فى أواخر عام 2001، خرج 24 شابًا من قرية «زنارة» بالمنوفية فى طريقهم إلى ليبيا، قاصدين إيطاليا، فى عملية هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط، ومنذ هذا التاريخ لا أحد فى القرية يعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة. والمنوفية من أكثر المحافظات الطاردة للسكان بسبب عدم توافر فرص عمل بها، لذا يُقدم الآلاف من الشباب «المنوفى» على الهجرة بشكل غير شرعى إلى أوروبا بحثًا عن الرزق، وقد اشتهرت العديد من قرى المحافظة بذلك ومنها «البتانون وميت خاقان ومنشأة نجاتى وكفر منشأة» بمركز شبين الكوم ، و«كفر الشيخ ربيع» فى تلا و«عزبة قاسم» بالشهداء و«زاوية جروان» فى الباجور وغيرهما. غير أن قرية « زنارة» البالغ عدد سكانها نحو 30 ألفًا ، لها صيت ذائع فى الهجرة غير الشرعية، حتى أطلق بعضهم اسم القرية على أحد شوارع مدينة ميلانو الإيطالية، نظرًا لكثرة أبناء القرية القاطنين فى هذا الشارع والذين يتخطى عددهم 5 آلاف شاب. وذاع صيت القرية بعد واقعة فقدان 24 شابًا من أبنائها فى عام 2001، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 25 سنة، دون معرفة مصيرهم حتى الآن ، كانوا قى طريقهم إلى إيطاليا عبر لبيبا، ولكن الأهالى يرجحون أنهم لقوا حتفهم فى عرض البحر أو هم - على أحسن تقدير- معتقلون منذ هذا التاريخ فى أحد السجون الليبية. وقال أهالى الشبان المفقودين ل«الصباح» أن أبناءهم سافروا إلى ليبيا يوم 16 أكتوبر 2001 ، بطريقة مشروعة، وبالاتفاق مع شخص يدعى ياسر عبدالرحمن إسماعيل الذى أقنعهم بالسفر إلى إيطاليا عن طريق تأشيرات رسمية صادرة من السفاره الإيطالية فى طرابلس مقابل 15 ألف جنيه لكل واحد منهم مشيرين إلى أنه بمجرد سفر الشبان ال24 من مصر لم يعلموا ذويهم عنهم شيئًا ، فقاموا بمخاطبة وزارتى الخارجية والداخلية والسفارة الليبية فى القاهرة، وسافر بعضهم إلى ليبيا لمعرفة أى معلومات من شأنها التوصل إلى الغائبين، وقابلوا النائب العام الليبى وقتها فوعدهم بالبحث عنهم، ولكن الوعد «تبخر» بمجرد خروجهم من مكتبه، حسب قولهم. وأضاف: الأهالى أنهم توصلوا إلى معلومات لم تؤكدها الحكومة مفادها أن قوات غفر السواحل الليبية ألقت القبض على أبنائهم ووضعتهم فى أحد السجون هناك، وأنهم مازالوا محتجزين فى السجن الليبى حتى هذه اللحظة، مؤكدين أن «جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء» أبلغتهم أن أحد المصريين المقيمين فى طرابلس قام بتسليم جوازات سفر الشبان إلى السفارة المصرية هناك، دون أن يتم التحقيق معه أو معرفة كيفية وصول الجوازات إليه! من جانبها، قالت أمل عبدالسلام نصار شقيقة الشاب المتغيب «معتز» ، أن والدتها تتحسر كل يوم على غيابه، وهى تضع صورة كبيرة له على حائط المنزل، وتتحدث إليها بالدموع سائلة إياها « امتى هترجع يا بنى؟» . فيما تسرب اليأس إلى بعض الأهالى لِما لمسوه من عدم وجود جدوى حقيقية لتحركاتهم وسعيهم للوصول إلى ذويهم المفقودين ، وقال حسنى غانم البدوى، أحد الأهالى: «لقد سئمنا البحث، وإهمال الأجهزة الحكومية للقضية أصابنا بالإحباط ونحن نتمنى على الرئيس عبدالفتاح السيسى والمهندس إبراهيم محلب تبنى القضية، وتوجيه مسئولى وزارة «الخارجية» من أجل بذل الجهد المطلوب والعثور على أبنائنا المفقودين. من جهته، قال والد المفقود أسامة محمد السعدنى ، أن حزن أمه وحالتها النفسية السيئة أجبرته على السفر إلى ليبيا 3 مرات على نفقته الخاصة للبحث عن ابنهما وعن باقى الشباب، موضحًا أن كل تحرياته واتصالاته بالليبيين القائمين على عمليات الهجرة غير الشرعية الى إيطاليا، تؤكد أن المفقودين تم القبض عليهم وترحيلهم إلى سجن «أبو سليم» فى ضواحى العاصمة طرابلس، ولكن السلطات الليبية أنكرت ذلك . وأكد وليد محمد السعدنى شقيق المفقود «أسامة» أن «القضية مثارة منذ 13 عامًا ولم يتحرك مسئول يتقى الله فى أبناء وطنه ليعود بهؤلاء المفقودين إلى أرض الوطن ، وقد تعبنا من ملاحقة المسئولين فى كل مكان لمساعدتنا فى البحث عنهم دون جدوى». وتعليقا على ذلك، قال الدكتور جمال حماد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب فى جامعة المنوفية، إن «الظروف الاقتصادية لم تترك للشباب المصرى مفرًا غير السفر وتحمّل مشاق وعواقب المغامرة غير المحسوبة»، مطالبًا الدولة ب«حلحلة الوضع ومحاولة إيجاد فرص عمل مناسبة للشباب بدلًا من الهجرة غير الشرعية والموت فى عرض البحر، والبدء فى تدشين مراكز لتأهيل الشباب بالجامعات من أجل التعامل مع الظروف الراهنة، فضلًا عن إعادة تأهيل الشباب من ذوى التعليم المتوسط» .