عصر الإثنين الماضى كانت الساحة الإقليمية على موعد مع حدث جديد يدور للمرة الأولى على الساحة الليبية، وهو متغير فارق أثار انتباه الجميع بقوة، فقد أكد رئيس الوزراء الليبى «فايز السراج» أن حكومته طلبت من الولاياتالمتحدة تنفيذ ضربات جوية ضد معاقل تنظيم «داعش» بمدينة سرت، ليجئ البنتاجون بعد ساعة واحدة تمامًا من الإعلان الليبى ليؤكد أن الجيش الأمريكى نفذ ضربات ضد «داعش» بموافقة الرئيس «باراك أوباما». البنتاجون فى بيانه الرسمى الذى تلاه المتحدث الرسمى «بيتر كوك» المنتقاه كلماته بدقة ذكر: «أن الجيش الأميركى شن أولى الضربات الجوية ضد معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) فى ليبيا الإثنين الأول من أغسطس بطلب رسمى من حكومة الوفاق الوطنى الليبية التى يرأسها فايز السراج، وهى غارات محددة على أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية فى «سرت» لدعم قوات هذه الحكومة فى مسعاها لهزيمة داعش فى معقلها الأساسى فى ليبيا، وأن الرئيس باراك أوباما أجاز تنفيذ هذه الضربات عقب توصية من وزير الدفاع الأمريكى «أشتون كارتر» والجنرال «جوزيف دانفورد» رئيس هيئة الأركان الأمريكية، وأضاف البيان أن مزيدًا من الضربات الأمريكية ضد التنظيم فى سرت سيمكن حكومة الوفاق الوطنى من تحقيق تقدم حاسم واستراتيجى». البيان الرسمى الأمريكى الصادر عن البنتاجون يشرح هذا المتغير الجديد بكل دقة ويبعث بكل الرسائل المطلوب تمريرها لجميع الأطراف، فهو يحدد بأن التوجه للقيام بعمل عسكرى تم بطلب رسمى مسبق من الحكومة الشرعية الليبية الموجودة بطرابلس، وهو استدعاء لمجابهة «تنظيم داعش» الذى تنخرط معظم دول العالم الرئيسية فى أكثر من تحالف معلن للحرب عليه، فضلًا عن أهمية الإشارة بأن العمل العسكرى وإنفاذه جاء عبر توصيات من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان الأمريكية والرئيس الأمريكى أصدر بعدها أمرًا بتنفيذ العملية العسكرية، والأهم والأخطر أن تلك «الضربة الجوية» هى الأولى ضمن خطة تدرس الآن للتوسع الزمنى فى العمل العسكرى، ففى الجزء الأخير من البيان الرسمى هناك إشارة إلى أن مزيدًا من الضربات الأمريكية ضد التنظيم يمكن حكومة الوفاق الوطنى من تحقيق تقدم حاسم واستراتيجى، أى أن هذا العمل العسكرى على الأرض الليبية له فائدة مزدوجة فضلًا عن تدمير التنظيم وتحقيق لإرادة دولية مفترضة، هو أيضًا يثبت الأوضاع السياسية لحكومة الوفاق من خلال تمهيد استراتيجى للساحة الليبية أمامها تمكنها من تجاوز مطبات الوضع السياسى المعقد حتى الآن. الغريب أن بنفس هذا المؤتمر الصحفى الرسمى وفى معرض رد «بيتر كوك» على أسئلة الصحفيين، ذكر كوك أن ما استهدفته الغارة الأمريكية هو موقع محدد ل(دبابة واحدة وسيارتين)، وأن القوات الأمريكية تقدر عدد مقاتلى «داعش» بمدينة سرت بنحو 1000 من العناصر المسلحة، وفى هذا يجب التعليق بأن غارة أمريكية ينفذها سلاح الجو من الأسطول السادس الموجود بالمتوسط على هذا الهدف الهزيل شىء يثير الانتباه، فضلًا أن الغارة الجوية لم توجه أى ضربات تجاه مقاتلى التنظيم واكتفت بالدبابة والسيارتين، والانتباه المثار هنا حول تلك الافتتاحية الأمريكية له شقان سياسى وأمنى، الأول له علاقة بتثبيت دعائم حكومة الوفاق فى طرابلس، وشرعنة خطة جديدة للتدخل العسكرى الأمريكى ذكرته فى المؤتمر والبيان المشار إليهما، ربما لقطع الطريق على أى تدخلات أوروبية منافسة، أو ربما بالتنسيق فيما بينهما، والذى لم يفصح عن نفسه حتى الآن. أما الشق الأمنى وتداعياته فيما يخص التدخل العسكرى الأمريكى فى حال تصور أنه يستهدف إزاحة داعش على الأقل من منطقة الساحل الشمالى لليبيا، لحرمانه من السيطرة على منفذ بحرى استراتيجى يطل على المتوسط «الزاخر بالمصالح» والمهدد دومًا كقاطع ما بين الغرب والشرق، ولتحطيم إمكانية سيطرة التنظيم على مدن رئيسية هى فى غالبيتها بليبيا تقع بمنطقة الساحل الشمالى المطل على البحر، ربما هاتان المهمتان هما الأبرز فى حال تكرر التداخل الأمريكى الذى وعد به بيان البنتاجون أنه سيتم مستقبلًا، لكن تلك الإزاحة الأمريكية المفترضة بهذه الخطة قد تكون لها تداعيات سلبية لأمن تلك المنطقة برمتها، ففى أوائل شهر يوليو الماضى صدر تقرير استخباراتى سنغالى تم عرضه على «مؤتمر أمنى مغلق بالعاصمة دكار»، كشف فيه المسئولون السنغاليون أن مصادرهم الاستخباراتية رصدت مجموعات من مقاتلى «داعش» يغادرون قواعدهم فى الشمال الليبى ويتجهون جنوبًا، خشية وقوع ضربات جوية غربية لتجمعاتهم ومعسكراتهم ومناطق تخزين السلاح المملوك للتنظيم، وأن هذا التحرك الجديد يشكل خطرًا واسعًا على بلدان منطقة الساحل والصحراء خاصة كلا من تشاد والنيجر، ونقل التقرير الاستخباراتى أن الحكومات الإفريقية تخشى أن يصبح حزام دول الساحل والصحراء بمساحاته الشاسعة الهدف التالى للتنظيم، وتلك المناطق المشار إليها هى مما يمكن اعتبارها البيئة النموذجية لتمدد التنظيم بصعوبة السيطرة الأمنية عليها، كونها تكاد تكون مناطق خارجة عن نطاق القانون لتداخلها فيما بين العديد من أراضى تلك الدول، وهى من المساحات التى طالما استخدمها تنظيم القاعدة «فرع بلاد المغرب العربى» طويلًا وما زال له بعض من النفوذ داخلها، ولذلك يترقب الجميع هذا الإعلان والتحرك الأمريكى الجديد فيما يخص داعش بليبيا، هل هو بنية القضاء الفعلى على التنظيم أم هو مجرد إزاحة للخطر جنوبًا، وهذا مما يقوى التنظيم ويجعله أكثر تهديدًا لمساحات أكثر اتساعًا؟!