*شبكة اتصالات سرية يصعب اختراقها يستخدمها الجهاديون والمجرمون فى تنسيق أعمالهم الشيطانية بعيدًا عن رقابة أجهزة الأمن الإنترنت عالم افتراضى وهمى لا حدود له، وهو مثلما يمتلئ بالعديد والعديد من الفوائد والإيجابيات لا يخلو أيضًا من السلبيات والجوانب المظلمة.. وأحد أكثر عوالم الإنترنت غموضًا يتمثل فى شبكة سرية موازية تعرف باسم DarkNet، يتردد عليها دائمًا الإرهابيون والمجرمون والباحثون عن كسر القوانين؛ لأنهم يعلمون جيدًا أن قوات الأمن لا يمكن لها أن تصل لمثل تلك الشبكات بسهولة، خاصة وأنها مزودة بالكثير من أنظمة التأمين والحماية غير المألوفة التى تمنع اختراقها. وبعد أن علمت «الصباح» من مصادرها أن الإرهابيين يتواصلون سويا، وينسقون عملياتهم الخسيسة عبر هذه «الشبكة المظلمة» قررنا أن نكشف للقارئ كل التفاصيل الممكنة عنها. البداية كانت مع «محمد عطية» متخصص فى شبكات الحاسوب، والذى بدأ حديثه للصباح بأن من يتعامل مع هذه الشبكة السرية ينبغى أن يكون على دراية وخبرة عالية بتقنيات شبكات المعلومات وحيلها، حيث أوضح أن المستخدم العادى لا يملك المهارات الكافية للدخول على هذه الشبكة المظلمة والتجول بداخلها، لكن من يتعلم هذه المهارات يستطيع الوصول لكل المعلومات والبيانات السرية دون أدنى مجهود، موضحًا أن تكوينها أشبه بالشوارع الجانبية التى تمكن الإنسان من الوصول لمنطقة معينة بسرعة ودون أن يراقبه أحد. عطية قال إن الصفحات المنشأة على هذه الشبكة المظلمة غير مدرجة أو مفهرسة على موقع جوجل من الأساس، لهذا لا يمكن الوصول إليها بمجرد البحث، والهدف من ذلك هو الحفاظ على سرية البيانات، فمصممو شبكة الإنترنت الخفية هذه منذ التسعينيات كان هدفهم أن يكون مستخدموها من التواصل بسرية، بعيدًا عن أى شكل من الرقابة. شبكة غير مركزية أكبر الفروق الجوهرية بين شبكة الإنترنت العادية والشبكة الخفية «دراك نت» هى كما ذكر عطية تكمن فى «اللامركزية»، حيث أوضح أن فى شبكة الإنترنت العادية تكون كل البيانات مركزية، بمعنى أنه حين يستخدم شخص ما فيسبوك مثلاً فإنه يترك فى سيرفر موقع فيسبوك صورًا ونصوصًا له تبقى فى مخزن معلومات فيسبوك، وبالتالى يمكن لأجهزة الأمن استعادتها أو تحليلها، وإذا أراد أحد آخر الاطلاع على هذه المعلومات فعليه أيضًا التسجيل فى فيسبوك، وفى هذه الحالة يكون سيرفر الإنترنت الخاص ب«فيسبوك» هو مخزن نصوص وصور ذلك الشخص، لهذا فتستطيع أجهزة الأمن كشف معلومات الأشخاص المسجَّلين فى مخازن معلومات هذه المُخدمات، وهذا بالضبط ما تقوم به أحيانًا المخابرات الأمريكية من أجل الكشف عن بعض المعلومات بوسائل عالية التقنية. على الجانب الآخر شبكة الإنترنت المظلمة تعمل عبر شبكة لامركزية هدفها الحفاظ على سرية المعلومات، فكل كمبيوتر شخصى هو مخزن بيانات فى حد ذاته، ويتم تناقل المعلومات فى شبكة الإنترنت الخفية بشكل مباشر بين الأجهزة وبالتالى سرى، يشبه جدا التواصل الشبكى الذى يتم من كمبيوتر إلى آخر فى مواقع «التورنت» المتخصصة فى قرصنة الأفلام، والتى لا تستطيع الجهات المختصة وقفها. جدير بالذكر أن آلية العمل خلال شبكة الإنترنت السرية تكون من خلال إرسال حزم المعلومات عبر ثلاثة حواسيب عشوائية مختلفة بحيث يتم تغيير عنوان المرسل والمستقبل والحفاظ على سرية البيانات الوصفية أيضًا، ولهذا تصبح شبكة الإنترنت الخفية أكثر بُطئًا من شبكة الإنترنت الاعتيادية. واختتم عطية حديثه التقنى بأن شبكة الإنترنت السرية محصنة ضد الفيروسات، لأنها أبعد من متناول الملفات المصابة بالفيروسات، ولهذا فإن هذه الشبكة الخفية من البيئات المفضلة لدى خصوم الحكومات، بحكم أنهم يتواصلون بها دون رقابة، وبهذا لا يتمكن رجال الشرطة من تتبع تجار المخدرات مثلا الذين يتواصلون مع زبائنهم بواسطتها، والحل الوحيد هو أن يقوم رجال الشرطة بتقمص شخصيات الزبائن ويتراسلون مع تجار المخدرات محاولين الحصول على أى خيط أو أية معلومات عنهم تمكنهم من القبض عليهم، أما بدون ذلك فمن المستحيل كشفهم من خلال اختراق تلك الشبكة. الجهاديون ودارك نت من جانبه أكد منصور القواسمى، الجهادى السابق، فى تصريحات خاصة ل «الصباح» أن الجهاديين لا يستعملون فى مراسلاتهم إلا شبكة دارك نت كقناة اتصال خفية، وإنهم يستخدمون المنتديات الجهادية المعروفة فى نشر البيانات الإعلامية، وميزتها بالنسبة لهم هى صعوبة تتبعها أمنيا. القواسمى قال: إن أوائل من استخدموا هذا التكنيك التقنى الحذر هم أعضاء تنظيم القاعدة باليمن، مستطردًا: «الشبكة العنكبوتية المظلمة.. هكذا كانوا يسمونها بعد أن اكتشفوا نجاح هذه الوسيلة، وقد حدث هذا فى عام 2006، لأن تنظيم القاعدة يضم بين صفوفه مئات المهندسين فى مجال الاتصالات، وكان من بينهم مهندس سويدى الجنسية عمل بالسابق كمهندس اتصالات ومبرمج، وكان وظيفته تصميم مواقع القاعدة وتوفير قنوات اتصال آمنة، وساهم هذا المهندس السويدى ومعه مجموعة من الخبراء فى تصميم شبكة اتصالات جديدة تستخدم فى تبادل البيانات المشفرة بين أعضاء التنظيم حول العالم. وبعد ذلك استفادت أطراف جهادية كثيرة من هذه الفكرة، مثل تنظيم أنصار بيت المقدس وغيره، خاصة وأن المخابرات الأمريكية لم تكن تترك المنتديات والمواقع الطبيعية الأخرى إلا وتخترقها». واختتم القواسمى بأن محاولة «البحث» عن هذه الشبكة ستقود دائمًا إلى نتائج مغلوطة، فنتيجة البحث على جوجل مثلا ستنتهى بك إلى أماكن أخرى غير المقصودة مثل بعض الموقع الإخبارية العادية، وبالتالى فإن عمليات البحث لن يكون لها جدوى فى اختراق الشبكة المظلمة. أيضًا اتفق وليد البرش، منسق تمرد الجماعة الإسلامية، على حقيقة أن جماعة الإخوان تستخدم هذه الشبكات المظلمة داخل مصر وخارجها، وتابع خلال تصريحات ل«الصباح» أن بعض المظاهرات والمسيرات التى نظمتها جماعة الإخوان كان يتم التنسيق لها من خلال صفحات سرية مؤمنة على الشبكة المظلمة، وهو يعتبر هذا أمرًا طبيعيًا للحيلولة دون القبض عليهم، خاصة وأن أجهزة المخابرات ترصدهم، واعتصام رابعة العدوية أفرز العديد من المختصين الذين يجيدون الإبحار عبر تلك الشبكات والمواقع السرية، خاصة وأن الجماعات الإسلامية تملك رأس المال الذى تستطيع عن طريقه شراء الخبرات التقنية التى تحتاجها. بعد ذلك تواصلنا مع اللواء محمود زاهر لنتعرف على وجهة النظر الأمنية فى هذه القضية، فقال لنا: إن وزارة الداخلية على علم تام بأن الجماعات الإرهابية تتعامل من خلال التكنولوجيا الحديثة، لكنها لا تبتكرها، لهذا فعملية التعقب ستكون صعبة ولكنها ليست مستحيلة، منوهًا إلى أن أجهزة المخابرات تطور من أدائها التقنى للتوصل إليهم.
أما اللواء طلعت مسلم فقال ل«الصباح» إن التنظيمات الإرهابية غالبًا ما تنجح فى استقطاب أصحاب الخبرات فى المجالات المختلفة بواسطة سلاح المال أو غسل الدماغ، وفى مجال الاتصالات بالذات هناك عشرات المتعاونين معهم من بقايا تنظيم القاعدة على سبيل المثال، وكان لهم دور فى العمليات التى قام بها التنظيم فى اختراق المواقع الحكومية وما إلى ذلك، وبالتالى لجوئهم إلى دارك نت أمر طبيعى لتوفير مزيد من عوامل الأمان لرسائلهم وحتى يصعب الوصول إليهم.