*البلطجية يؤجرون المقابر كمقاهٍ ومخازن وشقق بأسعار من 150 إلى 300 جنيه *تحويل «الأحواش» إلى مخازن مسروقات لبيعها فى سوق الجمعة.. و«الآثار»: مفيش حاجة من أضرحة تسكنها جثامين أولياء الله الصالحين، منذ مئات السنين، إلى أماكن آمنة لممارسة الدعارة، وأوكار خاصة بمدمنى المخدرات، ومخابئ للبلطجية، هكذا هو الحال الآن لعدد كبير من الأضرحة فى مناطق السيدة نفيسة، والسيدة زينب، والسيدة عائشة، التى رصدتها «الصباح» بالصور، بعدما غضت عنها أجهزة الأمن العيون، وفشلت الحكومات المتعاقبة فى تحريرها من الخارجين عن القانون، وإعادتها إلى طبيعتها الروحانية، من حلقات إيمانية لمحبى آل البيت، بدلًا من جلسات المزاج وتجارة الأجساد. فور الدخول إلى منطقة مقابر السيدة عائشة والسيدة نفيسة، تظهر الورش والمخازن المجاورة للأضرحة، التى تتخذ من بعض المقابر مقرًا لها، وهناك قال عويس السيد، 63 سنة، ل«الصباح»، إن منطقة السيدة نفيسة تحتوى على العديد من مقابر أولياء الله الصالحين، ولكنها تحولت لاستراحات ومقاهٍ لمدمنى المخدرات الذين يترددون على الأضرحة ليلًا مستغلين غياب الأمن عن هذه الأماكن، دون أن يستطيع سكان المقابر منعهم خوفًا من ملاك تلك المقاهى والمدمنين أنفسهم. وأضاف السيد، إن المقاهى الموجودة فى المنطقة هى أماكن عادية جدًا فى النهار، حيث يأتى العمال لشرب الشاى وتدخين الشيشة، لكنها فى الليل تتحول لشىء آخر تمامًا حيث تستضيف متعاطى الخمور والمخدرات الذين تمتد جلساتهم خارجها إلى الوجود فوق الأضرحة أو المقابر المجاورة للمقاهى دون مراعاة أى قدسية للموت وهو مشهد بات معتادًا فى المنطقة، وقال أحد السكان: إن أحد البلطجية يتخذ من مقام السيدة «جوهرة» وكرًا له يسكن فيه بالنهار، وفى الليل يأتى إلى المقاهى لتعاطى المخدرات ولعب القمار. جميع تلك المشاهد القاسية هى جزء من حياة عدد كبير من المواطنين الذين يسكنون المقابر لأنهم لا يملكون ما يمكنهم من استئجار أو شراء شقة فى مكان آمن وجيد، ويقول محسن فرغلى، 45 سنة، إنه يسكن المقابر هو وأسرته المكونة من زوجته وابنته منذ نحو 10 سنوات، لعدم قدرته على شراء شقة، والأضرحة والمقابر تنقسم إلى نوعين منها المزودة ب«حوش» وبعضها مملوك لأهالٍ مثل المقبرة التى يقيم فيها، والنوع الثانى هى مقابر الأولياء مثل مقابر السيدة نفيسة، وهى ضريح داخل المسجد، يحظى بالاهتمام والحماية وأضرحة أخرى مثل السيدة سكينة والسيدة رقية، والسيدة عائشة، وتعانى من إهمال كبير حيث تهدمت أسوارها وتراكمت المخلفات الخشبية والحديدة بها فتحولت ل«خرابات» وهو ما شجع البلطجية على التردد عليها فى ظل غياب موظفى وزارة الآثار. وأضاف إن أضرحة الأولياء العارف بالله، وأبوالسعود العشائر، والسيدة جوهرة، موجودة فى قلب المقابر ومفصولة عن المساجد، ومن المفترض أنها خاضعة لرقابة وزارة الآثار، إلا أنهم يظهرون نادرًا، لذلك يسيطر عليها البلطجية، ويحتلونها ليلًا لتعاطى المخدرات، وممارسة الرذيلة مع الساقطات اللاتى يترددن على المكان يوميًا. وتابع: إن بعض الأجانب كانوا يزورون المنطقة فى الماضى أثريتها لكنهم كفوا عن ذلك بسبب تعرضهم للمضايقات من جانب البلطجية، فيما قاطع السكان تلك الأماكن وابتعدوا تمامًا عنها. ولا تقتصر الأنشطة الإجرامية فى المقابر على التعاطى والدعارة فقط، ولكن لخلوها من الشرطة تم استخدامها فى تخزين المسروقات من أجهزة كهربائية ودراجات بخارية وأحذية وغيرها والتى تباع فى منطقة «سوق الجمعة» القريبة من المقابر، وقال كمال فرج، أحد سكان المنطقة، إن العديد من البلطجية يبيعون الأجهزة الكهربائية على باب المقابر، وتنقل سيارات المسروقات فجر الجمعة إلى سوق السيدة عائشة لبيعها. ويعيش السكان كابوسًا دائمًا بسبب عدم شعورهم بالأمان فى المنطقة، منهم أم ريهام، التى تعيش فى مقبرة بجوار مسجد السيدة رقية، وتأتى إلى المسجد يوميًا، حاملة صغيرتها، لتتلقى بعض الصدقات من الأهالى الذين يأتون لزيارة الضريح، وتقول أم ريهام إنها موجودة منذ سنوات وشهدت تحول المنطقة من مكان هادئ إلى شىء مخيف، حيث تحولت الأضرحة تدريجيًا إلى ما لا يمكن وصفه، الأضرحة نهارًا آمنة إلى حد كبير، رغم وجود بعض عمليات تجارة الحشيش، إلا أن المساء يشهد توافد عشرات من الشباب للجلوس خلف الضريح وتعاطى المخدرات. وإذا تأخرت أم ريهام عن العودة إلى المقبرة التى تسكنها فعادة ما تتعرض عند دخول الليل من جانب البلطجية ومدمنى المخدرات، الذين تحرشوا بها عدة مرات دون أن تستطيع فعل شىء. منطقة المقابر تدار بشكل منظم من قبل مجموعات البلطجية الذين قسموها بينهم يسيطر فيها كل بلطجى على مساحات معينة بعينها على أساس وضع اليد ولا يمكن لأحد منهم التعدى على المنطقة المخصصة لآخر، ويقوم بعضهم بتأجير مناطق خاضعة له إلى آخرين لاستغلالها، يقول الحاج على جمعة، إن بعض البلطجية يؤجرون المقابر بالشهر لاستخدامها كمخازن ويؤجرون المقهى بما يقرب من 1000جنيه شهريًا والمقبرة المخصصة للسكن ب150جنيهًا والمخزن ب250جنيهًا. من جانبه قال الدكتور سمارات حافظ، رئيس الإدارة المركزية للآثار الإسلامية، إن الوزارة تعد مشروعًا لتطوير تلك المنطقة والمبانى والأضرحة الأثرية، والتعديات الواقعة على الأضرحة أو المقابر الأثرية والمبانى التابعة للوزارة بشكل عام يتم عمل محاضر بها فى شرطة الآثار أو أقسام الشرطة، مفتشو الآثار والحراس يقومون بمتابعة الأمر ولا يسمحون بتواجد هؤلاء البلطجية داخل حرم الأضرحة أو المساجد. وأشار حافظ إلى أن هذا الأمر موجود فعليًا منذ فترة كبيرة، لكن الوزارة تعمل المستطاع، وما تقدر عليه، وهناك جانب آخر يقع على عاتق وزارة الداخلية والأحياء لمنع المقاهى والمخازن المستخدمة داخل تلك المناطق بشكل عام.
وقال خالد مصطفى المتحدث باسم محافظة القاهرة، إن هناك بعض الحملات التى تقوم بها إدارة حى جنوب فى هذه المناطق نهارًا لكنها لا تجد شيئًا، وكل المخالفات التى يتم ضبطها يتم تحرير محاضر بها، وما يتعلق بتجارة المخدرات وغيرها فهى مسئولية الجهات الأمنية ومديرية أمن القاهرة التى تشن حملات على المنطقة للحد من هذه الأمور.