قديمًا ارتبط الاسم بمجموعة من النشطاء السيناويين الذين عاهدوا القوات المسلحة على التخلص من العناصر الإرهابية التى تختبئ بينهم يبدو أن مصر لن تنتهى بسهولة من نشاط الجماعات الإرهابية؛ رغم الجهود المضنية التى تبذلها القوات المسلحة فى شمال وجنوب سيناء، وكذلك الجهود المبذولة من قبل قوات الشرطة فى كل المحافظات، فمازالت الساحة تنبض بالجماعات الإرهابية والتكفيرية، آخرها كانت جماعة «أحرار سيناء» التى ظهرت مؤخرًا وأعلنت استهدافها لرجال القوات المسلحة. ومن المفهوم أن نبتة الإرهاب الشيطانية عصية على الاقتلاع الكامل، فالولايات المتحدة بكل قوتها مازالت تحارب الإرهاب بعد أكثر من 14 عامًا من أحداث سبتمبر، ولم تحسم معركتها معه بعد، وهو ما أكده لنا الخبير الاستراتيجى اللواء حسام سويلم، الذى قال: إن المعركة ضد الإرهاب ستستغرق وقتًا طويلا، موضحًا: «لو افترضنا أن هناك ثلاثة أو أربعة تنظيمات مسلحة ظاهرة على الساحة الآن، فهناك جماعات أخرى طور التكوين تختبئ تحت الأرض، وتجمع عناصرها وتدربهم فى انتظار اللحظة المناسبة لتخرج وتنفذ عملياتها، ليتبعها بيان إعلامى يعلن عن وجودها، وهو ما شاهدناه جميعًا الأيام الماضية بعد أن أعلنت جماعة «أحرار سيناء» الجديدة عن نيتها استهداف رجال القوات المسلحة وكذلك المتعاونين معهم من شيوخ القبائل، واصفة إياهم بالعملاء والخونة». سويلم قال: إن هذا الإعلان أثار للوهلة الأولى حالة من الحيرة، نظرًا لأن مسمى «أحرار سيناء» ليس جديدًا على أذهان المهتمين بسيناء، فقديمًا ارتبط الاسم بمجموعة من شيوخ القبائل والنشطاء السيناويين الذين عاهدوا القوات المسلحة على التخلص من العناصر الإرهابية التى تختبئ بينهم، وكان هذا وقت حكم الإخوان، وترأس هذه الحركة وقتها محمد هندى، الذى كان على رأس وفد مصرى قام بزيارة غزة إبان القصف الإسرائيلى لها فى عام 2012. بعد هذا اختفت الحركة بعد زوال حكم الجماعة، ولم يظهر هذا الاسم على السطح مرة أخرى إلى أن ظهر منشور خلال الأيام القليلة الماضية، مفاده أن تنظيم «أحرار سيناء» المسلح الجديد يتوعد كل من يتعاون مع الجيش ويقدم له معلومات للقبض على العناصر الإرهابية، وتم توزيع هذا المنشور فى الأسواق والميادين، وما هى إلا ساعات إلا وخرج تنظيم «أنصار بيت المقدس» ببيان مضاد ينفى فيه علاقته بجماعة «أحرار سيناء» التى توعدت الجيش والأهالى بالعقاب. بدأت الصباح رحلة البحث عن هذا التنظيم المسلح الجديد لمعرفة حقيقته، ومن هو زعيمه، وهل له علاقة بالفعل بالحركة القديمة التى تبنت فى زمن الإخوان التنسيق مع الجيش؟ وهل لتنظيم الإخوان علاقة بهذا البيان الأخير لحركة أحرار سيناء، أم أن التنظيم الجديد جاء ليرث «أنصار بيت المقدس» ويستولى على ما حققه على مدار الثلاث سنوات الماضية.
الحركة القديمة جاء ظهور حركة أحرار سيناء الأولى وقت حكم الإخوان لمصر، وضمت مجموعة من شباب القبائل السيناوية على اختلاف توجهاتهم السياسية، والهدف من ظهورها وقتها كان لعب دور سياسى لملء الفراغ، واحتواء شباب سيناء وإبعادهم عن التنظيمات الإرهابية المسلحة التى تحاول اجتذابهم إليها، وكان اسمها المبدئى فى ذلك الوقت «حركة ال70 للإصلاح والتغيير» إلا أن الحاضرين فى المؤتمر التأسيسى الأول للحركة لم يوافقوا على استمرار هذا الاسم ليصبح الاسم الجديد للحركة «أحرار سيناء». فى المؤتمر التأسيسى تم انتخاب محمد عمر هندى منسقًا عامًا للحركة، خاصة وهو قد سبق له تأسيس حركة ثوار سيناء، ومحمود الحجاوى منسق شئون الأفراد، ووسام البيومى منسق إعلامى، وأكرم عرفات المنسق الجماهيرى، وتم بالفعل تشكيل لجان السياسات والمرأة ومكافحة الفساد والعلاقات العامة. وبعد انهيار حكم الإخوان فوضت الحركة القوات المسلحة للتخلص من البؤر الإجرامية ومكافحة العناصر الإرهابية أينما وجدت، وما أن وصل الفريق عبدالفتاح السيسى إلى الحكم بعد الانتخابات الرئاسية حتى تفككت الحركة، وفقًا للتصريحات الخاصة التى حصلت عليها الصباح من منسقها العام السابق الناشط السيناوى محمد هندى، والذى أكد أن أحرار سيناء التى أسسها ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالتنظيم الإرهابى المسلح الذى ظهر قبل أيام ووزع بيانه الأول فى قرية الماسورة. وتابع هندى فى تصريحاته ل «الصباح»: «فككنا حركة أحرار سيناء بعد أن أدت دورها فى دعم الفريق السيسى فى الوصول إلى الحكم، ثم أسسنا «جبهة شباب سيناء» لتنمية محور قناة السويس، وقمنا بعمل زيارة ضمت 400 فرد من شباب الجبهة إلى موقع العمل بالقناة، وتبرع كل منا براتب شهر لتنمية محور قناة السويس». هندى اعتبر أن البيان الذى ظهر قبل أيام مرتبط كليًا بالعمليات الإرهابية التى سبقته من قتل وتصفية لأكثر من 55 شهيدًا من شيوخ لقبائل وبعض الأفراد المتعاونين مع القوات المسلحة، موضحًا: «التعاون مع الجيش المصرى شرف لأى مواطن سيناوى، وخير من تعاون الخونة مع حماس، وأرجح أن التنظيم المسلح الذى أطلق على نفسه «أحرار سيناء» نشأ لهدف وحيد وهو القيام بعمليات انتقامية ضد كل من يتعاون مع الجيش لدحر الإرهاب، ردًا على هدم الأنفاق، علاوة على سعيهم خلال الأيام القادمة إلى نشر العمليات التخريبية على كل المستويات سعيًا منهم إلى خلق ثغرات أمنية لعودة الأنفاق مرة أخرى». واختتم هندى تصريحاته ل «الصباح» بأنه يعتبر مؤسسى أحرار سيناء ما هم إلا فصيل من تنظيم أنصار بيت المقدس، يسعون إلى تصفية مزيد من شيوخ القبائل لتعاونهم مع الأمن والجيش.
تنظيم أحرار سيناء المسلح تصريحات محمد هندى عن وجود علاقة محتملة بين التنظيم المسلح الوليد وتنظيم أنصار بيت المقدس، قادنا إلى حلقة جديدة من مسلسل البحث عن ماهية هذا التنظيم الإرهابى الجديد، فنقلنا هذا التصور للخبير الأمنى محمد نور الدين، الذى شدد على مدى ارتباط التنظيمات الجديدة كأحرار سيناء وغيره بالتنظيمات الموجودة بالفعل كأنصار بيت المقدس، وقال: إن الدعم اللوجيستى من تدريب أفراد وسلاح وما إلى ذلك ينتقل من التنظيمات القديمة إلى الجديدة، علاوة على أن مؤسسى هذه الجماعات الجديدة هم بالأساس أعضاء منشقون عن جماعات مسلحة أخرى، لكن سعيهم للحصول على الزعامة والقيادة هو ما يدفعهم لتكوين جماعات مسلحة جديدة. وفى ذات السياق حصلت «الصباح» على معلومات داخلية عن حقيقة تنظيم أحرار سيناء من مصدر جهادى منشق- رفض ذكر اسمه- أكد لنا أن أحرار سيناء هم خليط من أعضاء منشقين عن أنصار بيت المقدس، ومجموعة من عمال اليومية ممن سبق لهم العمل بالأنفاق التى تربط سيناء بقطاع غزة، وجمعهم زعيم المهربين بمنطقة رفح «محمود المنيعى» الذى سبق له الاشتراك مع «شادى المنيعى» فى تأسيس تنظيم «أنصار بيت المقدس» إلا أن الخلاف على الزعامة وحب الأول لجنى الأموال لحسابه دفعه إلى الابتعاد مؤقتًا عن التنظيمات المسلحة. المصدر قال: إن محمود المنيعى لجأ إلى العمل كمقاول عمال، ومع الوقت كون ثروة استخدمها فى شراء السلع والبضائع من الأسواق المصرية وبيعها داخل قطاع غزة بالتنسيق مع «حاتم عويضة» مسئول الأنفاق بحكومة حماس المقالة، وشخص آخر يدعى أبوصهيب وهو المسئول عن التنسيق بين الجانبين المصرى والفلسطينى فى المسائل الخاصة بالأنفاق وإدارتها، وخلال العام الذى حكم فيه الإخوان تمكن محمود المنيعى من تكوين شركة مقاولات استولت على حصص كبيرة من إنتاج السوق المحلى للأسمنت والحديد والبنزين لتهريبها إلى غزة، بعدها اشترى مساحات كبيرة من الأراضى لاستخدامها كمخازن لتلك المواد، وظل على علاقة قوية بمكتب الإرشاد، وربما وصل الأمر إلى الشراكة عبر القيادات الإخوانية بشمال وجنوب سيناء.
واستطرد المصدر: «مع زوال حكم الإخوان والبدء فى هدم الأنفاق وجد محمود المنيعى أن تجارته المربحة تم حصارها، وشيئًا فشيئًا بدأت مكاسبه فى الانحسار، وعمال اليومية الذين عملوا فى السابق معه بأجر يومى وصل إلى 200 جنيه انقطع مصدر دخلهم الوحيد، ومع محاولاته لإحياء الأنفاق فى كل مرة كان بعض العناصر المتعاونة مع الأمن تُرشد على مكان الأنفاق فيتم هدمها. لذا لم يجد المنيعى طريقة إلا بتحويل العمال من مجرد أنفار للحفر إلى مجموعات مسلحة تحمل السلاح، وتهدد وتروع الآمنين، وتقاتل عناصر الجيش والشرطة محاولين خلق فجوة أو ثغرة أمنية ليتم من خلالها إعادة إحياء ظاهرة الأنفاق مرة أخرى».
الهيكل التنظيمى
تواصلنا بعد ذلك مع الجهادى المنشق منصور القواسمى، الذى أكد ل «الصباح» أن أى تنظيم إرهابى مسلح لا يخرج بين ليلة ونهار، فمثل هذه التنظيمات تعتكف لفترات طويلة تخطط وتجمع العناصر المدربة والمؤهلة للقيام بعمليات نوعية، وتدربهم وتوزع عليهم المهام، ويشكل فى البداية مجلس شورى ومركزًا إعلاميًا يتولى إصدار البيانات الإعلامية التى ستخرج للعلن، وتصوير العمليات التى يقومون بها كشكل من أشكال الدعاية، واللحظة التى يعلنون عن أنفسهم تكون ساعة الصفر التى يأتى بعدها سيل من العمليات الإرهابية، فأحرار سيناء باعتبارهم ظهروا على السطح بعد هدم الأنفاق من قبل القوات المسلحة فهذا يعنى أن هذا التنظيم بدأ يجمع أعضاءه ويدربهم قبل ستة أشهر على الأقل، وبما أن غالبيتهم عمال باليومية فى حفر الأنفاق فهذا مؤشر قوى على أنهم من سكان مدينة رفح المصرية». وتابع القواسمى: «نما إلى علمى أن هناك مخططًا تسعى أحرار سيناء من خلاله إلى تفكيك القبضة الأمنية عن المدينة، مستخدمين كل الوسائل والسبل المتاحة من أجل ذلك، وربما يكون زعيم التنظيم الجديد من الظروف الصعبة التى يعيشها شباب رفح فى تجنيد أكبر عدد منهم». أما عن الهيكل التنظيمى لحركة أحرار سيناء، فقال القواسمى: «إذا صحت المعلومات وكان عدد العاملين مع محمود المنيعى فى تهريب السلاح والبضائع من سيناء إلى قطاع غزة وصل إلى 100 فرد، فنحن أمام عشرة كتائب تضم عشرة مقاتلين، لكل كتيبة يترأسهم أمير ومجلس شورى المجاهدين الذى يتزعمه مؤسس التنظيم، وفى الغالب هو من ينفق على أنشطة التنظيم الإرهابية من شراء سلاح ومنازل آمنة لهم».
أما من الناحية الأمنية فأوضح اللواء عبدالحميد خيرت- مدير قطاع أمن الدولة السابق والخبير الأمنى- أن الأجهزة الأمنية لا تهتم بالمسميات بقدر ما يستوقفها نوعية العمليات التى يقوم بها التنظيم، متابعًا: «أحرار سيناء هم فصيل خرج من رحم أنصار بيت المقدس بعد الضربات الأمنية الموجعة التى تعرض لها التنظيم الأم من قبل القوات المسلحة والشرطة فى شمال وجنوب سيناء، وعمليات استهداف المتعاونين مع الأمن أمر وارد جدًا، فهم رأس حربة موجهة إلى قلوب التنظيمات المتطرفة، وعلى الرغم من تعدد وتنوع المجموعات المسلحة تبقى حقيقة واحدة، وهى أن القضاء على الجماعات المسلحة سيستغرق وقتًا طويلاً». وردًا على تساؤل حول علاقة مهربى البضائع بأحرار سيناء، أجاب خيرت: «المهربون يحاولون حماية تجارتهم بكل الطرق، لهذا يشكلون مجموعات مسلحة ظنًا منهم بأنها السبيل الوحيد لتهديد الدولة حتى تتركهم يمارسون عملهم غير الشرعى، وهو اعتقاد خاطئ، فالدولة تقاوم كل أشكال الإرهاب والتهريب نوع من أنواعه».
كما صرح على بكر- الخبير بالحركات الجهادية والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- بأن مصر مليئة بالتنظيمات التى تظهر وتختفى فجأة دون سابق إنذار لضعف إمكاناتها، وقلة مواردها المالية والبشرية، معتبرًا أن «أحرار سيناء» سيظل تنظيمًا عشوائيًا مهما بلغ من عتاد، وبيانه الأول يشير إلى أنه فصيل منشق عن تنظيم أنصار بيت المقدس، وإنكار بيت المقدس علاقته بالبيان الذى شدد على استهداف شيوخ القبائل السيناوية أكبر كذبة، لأن تصفية هؤلاء الشيوخ هدفهم منذ قديم حتى لا يبلغوا الأمن عنهم».