القادة العسكريون فى العالم أكدوا لإسرائيل أنه من المستحيل أن يتجاوز المصريين برليف معجزة حرب أكتوبر كان بطلها «الإنسان المصرى»، كلمات قالها اللواء باقى زكى يوسف، قاهر «خط بارليف»، مكتشف فكرة إزالة الساتر الترابى المنيع بالطلمبات المائية، الذى كان يعتبره الجيش الإسرائيلى بأنه لا يقهر ومستحيل اختراقه، وقد كرمه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الندوة التثقيفية العشرين للقوات المسلحة الأسبوع الماضى. اللواء باقى زكى يوسف، مواليد 23 يوليو 1931، خريج كلية الهندسة جامعة عين شمس، التحق بالقوات المسلحة عام 1954، وانتدب كضابط مهندس بالسد العالى للتعامل مع المعدات الروسية، وشارك فى معركة التحرير، حتى أصبحت مديرًا لجراج السد، وفى 5 يونيو 1967، انتهى الانتداب وعدت لسلاح المركبات فى الفرقة 19 مشاة غرب القناة. وعن عدم اعترافه بمصطلح «النكسة»، قال اللواء باقى ل«الصباح»: نعم لا أسميها نكسة ولكنها كانت «كمينًا دوليًا»، وذلك لأن الرئيس عبدالناصر كان من الزعماء المهتمين بالقومية العربية، وكان يشجع كل الثورات والاتجاهات، وعندما علمت الدول الكبرى أنه تخطى الخطوط الحمراء أرادوا توقيفه، ومدوا إسرائيل بمعدات متطورة، فالنكسة تعنى دخول الحرب، أما نحن فلم نحارب حينها لكى ننهزم من الأساس. وأوضح قاهر خط برليف، أنه استلهم فكرة إزالة الساتر الترابى بالطلمبات المائية، قائلًا «أخذنا أوامر بالعبور فى مايو 1969، والتدريب على اقتحام الساتر الترابى الذى أقامته إسرائيل على طول خط القناة، وعندما صدرت الأوامر بالتغلب على «خط بارليف»، وعبور واقتحام هذا الساتر الترابى، فى نهاية أكتوبر 1969، جمعنا قائد الفرقة وأبلغنا بالمهمة، وعن كل المشكلات التى ستقابلنا أثناء عملية الاقتحام والعبور، وكانت أهم مشكلة هى كيفية فتح ثغرات فى الساتر الترابى، وبدأنا فى عرض طبيعة الساتر، والتجهيزات القتالية الموجودة، والطرق التقليدية لاختراقه وفتح ثغرات فيه بالمفرقعات بمادة «توربيد البنجلور»، وقنابل الطائرات، والصواريخ والنيران، ووجدنا أن: كل نتائج التجارب تقول: إن أقل زمن لفتح الثغرة من 12: 14 ساعة، بنسبة خسائر تصل إلى 20 فى المائة فى الصفوف الأولى» واستطرد «وأثناء جلوسى وحضورى الشرح مع القادة، بدأت أفكر فى التجارب والنتائج الصعبة، وهذا ما حرك بداخلى ضرورة البحث عن البديل، وبدأت أفكر، رغم أن الموضوع لا يخصنى فى الأساس، ورفعت يدى طالبًا للحديث، فرد على اللواء سعد، وقال لى: «أنت هتتكلم فى الآخر» فقلت له «سأتحدث عن فتح ثغرات» وبدأت حديثى معهم: «أنا سمعت كل حاجة عن الساتر، لكن إحنا نجيب طلمبات ماصة كابسة، توضع على زوارق خفيفة، تسحب المياه من القناة، وتعيد ضخها على الساتر الترابى فى أماكن الجسور، ولدينا ميل80 درجة، سوف يساعدنا هذا الميل على إنجاز المهمة، لفتح الثغرات فور تحرك الرمال، التى ستنزل إلى القناة ومع استمرار ضخ المياه سيتم فتح الثغرات بعمق الساتر، الكل ظل صامتًا لدقائق، فقاطعت صمتهم وقلت «الكلام ده عملناه فى السد العالى بالتجريف»، وبعد المناقشة والاستماع لرؤساء التخصصات، تحدث قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبد الكريم، إلى قائد الجيش اللواء طلعت حسن على، وقال له: «إحنا لسه هندرس الموضوع، وفيه عندى ضابط قال فكرة، ويهمنى إنك تسمعه» فرد عليه وقال له: «هاته الصبح وتعالى». وحول تقبُل قادة الجيش فكرته لاختراق برليف، قال «شرحت للواء طلعت نجيب، رئيس فرع مهندسين، وقلت له «القوات لا يصح أن تنتظر من 14:12 ساعة، والتجارب التقليدية تقول إن الخسائر تبلغ 20 فى المائة فى الصفوف الأولى، والفكرة تعتمد على تقليل الخسائر بوجود «طلمبات ماصة كابسة» مثبتة على زوارق خفيفة، والزمن المتوقع لفتح الثغرات هو 4 ساعات. وسألنى قائد الجيش عدة أسئلة، وبعدها تحدث إلى رئيس هيئة العمليات، اللواء ممدوح جاد، وأخبره بالفكرة فسأله: «من هو الضابط؟»، فقال له: «من الفرقة 19، مقدم اسمه باقى زكى يوسف»، فرد اللواء ممدوح: «خليه ييجى لى على طول». وذهبت لشرح الفكرة، أمام نائب رئيس العمليات بالقوات المسلحة، والذى استمع إلى الفكرة، وبعد أن انتهيت، ضرب بيديه فرحًا حتى وقعت بلورة زجاجية على الأرض، وقال لى فى انفعال «يابنى ما تجيش إلا كده». تم عمل مذكرة بفكرتى فى إزالة الساتر الترابى، وأرسلت إلى مدير المهندسين اللواء جمال محمد على، وبعدها قمت بالمرور على وزارة السد العالى، لأخذ كل ما يتعلق بالتجريف، وكتبت تقريرًا فى صفحتين ونصف، وعرضته على قائد العلميات، فطلب منى أن أقوم باختصاره إلى صفحة واحدة ليعرض على الزعيم جمال عبد الناصر، الذى اهتم بالفكرة ودخلت حيز التنفيذ، بعد أن صدرت أوامر بعدم الحديث فى هذا الموضوع نهائيًا. وعن رد فعل الرئيس عبدالناصر على الفكرة، قال اللواء باقى «بعدها قمنا بعمل تجربة فى جزيرة البلاح داخل القناة، على ساتر ترابى طبيعى مكون من أعمال التوسيع والتطوير التى كانت تتم فى القناة، وتم فتح الثغرة فى 3 ساعات ونصف ومن وقتها تم إقرار استخدام المياه المضغوطة فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى». أما عن دوره فى يوم الحرب فى 6 أكتوبر 1973، أوضح «كنت مسئول التأمين الفنى للجيش الثالث، وكنت شاهدًا على فتح أول ثغرة، الساعة العاشرة ونصف تم فتح 60 ثغرة على طول امتداد الضفة الشرقية للقناة، أى نزول 90 ألف متر مكعب رمل إلى القناة، الساعة الثامنة ونصف ليلًا كان عبور أول لواء مدرع من الضفة الشرقية للقناة قبل موعد عبوره المخطط بساعتين، وكان مشهدًا عظيمًا». وبسؤاله حول كيف يعيش حياته الآن، قال «أعيش أفضل أيام حياتى، واستعيد ذكرياتى مع أصدقائى الذين حاربوا، وعلى تواصل مستمر معهم، كما أننى لا زالت منتمى للمؤسسة العسكرية، وبالرغم مما يقوله الكثيرين، إلا أن مصر فى أفضل حال وفى طريقها للتقدم والرقى، وعلى المصريين الصبر لأن الله خلق الدنيا فى أكثر من يوم وليس يومًا واحدًا، مصر محمية بجيشها وشعبها.