القى الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط كلمة خلال مشاركته في موتمر السلام بباريس وجاء نصها كالتالي: السيد الرئيس أود في البداية أن أوجه شكراً عميقاً للحكومة الفرنسية التي أصرت على انعقاد هذا المؤتمر برغم كل الضغوط والعقبات التي اعترضت سبيله. ولا شك أن في ذلك الاصرار اقتناع صادق لدى حكومة فرنسا بأنه يتعين على المُجتمع الدولي أن يتحمل نصيبه من المسئولية إزاء استمرار النزاع الأخطر والأطول في الشرق الأوسط من دون حلٍ أو حتى أفق يُبشر بتسوية في المُستقبل. إن توالي الأزمات الكبرى على المنطقة العربية أعطى للبعض انطباعاً مغلوطاً بأن القضية الفلسطينية تراجعت إلى مرتبة ثانية. وليس هناك ما هو أكثر خطأ من هذه الرؤية، فكل من يعرف أوضاع هذه المنطقة يُدرك عُمق تأثير القضية الفلسطينية في مُجريات أحداثها منذ نشأتها، وإلى يومنا هذا.. ويُدرك كذلك أن إيجاد تسوية عادلة ودائمة لهذه القضية يظل الطريق الأقصر لتحقيق استقرار حقيقي. والطريق الي هذه التسوية معروف للجميع، ومحطة الوصول النهائية معروفة كذلك.. فما نسعى إليه هو إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 67 (أي منذ خمسين عاماً) والذي يُعد استمراره وصمة تاريخية بغيضة لا يجب ولا يصح أن تنتمي الي زمننا الحالي. وما ننشده هو قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة علي أساس خطوط 4 يونيو 67 لتعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع الدولة الاسرائيلية. وما نتمناه هو أن يتمكن الجيل القادم، من أبناء الفلسطينيين والإسرائيليين، من كسر الدائرة الجُهنمية للكراهية والانتقام والعنف.
السادة الحضور لم يعد العرب، والفلسطينيون بشكل خاص، يتقبلون أو يتفهمون مساعي اعادة اختراع العجلة من جديد. فالمنهج القائم علي إحياء العملية التفاوضية من دون إطار زمني واضح أو مُرجعية راسخة يستند إليها أصبح أمراً لا يمكن القبول به. إن ربع قرن من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بكل ما استقر خلاله من مبادئ وقرارات دولية (يضيق المجال عن ذكر كل منها) ومُبادرات حازت اجماعاً عالمياً، يكفي ويزيد لكي نصل الي نهاية المطاف أو ما أطلق عليه بالإنجليزية الEnd game . أصبحت الأمور واضحة.. ولم يعد في الامكان الاستمرار في ربع قرن جديد من عملية سياسية بلا أفق زمني واضح ومحدد..
إن هذا المؤتمر هو نداء من أجل السلام.. وهو ليس موجهاً سوي ضد كل من ينادي بإسقاط حل الدولتين واستمرار الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية.. أعداء السلام الذين يتغذون علي الكراهية والاستحواذ علي أراضي الغير بالقوة والعنف.. إن غايتنا الحقيقية مع الشركاء الدوليين تتمثل في انقاذ حل الدولتين باعتباره يمُثل المسار الوحيد لاستقرار المنطقة. تلك هي الرؤية التي تبنتها المبادرة العربية للسلام. وهي التي لا تزال حتي الآن تمثل ركيزة أساسية في الموقف العربي من القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل.. ولديَ اقتناع راسخ أن الفُرصة مازالت قائمة لتحقيق الرؤية التي بشرت بها المُبادرة، هذا في حالة وجود قيادة إسرائيلية راغبة حقاً في التسوية السلمية ولديها من الجرأة والحكمة ما يؤهلها لاستشراف الفُرص التي سيوفرها السلام لشعوب المنطقة جميعاً، بما فيها الشعب الإسرائيلي. كلنا أمل في أن يُمثل هذا المؤتمر نقطة انطلاق لجهد جاد ومتواصل من أجل إعادة إحياء العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس صحيح، وبدعم سياسي واقتصادي وفني من الأطراف الفاعلة في المُجتمع الدولي.. ونتمني مخلصين أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة علي مستوي الجدية المطلوبة من حيث دفع العملية السياسية وادراك عمق مغزي التوافق الدولي بشأن حل الدولتين ومُحدداته ومرجعياته.. ونُشدِّد على أن أية سياسات أو إجراءات يقوم بها أي طرف بشكل أحادي لابد وأن تنسجم مع حل الدولتين وألا يكون من شأنها إجهاض هذا الحل من خلال استباق نتيجة العملية التفاوضية أو التسبب في مزيد من تعقيد الموقف وإثارة المشاعر الغاضبة لدى الفلسطينيين والعرب جميعاً. آمل ألا نفوت الفرصة هذه المرة، وأن نقرن العزم الصادق بالعمل الجاد من أجل إنهاء هذا النزاع الذي طال أمده. شكراً