سعر الدولار مقابل الجنيه في بداية تعاملات اليوم الأحد الموافق 11 مايو 2025    سعر الفراخ في البورصة اليوم الأحد 11 مايو    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    وزير الرى: تدريب المهندسين والفنيين بالوزارة على تشغيل وصيانة محطات المعالجة الكبرى    ماكرون: اقتراح بوتين بشأن المفاوضات مع أوكرانيا «خطوة أولى لكنها غير كافية»    عشرات الشهداء جراء قصف الاحتلال خيام النازحين في غزة    الكلاسيكو| موعد مباراة ريال مدريد وبرشلونة في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    بعثة الحج الطبية: تخصيص 29 عيادة بمكة والمدينة لخدمة الحجاج المصريين    «الأرصاد»: طقس اليوم شديد الحرارة على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 40 درجة    أختل توازنه.. مصرع عامل سقط من الطابق السابع في الطالبية    «حب حقيقي».. سهير رمزي تصف علاقة بوسي شلبي ومحمود عبد العزيز    الصحة: فحص وتسلم شحنة الأدوية والمستلزمات الطبية ضمن استعدادات خدمة الحجاج المصريين    هل تصح طهارة وصلاة العامل في محطة البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    اليوم.. نظر محاكمة المتهمين بقضية خلية النزهة الإرهابية    استقالة مستشار الأمن القومى السويدى بعد يوم من تعيينه بسبب صور فاضحة    مع استئناف جلسات «قانون الايجار القديم»: خبير عقاري يشرح فوائد إعادة فتح الشقق المغلقة    تشكيل ليفربول المتوقع ضد آرسنال اليوم.. موقف محمد صلاح    حظك اليوم الأحد 11 مايو وتوقعات الأبراج    تعرف على أسعار الأسماك اليوم الأحد الموافق 11-5-2025 فى سوهاج    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    أول تصريحات ل ترامب بعد وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    اليوم.. انطلاق التقييمات المبدئية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    لأول مرة.. نانسي عجرم تلتقي جمهورها في إندونيسيا 5 نوفمبر المقبل    صنع الله إبراهيم يمر بأزمة صحية.. والمثقفون يطالبون برعاية عاجلة    إخلاء سبيل ضحية النمر المفترس بالسيرك بطنطا في بلاغ تعرضه للسرقة    بالتردد.. تعرف على مواعيد وقنوات عرض مسلسل «المدينة البعيدة» الحلقة 25    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    في ظل ذروة الموجة الحارة.. أهم 10 نصائح صحية للوقاية من ضربات الشمس    ديروط يستضيف طنطا في ختام مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    وزيرة التضامن: خروج 3 ملايين أسرة من الدعم لتحسن أوضاعهم المعيشية    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    إخلاء عقار بالكامل بعد الحريق.. إصابات وحالة وفاة في حادث مصر الجديدة    تامر أمين بعد انخفاض عددها بشكل كبير: الحمير راحت فين؟ (فيديو)    بوتين: أوكرانيا حاولت ترهيب القادة القادمين لموسكو لحضور احتفالات يوم النصر    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    إنتهاء أزمة البحارة العالقين المصريين قبالة الشارقة..الإمارات ترفض الحل لشهور: أين هيبة السيسى ؟    سالم: ما يقوم به الزمالك مع زيزو هو نموذج للإحترافية والاحترام    سامي قمصان: احتويت المشاكل في الأهلي.. وهذا اللاعب قصر بحق نفسه    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    "التعليم": تنفيذ برامج تنمية مهارات القراءة والكتابة خلال الفترة الصيفية    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    حكام مباريات الأحد في الجولة السادسة من المرحلة النهائية للدوري المصري    المركز الليبي للاستشعار عن بعد: هزة أرضية بقوة 4.1 درجة بمنطقة البحر المتوسط    «التعاون الخليجي» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    «عشان تناموا وضميركم مرتاح».. عمرو أديب يوجه رسالة إلى أبناء محمود عبدالعزيز    وزيرة التضامن ترد على مقولة «الحكومة مش شايفانا»: لدينا قاعدة بيانات تضم 17 مليون أسرة    خالد الغندور: مباراة مودرن سبورت تحسم مصير تامر مصطفى مع الإسماعيلي    في أهمية صناعة الناخب ومحاولة إنتاجه من أجل استقرار واستمرار الوطن    أمانة العضوية المركزية ب"مستقبل وطن" تعقد اجتماعا تنظيميا مع أمنائها في المحافظات وتكرم 8 حققت المستهدف التنظيمي    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    أبرزها الإجهاد والتوتر في بيئة العمل.. أسباب زيادة أمراض القلب والذبحة الصدرية عند الشباب    تبدأ قبلها بأسابيع وتجاهلها يقلل فرص نجاتك.. علامات مبكرة ل الأزمة القلبية (انتبه لها!)    منها «الشيكولاتة ومخلل الكرنب».. 6 أطعمة سيئة مفيدة للأمعاء    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ريهام سعيد ليست الأولى ولن تكون الأخيرة مصر بلد ال 250 ألف دجال!
نشر في الصباح يوم 20 - 12 - 2014

*31 ٪ من المصريين يؤمنون بمس الجن والأرواح..و 100 ألف دجال فى القاهرة فقط ينصبون على البسطاء
*11 ٪ من المؤمنين بالخرافات وقصص العفاريت فنانون ومثقفون ولاعبو كرة
*دجال نجح فى بيع «قطرة » لعلاج العيون مستخلصة من العرق.. لأن قميص سيدنا يوسف الذى أعاد البصر لوالده كان ملوثًا بعرقه!
لم يعد عالم الجن والعفاريت مقصورًا على الغرف المغلقة والمجالس السرية للدجالين والمشعوذين، فقد أصبح الآن هناك متسع للدجل على الشاشة الصغيرة التى تدخل كل بيت.
مؤخرًا انتشرت لقاءات وبرامج تلفزيونية متعددة، وحوارات وتحقيقات صحفية، تتركز على قضية الجن والبشر الذين يتلبسهم عفريت أو جنى، فيتصرف بطريقة هستيرية لا تخلو من عنف.
بطبعه يظل عالم الجن والعفاريت مادة جذابة للمشاهدين، لهذا انتشرت ردود الفعل المتنوعة على هذه البرامح فى وسائل التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر.
ومن أوكار الدجل وخبايا عالم الجن.. هناك مسافة يبدو أنها تزول تدريجيًا وسط شكوك البعض وقلق كثيرين من انتشار الظاهرة.
تاريخ المجاذيب!
من يدرس طبائع المصريين، سيكتشف أن هناك عادات وطقوسًا اجتماعية يظنها الناس من الدين وهى ليست من الدين فى شىء، بل هى فى الحقيقة مناهضة للدين، ومضادة للعقل، ومع ذلك يستمر الناس فى فعلها دون التفكير فى مدلولاتها أو إدراك مخاطرها وآثارها السلبية على التربية والتفكير العقلى.
وللأسف يسقط الكثيرون فى فخ هذا النمط من التفكير الخرافى، الذى يقوم على إنكار العلم ورفض مناهجه، أو يلجأ فى عصر العِلم إلى أساليب سابقة على هذا العصر.
على سبيل المثال نجد المصريين يميلون إلى تصديق ما يشاع عن أن بعض الأماكن، أو الأشخاص، أو حتى الحيوانات لها قدرة عجيبة على شفاء الأمراض ومداواة العلل والأسقام، وتمدنا المصادر التاريخية بعدد من الحوادث المشهورة التى كان أبطالها محط أنظار المصريين وملاذهم فى كثير مما يعتريهم من أوجاع.
المؤرخ أحمد جلبى يذكر أكثر من حادثة يجتمع فيها الأهالى على الرجل، يُعتقد أن به ولاية، وما أن يشاع الخبر حتى يهرع إليه الجميع كبارًا وصغارًا، رجالاً ونساءً، خاصهم وعوامهم، حتى إن المؤرخ يقول إنه شاهد أحد شيوخه وهو يقبل يد أحد هؤلاء المجاذيب، ويُدعى محمد العليمى، ولما سأله عن فعله قال له الشيخ: «يا أحمد، اعتقد ولا تنتقد».
ويورد المؤرخ الكبير عبدالرحمن الجبرتى حادثة أخرى وقعت فى أوائل رمضان سنة 1147، إذ ظهر فى الجامع الأزهر رجل تكرورى ادعى النبوة، فأحضروه بين يدى الشيخ أحمد العماوى، فسأله عن حاله، فأخبره أنه كان فى شربين فنزل عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب، وأنه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل، ولما فرغ من الصلاة أعطاه جبريل ورقة وقال له «أنت نبى مرسل، فأنزل وبلغ الرسالة وأظهر المعجزات».
فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أنت مجنون، فقال لست بمجنون، وإنما أنا نبى مرسل؛ فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع.
ثم سمع به الأمير عثمان كتخدا فأحضره وسأله، فقال مثل ما قاله للشيخ العماوى، فأرسله إلى البيمارستان، فاجتمع عليه الناس والعامة رجالاً ونساء، وهرعوا إليه من قبل شروق الشمس حتى الغروب، وصار البيمارستانى يأخذ منهم أموالاً ليقابلوا الرجل، وكان جملة ما حصله البيمارستانى فى ثلاثة أيام تكفى لكساء نفسه وعياله وعمل الكعك وشراء المكسرات ومصروف شهر رمضان المعظم، ثم إنهم أخفوا الرجل عن أعين الناس، ولما رفض التوبة والرجوع عن قوله أمر الباشا بقتله فى حوش الديوان.
مسحوق السحالى!
بدورهم لمس الرحالة الأجانب قبل أكثر من قرنين من الزمان هذا الجانب الغيبى فى طبيعة الشعب المصرى وسجلوه فى كتاباتهم؛ إذ يذكر أحد هؤلاء الرحالة أن المصريين كانوا يقصدون دور العبادة يلتمسون فيها العلاج الطبى، فيمكثون لمدة عشرة أيام لا يأكلون فيها سوى الخبز والعسل ومسحوق السحالى وبيض العصافير، ويذكر إدوارد وليام لين، صاحب الكتاب الشهير «عادات وأخلاق المصريين المعاصرين» «أن تركيبة الشعب المصرى وشعوب بلدان الشرق الأخرى تدفعه إلى تبنى الخرافات والتصديق بها، حتى وإن كانت من ديانات أخرى، فالمسلمون والمسيحيون واليهود يعتقدون فى خرافات بعضهم البعض، فى الوقت الذى يزدرون فيه العقائد المنطقية والعقلانية، فقد يستعين المسلم مثلاً فى مرضه برجال دين مسيحيين ويهود ليصلوا له، وكذا الأمر بالنسبة إلى المسيحيين واليهود الذين غالبًا ما يستنجدون فى الحالات نفسها بالأولياء المسلمين ليبرءوا من أمراضهم، ومن عادات بعض المسيحيين زيارة أولياء المسلمين فى القاهرة يقبلون أيديهم ويتوسلون فى صلواتهم ويسترشدون بنصائحهم، أو يأخذون بتنبؤاتهم ويحملون إليهم الهدايا ويغدقون عليهم بالأموال».
ومن الأماكن المشهورة التى قصدها المصريون طلبًا للعلاج، وبصفة خاصة النساء، كان «مغسل السلطان» الموجود بميدان الرميلة غرب قلعة القاهرة، والذى كان يتم فيه تغسيل وتكفين من ينفذ بهم حكم الإعدام، وكان هناك حوض يستمد الماء منه، وكثيرًا ما كان هذا الحوض يتلطخ بالدماء التى تتجلط، الأمر الذى ينتج عنه روائح كريهة، وفى هذا المكان تتوجه المرأة العاقر طلبًا للذرية الصالحة، وكذلك المرأة التى تريد تسهيل ولادتها، حيث تجرى طقوس غريبة فى صمتٍ تام، منها العبور فوق المصطبة الحجرية المعدة سبع مرات، ثم تغسل وجهها بالماء الملوث الموجود بالحوض، كما اعتقدت بعض النساء أنهن إذا مررن بجثة رجل نفذت به عقوبة الإعدام بقطع الرأس سبع مرات دون أن يتفوهن بكلمة واحدة يصبحن حاملات من فورهن.
وفى قرى مصر، يرى كثير من الفلاحين أن الدجال يتمتع بقوى نفسية عجيبة ومهارات نادرة فى استغلال القوى الخفية الهدامة التى يمكن أن تسبب المصائب للناس، ومع ذلك فإن منهم من يستعين بهؤلاء الذين يدَّعون امتلاك قدرات غيبية أو سحرية، لمساعدتهم فى حالات المرض المستعصى أو العقم، أو فى حالات الخلافات الزوجية أو الرغبة فى الارتباط بشريك حياة، أو بهدف التفريق بين رجل وامرأة، أو للعثور على أشياء مفقودة أو مسروقة، أو للوقاية من الأرواح الشريرة. كما يقيم هؤلاء حفلات الزار، استرضاء للجن والعفاريت أو طلبًا للخلاص من استحواذهم عليهم، حسب اعتقادهم.
«قطرة» من عرق يوسف!
نحن غارقون حتى آذاننا فى الخرافات، وعلى الرغم من أننا نعيش عصر الفضاء والإنترنت والهندسة الوراثية فإننا نواصل تصديق مثل هذه الحكايات الغريبة مع بعض الإضافات والتوابل اللازمة فى مجالسنا على سبيل الإثارة والتشويق.
يعتمد مروجو الخرافات والمتربحون منها على الاستدراج النفسى والتكسب بهموم الناس ودغدغة العواطف والإيهام بالحلول، وهذا جذاب فى مجتمع انسدت فيه السبل والطرق الطبيعية لحل هذه المشكلات على نحو علمى، بتحليل الأسباب ومحاولة تغييرها.
هكذا أصبح منطقيًا، ودون أى احترام لأى قواعد علمية، أن يعلن أحدهم عن اكتشاف قطرة «علاج» لكل أمراض العيون، هى قطرة «العرق» زاعمًا أن تفكيره هداه إليها بعد أن تمعن فى سورة «يوسف»، ورأى أن قميص يوسف الذى ألقى على وجه يعقوب فارتد بصيرًا، كان يحتوى على عرق النبى يوسف!
وحسب أخصائى الطب النفسى د. عمرو أبو خليل، فقد جنى هذا النصّاب الملايين من توزيع «قطرة العرق» للمستسلمين لهذا التخريف والخبل، تحت أعين الجميع من علماء دين وأساتذة طب، ولم نسمع أحدًا أو جهة ما تصدت لهذا العبث.
ولقد ذاعت أخيرًا قنوات تعلن عن مشايخ لعلاج الوساوس والهواجس والظنون والأوهام، تقرأ الكف وتعرف الطالع، وتستعين بقوى الأفلاك، وتوصل المشاهد بعالم الغيب، والجن والشياطين، وتُعين على إبليس، وتساعد فى معرفة القرين.
وفى الألفية الثالثة، هناك أشخاصٌ يصرون على معالجة «الخضة» بالطاسة، والإمساك بالخشب منعًا للحسد، وكسر «القلة» بعد انصراف ضيف ثقيل الظل، وقرص العريس أو العروس فى الركبة للحاق سريعًا بركب المتزوجين.. ونجد من يخشى القطط السوداء اللون والكنس ليلاً وترك المقص مفتوحًا، ويرى أن رمى قشر الثوم أمام عتبة المنزل يجلب النكد، ويرفض غسل الملابس يوم الإثنين أو خلع الأسنان يوم الإثنين أو الأربعاء أو هز الأرجل وأنت جالس على طرف السرير؛ لأن ذلك يجلب «الفقر».
خرافاتٌ وأساطير وأوهام تشدنا بقوة إلى تاريخ ما قبل الميلاد، فى حين يبحث العالم عن مزيد من المنجزات العلمية والطبية التى تيسر نوعية الحياة على الأرض.
لقد نحينا العلم جانبًا وتركنا أنفسنا فريسةً للجهل المطبق الذى يلغى العقل، وتناسينا أن الدين يدعونا إلى طلب العلم وإعمال العقل والبعد عن البدع والخرافات والتطير من باب التشاؤم.
الظاهرة تتعدى حدود المنطق أحيانًا لأنها ترتدى فى كثيرٍ من المناسبات مسوح الدين -أى دين- حتى تضمن الكثير من الأتباع والمصدقين.. أما الهدف فقد يكون رغبةً من مدعى «المعجزة» فى كسب المال أو الشهرة أو لفت الأنظار وتحويلها عن قضايا اجتماعية وسياسية مثارة فى تلك الفترة.
وفى أوقات الشدائد وأزمنة المحن وفترات الأزمات، يلوذ الناس بالخرافات، التى تتحول إلى وباء يتفشى ويُعمى القلوب والأبصار.
اقتصاديات العفاريت!
المصيبة أكبر من مجرد حكاية خرافة تظهر هنا أو هناك؛ إذ تُعتبر ظاهرة السحر والدجل واللجوء إلى المشعوذين فى مصر واحدة من الظواهر الثابتة على مدى عقود، وعلى الرغم من الانتقادات الدينية والمجتمعية المستمرة لاستمرارها.
وحسب الإحصائيات العلمية، فإن المصريين ينفقون سنويًا نحو 15 مليار جنيه على أمور السحر والشعوذة، وهو تقريبًا ثلث ما ينفقه العالم العربى سنويًا والذى قدرته بعض الجهات بنحو 5 مليارات دولار فى العام الواحد. حسب هذه الدراسات أيضًا فإن الذين يمارسون مهنة الدجل فى مصر يصلون إلى نحو 250 ألف شخص تصل دخولهم السنوية إلى ملايين الجنيهات.
طوال السنوات الأخيرة، بدا جليًا أن اللجوء إلى العرافين والمنجمين والسحرة لم يعد مقتصرًا على الطبقات الفقيرة والجاهلة، خصوصًا النساء اللاتى يذهبن إلى المشعوذين بحثًا عن السعادة الزوجية مرة، وبحثًا عن الحمل وإنجاب الأبناء مرة ثانية، لكنه تخطى هذه الحدود ليصبح التنبؤ بالمستقبل والحوادث السياسية مادة موجودة على برامج الفضائيات خصوصًا مع بدايات كل عام.
وتقول دراسة أعدها المركز القومى المصرى للبحوث الاجتماعية والجنائية تقول إن هناك 100 ألف فى القاهرة وحدها، تلك الجيوب أنفقت نحو 10 مليارات جنيه فى عام 2003 على الدجالين والمشعوذين، حسب الدراسة، التى تشير إلى أن ما يصل إلى 274 خرافة تتحكم فى سلوك المصريين.
وتؤكد بعض الدراسات الحديثة أن 31% من المصريين بينهم من يحتل المناصب العليا يؤمنون بتقمص الأرواح، وأن الاعتقاد بالجان والعفاريت أصبح من المعتقدات الأساسية فى حياة بعض الناس، ممن ينفقون مليارات الجنيهات سنويًا على الدجالين والمشعوذين والنصابين الذين يدعون قدرتهم على تسخير الجان وعلاج الأمراض والمشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، تضيف تلك الدراسات أن 50% من النساء المصريات يعتقدن بقدرة الدجالين على حل مشكلاتهن، وأنهن الأكثر إقبالاً على هؤلاء، وأن 63% من المصريين يؤمنون بالخرافات والخزعبلات، ويمثل الفنانون والسياسيون والمثقفون والرياضيون منهم نسبة تصل إلى 11%.
الغريب أن بعض كتب التراث بل ومؤلفات من يوصفون عادةً بالمؤرخين تزخر بمثل هذه «الخوارق» و»المعجزات» التى قد تتناقلها الألسن وتضيف إليها مرةً بعد أخرى، فضلاً عن كون أساسها غير صحيح؛ إذ إنه إبان المرحلة العثمانية المملوكية -وهى أكثر الفترات انحطاطًا فى تاريخ مصر- انتشرت البدع والخرافات على نحو كبير، والذى يقرأ تاريخ ابن إياس أو المقريزى أو حتى الجبرتى فيما بعد، سيجد أن الناس كانت تستنجد بالخرافات لتنجو من واقع مؤلم تنتشر فيه الأوبئة والمجاعات.
وها هى دورةُ التاريخ تتكرر، وفى حين يتطلع الآخرون إلى الأمام ها نحن نرتد إلى الخلف فى ظل حالة من البؤس والتراجع ليس لها مثيل، نحن نتفرغ للبحث فى قشرة ثمرة عن خربشة للفظ الجلالة، تاركين باقى العالم يفكر ويبحث ويبدع ويكتشف المزيد من أسباب التقدم والنهضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.