخبر عن طالبة من قرية صفط الشرقية التابعة لمركز المنيا تحصل على صفر فى المائة، تدعى هذه الفتاة مريم ملاك، ووالدها الأستاذ ملاك ذكرى تادرس «متوفى» كان مدرس رياضيات الذى كون فى حياته عائلة عرفت فى تلك الأنحاء بتفوقها الدراسى، وعمل فى حياته بمدرسة صفط الخمار الثانوية، وهى ذاتها المدرسة التى التحقت بها مريم، وشقيقها الأكبر الدكتور مينا 28 سنة، طبيب نساء وتوليد بمستشفى المنيا العام، والدكتور باسم 26 سنة، طبيب تكليف بإدارة سمالوط الصحية، وشقيقتها رانيا بالصف السادس الابتدائى المتفوقة فى دراستها والحاصلة على المركز الأول بين أصدقائها لأعوام متتالية، وأخيرًا هايدى بالصف الثانى الابتدائى والأولى على مدرستها أيضًا. ظهرت النتيجة لتصعق عائلتها، فيتوجه مينا فى يوم 23 يوليو إلى محافظة أسيوط، حيث يوجد كنترول الثانوية العامة لقطاع الصعيد، ويتقدم بتظلم بمقر الكنترول بمدرسة التربية الفكرية، ليؤكد أن صور نماذج الإجابة الخاصة بمريم لا تخصها، والخط مختلف تمامًا، فلم يجد أى تفسير أمامه سوى أن أوراقها قد تبدلت مع أوراق طالب آخر فاشل، لسبب غير معلوم، وقاموا بعمل محضر بمركز الشرطة، وإخطار النيابة العامة بالواقعة، مبلغين الجميع بأنهم سيصعدون الموضوع إلى أعلى المستويات. وقاموا بالفعل بالعديد من التحركات لمحاولة حصول أختهم على حقها فى درجاتها التى يرون أنها قد ظلمت بها، وبين ليلة وضحاها أصبحت مريم حديث الجميع، يتهافت عليها الإعلام، وسيل الرسائل يصلها يوميًا، وانقسم الرأى العام حولها ما بين مؤيد لما تراه حقها، ومعارض يرى أنها لا تستحق، فكان المشهد الذى نتذكره، وتسائل البعض كيف وصلت إلى مقعد الامتحان فى الثانوية العامة ولم تكتب حرفًا واحدًا لتحصل على هكذا نتيجة، محللين ذلك بأن ما حدث هو دليل على انحراف القيم، فسجل تفوقها الدراسى يجعل من تلك الوقائع تحديًا سافرًا للنجاح. تفرق ذنب مريم بين العديد والعديد من الجهات والأشخاص، محاولًا كل منهم دفع الحرج عنه بالتأكيد على إتمامه لعمله على أكمل وجه، باتهام الفتاة بالفشل، ومطالبًا إياها بعدم التظاهر بغير ذلك، وطلب محامو مريم حينها عرض الأوراق المنسوبة للطالبة على الطب الشرعى مرتين، بينما أقرت خبيرة سابقة بالطب الشرعى بصحة شكوى الطالبة، إلا أن فحوص الهيئة انتهت لعدم صحة الأمر، فحفظت النيابة قضيتها. لتستسلم مريم للأمر الواقع ولكن بروح جديدة مثابرة متحدية، فتسدل الستار على تلك الحكاية وتقوم بفتح صفحة جديدة فتعود مريم فى أغسطس 2016 فى خبر جديد ولكن هذه المرة عن نجاحها حيث حصلت، على مجموع درجات قدره 385،5 درجة من 410 درجة هو مجموع درجات الشعبة العلمية، وذلك بعد اجتيازها امتحان اللغة العربية المؤجل لها لدواع طبية، خلال امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة، وبذلك تحصل مريم على مجموع درجات يعادل نسبة مئوية قدرها 94 فى المائة من المجموع الكلى للدرجات بعد إضافة درجة اللغة العربية والتى حصلت فيها على 78 درجة من 80. لم تنته الحكاية بعد ولكنها لتوها بدأت، فمريم التى استطاعت أن ترد على كل من اتهموها بالفشل ما زالت تبحث عن طرق أخرى للرد، التحقت مريم بكلية الصيدلة فى صمت شديد بعدما أثرت هى وعائلتها السكوت والرد العملى، وبالفعل فى فبراير الحالى، تم الإعلان عن درجات مريم فى التيرم الأول لها بالمرحلة الجامعية، وهنا رد جديد من مريم فجاءت درجاتها صفعة على وجه العديد من مهاجميها، فقد حصلت مريم على امتياز فى التيرم الأول لكلية الصيدلة حيث حصلت على 5 مواد امتياز ومادتين جيد جدًا، فتطلق الأسرة العنان لفرحتها فتنتشر الزغاريد وتعم الفرحة قرية صفط اللبن، التى تعيش بها أسرة مريم. ليتم التطرق إلى المنظومة التعليمية ككل فى مصر، فما نشهده هو حالة تهاوى لمنظومة تعليمية، تهدد مصير الأمة مستقبلًا، وتدفع الطلبة لهجر مقاعد الدراسة والتسكع بالشوارع أمام مراكز الدروس الخصوصية، وبادرت وسائل الإعلام للبحث فى أساس المشكلة، وهو المعلم المسئول عن تصحيح أوراق الإجابة، فيقول محمد توفيق، مدرس لغة عربية بالمرحلة الإعدادية ويصحح أوراق امتحانات النقل: إن عدد الساعات التى يعمل بها فى تصحيح الأوراق حوالى 6 ساعات يوميًا وبها يتم تصحيح سؤال واحد ب120 ورقة إجابة، مستبعدًا أن يقع ظلم على الطالب من أى نوع على الرغم من وجود فروق فردية وأمور سلبية يتأثر بها المدرسون نتيجة الظروف التى يعملون بها. ويشاركه عبدالنبى طه، مدرس جغرافيا بالمرحلة الثانوية والإعدادية معبرًا عن رأيه فى عملية التصحيح قائلًا: الناس جية تكسب طمعانة فى لقمة عيش، ولا يفرق معهم الظروف المحيطة جيدة أم لا، فالتصحيح مجرد فرصة عمل يجمع من خلالها المدرس بها أموالًا إضافية خلال فترة الإجازة.