*ريدلى سكوت يقدم موسى كزعيم ثار على الفرعون رمسيس وجمع 600 ألف من العبيد فى رحلة عسيرة للهروب من مصر فى التاريخ الإنسانى بشكل عام وفى الإسلام واليهودية بشكل خاص يحتل نبى الله موسى عليه السلام أو «موشيه» فى اليهودية بمكانة خاصة؛ فهو من أنبياء الله سبحانه وتعالى لبنى إسرائيل «أو شعب الله المختار» كما وصفهم الله فى القرآن الكريم؛ جاء ذكر اسمه فى القرآن الكريم 136 مرة فى مواضع وآيات مختلفة؛ وتعتبر قصته مع فرعون مصر هى الأكثر ذكرًا فى القرآن الكريم من بين أنبياء الله بشكل عام؛ وبدون الدخول فى تفاصيل وتفاسير كثيرة فإن ذكره جاء بهذا الشكل لسببين أولهما أنه النبى الوحيد الذى بعثه الله لرجل كان يدعى الألوهية من دون الله «فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى» النازعات 24؛ وثانيهما كما جاء فى تفسير ابن القيم فى كتابه جلاء الأفهام 1/152: «ولهذا يذكر الله سبحانه وتعالى قصة موسى عليه السلام ويعيدها ويبديها ويسلى رسول الله، ويقول رسول الله عندما يناله من أذى الناس: «لقد أوذى موسى بأكثر من هذا فصبر»، فتأمل هذا التناسب بين الرسولين والكتابين «الشريفين» مختصرًا. إذن «فكليم الله» ليس من الأنبياء الوارد ذكرهم بشكل عابر أو بالقليل من التفاصيل مثل عدد آخر من الأنبياء؛ ومن هنا كان الاهتمام السينمائى بتلك الشخصية الثرية دراميا لتقديمها على الشاشة؛ منذ أن كانت السينما صامتة عندما قدم أول عمل سينمائى يتناول قصة حياة نبى الله موسى عام 1923 فى فيلم حمل عنوان «الوصايا العشرة» أو The Ten Commandments هو فيلم صامت يحكى قصة حياة موسى النبى وخروج بنى إسرائيل من مصر، وكان من إخراج «سيسيل بى ديميل» وبطولة ثيودور روبرتس الذى جسد شخصية النبى موسى ؛ ويبدو أن نجاح الفيلم رغم أنه عمل صامت دفع نفس المخرج لتقديمه من جديد بعدها بعدة سنوات وتحديدا فى العام 1956 بالألوان، وأسند بطولته للمثل الأمريكى شارلتون هيستون، وتم تصوير معظم مشاهده فى مصر، ونال جائزة الأوسكار عام 1957 لأفضل مؤثرات بصرية لمشهد شق البحر؛ ويبدو أن ثراء الشخصية كان عاملا محفزا لكل صناع السينما العالمية لتوالى الأعمال واحدًا تلو الآخر عن قصة حياة نبى الله موسى؛ ومنها فيلم «موسى النبى» وهو إنتاج إيرانى لكن فريق العمل والأبطال المشاركين فيه كانوا من جنسيات مختلفة، وقام بتجسيد شخصية نبى الله موسى فيه الممثل الأمريكى العالمى BEN KINGSLEY ؛ وتناول الفيلم أيضا قصة خروج بنى إسرائيل من مصر عبر معجزة شق البحر؛ ومنذ فترة قريبة أعلن المخرج الإيرانى فرج الله سلحشور مخرج المسلسل الشهير «يوسف» بأنه يعمل على إعداد مسلسل جديد حول حياة النبى موسى عليه السلام، وأنه انتهى من كتابة معظم حلقات المسلسل التى تصل إلى 72 على أن يبدأ التصوير بمجرد الانتهاء من قراءة كل المراجع التاريخية والدينية التى تناولت قصة حياة نبى الله موسى، كل ذلك قبل أن يفاجئنا المخرج العالمى «ريدلى سكوت» مخرج أفلام «المصارع» لراسل كرو؛ و«مملكة الجنة» والعديد من الأفلام العالمية بوجوده فى مصر خلال الشهر قبل الماضى من أجل الانتهاء من تصوير مشاهد فيلمه الجديد «Exodus: Gods and Kings» الذى يتناول فيه من جديد قصة حياة نبى الله موسى عليه السلام، والذى يجسد شخصيته على الشاشة الممثل الإنجليزى الأصل «كريستيان بيل» الحائز على جائزة الأوسكار كأحسن ممثل مساعد عن فيلم «The Fighter» أو «الملاكم» فى العام 2011 والذى تعرف عليه الجمهور المصرى من خلال ثلاثية فيلم «باتمان» التى قدمها فى 2005 و2008 و2012 فى شخصية «بروس» وباتمان؛ وقضى ريدلى سكوت فترة فى مدينة أسوان صور خلالها مع فريق عمل فيلمه معظم المشاهد؛ وأثناء وجوده فى أسوان حرص الفنان خالد النبوى على زيارته هناك، حيث تجمعهما علاقة صداقة منذ مشاركة النبوى فى فيلم «مملكة الجنة» من إخراج سكوت.. ووسط حالة من الضبابية الشديدة حول مصير الفيلم وإمكانية عرضه فى مصر أو منعه كما حدث مع سابقه «Noah» للمثل العالمى راسل كرو الذى لم تمض أكثر من ستة أشهر على أزمة تجسيده لنبى الله نوح عليه السلام على شاشة السينما العالمية فى فيلم يحمل الاسم نفسه «Noah»؛ وهو العمل الذى واجه اعتراض الأزهر الشريف على عرضه فى دور العرض المصرية من منطلق القرار النهائى الذى اتخذه الأزهر الشريف بتحريم تجسيد الأنبياء على الشاشة؛ خرج بطل الفيلم «كريستيان بيل» بتصريحات غريبة أثارت الجدل وأشعلت مواقع الأخبار الأمريكية والعالمية والتى تقلل من شأن نبى الله موسى عليه السلام؛ وذلك قبل أن يؤكد مخرج الفيلم «ريدلى سكوت» أنه أرجع معجزة «شق البحر» لموسى إلى عوامل طبيعية «زلزال» وليس على أنها معجزة إلهية اختص بها الله سبحانه وتعالى نبيه؛ وهو ما جعل البعض يبدأ فى مرحلة النبؤات والتكهنات حول مصداقية الفيلم قبل عرضه أو نوايا أبطاله؛ وهو ما يؤكد فى الوقت نفسه بنذير شؤم حول إمكانية عرض الفيلم فى مصر ؛ فجانب قرار الأزهر الشريف القاطع فى الأمر والذى يؤكد عدم إمكانية السماح بعرض الفيلم؛ جاءت تلك التصريحات لتحدث حالة من اللغط حول صورة نبى الله موسى فى الفيلم، وإمكانية أن يكون قد حمل الإساءة لشخصه الكريم. الغريب فى الأمر أن جزءًا كبيرًا من أحداث الفيلم تم تصويرها فى مدينة أسوان من أجل الاستعانة بالمعابد والآثار فى مشاهد الفيلم؛ ويبقى السؤال هنا: كيف تسمح الحكومة المصرية متمثلة فى وزارة السياحة وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية وجهاز السينما بتصوير مشاهد الفيلم فى مصر؟ على الرغم من تجسيد أحد أنبياء الله فيه وإمكانية منعه من العرض فى مصر فى حال أرادت الشركة المنتجة ذلك بسبب اعتراض الأزهر الشريف على الأمر. لذلك كان ل «الصباح» حديث خاص مع كل الجهات المسئولة عن إعطاء التصاريح للأعمال الأجنبية من أجل التصوير فى مصر؛ والبداية كانت مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، حيث تحدثنا مع رئيس الجهاز عبد الستار فتحى الذى أكد أنه لم يحدث أن طلبت الشركة المنتجة للفيلم تصاريح لتصوير فيلم عن النبى موسى عليه السلام؛ وإنما الطلب جاء من أجل تصوير فيلم سياحى كبير فى عدد من دول العالم ومن بينها مصر؛ مؤكدا أن مثل تلك الطلبات تتلقاها الرقابة بشكل مستمر لذلك يتم التصريح لهم وإعطاء خطابات الموافقات اللازمة والخاصة بالسياحة والأمن؛ مشيرا إلى أنه علم بعد ذلك بأن المشاهد التى يتم تصويرها سوف تستغل فى فيلم عن حياة النبى موسى، وهو الأمر الذى لا علاقة به، حيث تبدأ علاقته بالفيلم عندما تطلب الشركة المنتجة عرضه فى مصر، خاصة أن لدينا مشكلتين تخص العرض وهما اعتراض الأزهر الشريف على تجسيد الأنبياء؛ والأخطر من ذلك هى معلومة ليست مؤكدة حتى الآن أن الفيلم يدعى بأن اليهود هم بناة الأهرامات، وهى المعلومة الضارة بمصر، والتى إن تأكدت سوف تؤدى لوقف عرض الفيلم فى مصر. أما كمال عبد العزيز، رئيس المركز القومى للسينما السابق، فأكد أنه لم يكن على علم بأن المشاهد التى يتم تصويرها فى مصر خاصة بفيلم عن النبى موسى عليه السلام؛ حيث إن الإطلاع على السيناريو ليس من ضمن اختصاصاته، وإنما مهمته كجهاز تتلخص فى تقديم تسهيلات وتصاريح خاصة بالمعدات وفقا لقرار وزارة المالية؛ كما أن فريق العمل كان قد حصل على تصريح من الرقابة أى أن الأمر سار بشكل قانونى؛ وأشار إلى عدم معارضته لتجسيد الأنبياء على الشاشة فى حال كون تلك الأعمال تشرح الإسلام بطريقة صحيحة؛ مؤكدا أنه فى حال علمه بأن الفيلم يحمل إساءه لنبى الله موسى لكن قد قام بتشكيل لجنة على أعلى مستوى لاتخاذ قرار مناسب بشأن التصريح للفيلم، لكن هذا لم يحدث من الأصل؛ وأوضح أننا فى حاجة إلى تنشيط السياحة، وعلينا أن نتعلم من تجربة المغرب فى جذب الأعمال الفنية لتصويرها هناك، والتى استطاعت أن تحصد فى 6 شهور من يناير ليونيو 160 مليون دولار، فما المانع أن نقوم بتنشيط تصوير الأعمال الأجنبية فى مصر، خاصة أنهم ليس لديهم أزمة، فإذا رفضت سيقومون بالتصوير فى أى بلد آخر، وأشار إلى أنه يتم تصوير فيلم فى إيران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتم تجسيده والعمل فى مراحل المونتاج النهائية، وسيتم عرضه على الفضائيات هناك.
وأوضح مصدر خاص ل «الصباح» من وزارة السياحة أن الوزارة يعنيها فقط ظهور مصر بشكل لائق فى الأعمال العالمية، وأنها تعطى الموافقات والتسهيلات على الأراضى المصرية بناء على سلسلة قانونية تبدأ من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية والجهات الأمنية؛ وبحصول الطالب على تلك التصاريح تقوم الوزارة بتسهيل مهمته من أجل التصوير فى مصر؛ أما أفكار الأعمال فالمنوط بها هو جهاز الرقابة فقط وليس الوزارة. عالميا يثير الفيلم الكثير من الجدل بدءا من مخرجه والبطل وحتى النقاد الأجانب، فمن جانبه يشرح المخرج «ريدلى سكوت» أنه قد حاول اكتشاف تعقيدات قصة سيدنا موسى فى ملحمة الخروج من مصر ويقول إنه قد حاول تقديمها برؤية جديدة، فقد أدهشه كل ما مر به موسى عليه السلام بما فيه عداوته لفرعون مصر، مما أدى لحرب ملحمية حين حاول «موسى» الخروج باليهود من مصر. ووفقا للمنشور فى الصحافة العالمية فإن تكلفة الفيلم تقترب من 125 مليون دولار، وشارك المخرج «سكوت» فى تصميم المواقع مع «آرثر ماكس» لتقارب وصف الإنجيل، وتم التصوير فى استديوهات «باين وود» فى لندن وألميريا وأسبانيا وفيورتيفتورا فى جزر الكنارى، حيث تم تصوير شق البحر الأحمر. «ريدلى سكوت» يقدم الآن مغامرة ملحمية تحكى قصة رجل شديد الشجاعة يتغلب على جبروت إمبراطورية، وذلك باستخدام التأثيرات البصرية واستخدام الأبعاد الثلاثة، ولقد حاول سكوت إضافة بعد جديد لحياة موسى بتقديمه كزعيم ثار على الفرعون المصرى رمسيس وجمع 600 ألف من العبيد فى رحلة عسيرة للهروب من مصر عانى فيها من الأوبئة الفتاكة. بعض النقاد علق على طول الفيلم، فهو يمتد لثلاث ساعات وعشرين دقيقة ولكن البعض الآخر أكد أن طول الفيلم لا يهم، المهم أن يكون لديك ما تقوله، ويبدو أن الإنجيل ملهم جدا «لريدلى سكوت» بالإضافة إلى موهبته وإيقاعه السريع وعشقه للمناظر الطبيعية الخلابة، لذا فلن يكون من الصعب الاستمتاع بطول الفيلم. ولكن النجم «كريستيان بال» الحاصل على الأوسكار والذى يقوم بدور سيدنا موسى صدم المؤمنين بالكتب السماوية فى العالم حين صرح فى مؤتمر صحفى عن شخصية موسى التى يلعبها قائلا: «أظن أن الرجل كان على الأغلب مصابا بانفصام فى الشخصية، وهو من أكثر الشخصيات الهمجية التى قرأت عنها فى حياتى» وأكمل أنه قد كون رأيه بعد أن قام بدراسة معمقة للشخصية، فقرأ التوارة والإنجيل والقرآن، وكذلك كتاب «جوناثان كرش» «حياة موسى». الناقد السينمائى «بيتر شاتواى» أعرب عن صدمته لأن «بيل» بدا وكأنه يخمن ما كان يدور برأس موسى، وأزعجه جدا ما صرح به المخرج «سكوت» بأن «لا موسى ولا الله هو من سيفلق البحر ولكنه الزلزال» فهو يفضل تفسير علمى أو ظاهرة طبيعية على تقديم المعجزات، وعلى إثر هذه التصريحات فإن جماعات دينية كثيرة قد شكلت استطلاعا للرأى، والذى أظهر أن 74% من الأمريكان سوف يشاهدون الفيلم إن كان موافقا للإنجيل وأن 68% سوف يقاطعونه لو كان مخالفا. وقال «كريس ستون» مؤسس جمعية «المؤمنين» «إنه لا يوجد فى الإنجيل ما يشير إلى ما قاله «بيل»، وهذه إشارة إلى أنه سيكون هناك انفصال كبير بين تفسير «بيل» وتوقعات السوق- المسيحى-. أما الكاتب المسيحى المرموق «بريان جوداوا» فلقد علق قائلا: «قد يكون من الدقة تصوير موسى كبطل ناقص فكذلك كان كل أبطال الإنجيل ما عدا المسيح، أما أن يقال عنه أنه من أكثر الشخصيات الهمجية فى التاريخ فإن هذا يبدو لى عزلا لنفسه عن جمهوره الذين يود التقرب إليهم، فهو يبدو مهتما بتقبل نظرائه من هوليود، ويحتقر العامة، لأنه حتما لا يود أن ينتسب للمتدينين أو لأقصى اليمين! إننى أظن أن فيلم «سكوت» هو عبارة عن تشويه للشخصيات اليهودية - المسيحية وقصصها من خلال أجندة علمانية، إن تصريحات «بيل» أتمنى أن تكون مجرد انعكاس لتعصب جاهل أكثر من كونها تعبيرا عن الفيلم». جريدة «سينما بلند» رأت أن فيلما دينيا بدون جدل هو مثل لعبة هوكى بدون عقوبة، وهذا جائز من الناحية الفنية ولكنه نادرا ما يحدث، فلقد ثارت فى بداية هذا العام ضجة كبيرة حول فيلم «نوح» بسبب كيفية تناول العهد القديم للشخصية، والآن نعيش نفس الصخب حول فيلم «هجرة الآلهة والملوك» لأن «بيل» يقول إن موسى كانت لديه مشكلات عقلية! وهناك مناقشات كثيرة بين المسيحيين حول كيفية تناول أحداث العهد القديم، ولكن على الرغم من ذلك فلقد أساء «بيل» بتعليقاته عن موسى وهجومه على شخصية النبى وحالته العقلية. ووفقا للمجلة فإن صناعة فيلم دينى هو أمر عسير دائما. فمعظم قصص الإنجيل لم تعرض بالتفصيل الكافى حتى تتم ترجمتها حرفيا، وعليه فالحوار لابد وأن يبتكر، ولابد من إضافة بعض الأحداث، ولأهمية هذه النصوص المقدسة وقيمتها فإن أعدادا كبيرة من الناس لديها تفسيراتها الخاصة ورؤيتها للقصص، وهذا يجعل تغيير أو تعديل هذه القصص عملية شديدة الصعوبة، ومعرضة لأطنان من التفسيرات والأسوأ الاتهام بالتجديف. ولم يقف غضب الجماهير عند الجماعات المتدينة فقط بل لحق بهم جماعات الملونين، والتى اعتبرت الفيلم عنصريا؛ لأنه استعان بكل الأبطال من البيض (النبى والملوك والملكات) بينما كان العبيد والخدم وعامة الناس من الملونين، وذلك على الرغم من أن أحداث الفيلم تجرى فى مصر الواقعة فى إفريقيا وقبل دخول الرومان على حد قول جماعات الملونين الذين شنوا حملة مقاطعة للفيلم على تويتر، ولكن المخرج «سكوت» رد على ذلك قائلا: إن مصر كان يسكنها آنذاك خليط من السكان لأنها كانت فى مركز العالم المتنامى بين إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. ولقد جعلتُ الممثلين الرئيسيين من أعراق مختلفة لكى أعكس هذا التنوع الثقافى فكان منهم الإيرانيون والأسبان والعرب.