يدخل المسيحيون خلال هذا الأسبوع فى مناسبة الصوم الخماسينى الذى يأتى بعده عيد القيامة المجيد، وهو العيد الكبير بالنسبة لكل الطوائف المسيحية حول العالم، ويحج المسيحيون من كل البلدان إلى القدس فى الأسبوع الأخير من هذا الصوم للتبرك بالأماكن التى عاش فيها السيد المسيح أيامه الأخيرة، ومكان الصلب والقبر المقدس، وتنتهى الرحلة الروحية باستقبال القيامة يوم سبت الفرح. أقباط مصر تخلوا عن هذه المناسك لعقود طويلة نتيجة قرار حكيم من الراحل البابا شنودة الثالث، الذى قال: «لن يدخل أقباط مصر مدينة القدس إلا بصحبة إخوانهم المسلمين»، لكن مؤخرا تعالت بعض الهمسات القبطية التى تقول إن الأقباط ليس لهم ذنب فى الصراعات السياسية بين الدول، وأن الحج للقدس مجرد زيارة دينية لا تحمل أى دلالات سياسية، فلماذا يحرمون منها ؟، تلا ذلك ظاهرة بدأت فى الانتشار هى سفر بعض الأقباط المصريين بشكل منفرد إلى القدس بعد وفاة البابا شنودة، ومع الوقت نفسه تضاعفت هذه الأعداد، حتى تخطى عدد من زار القدس فى العام الماضى من الأقباط المصريين العشرة آلاف. اللهفة إلى هذه الرحلة لها مبررها لدى الأقباط، فهى يتخللها مشاعر إيمانية قوية نتيجة التبرك بزيارة الأماكن التى عاش فيها السيد المسيح، وذكرت فى الأناجيل، وهى بهذا لا تختلف كثيرا عن الحج الإسلامى، والرحلة تبدأ صباح يوم الأحد المسمى ب «أحد الشعانين» عن طريق الطيران حيث يصل الزائر الى مطار «بنجوريون» بتل أبيب، ثم ينتقلون الى القدسالشرقية برًّا، ويبقى الزائر فى القدس لمدة أسبوع هى وقت رحلة الحج، وأهم أيامها هو يوم الجمعة العظيمة، ثم سبت النور الذى ظهر فيه النور المقدس، وتنتهى الرحلة يوم عيد القيامة، بعدها يعود الحجيج الأقباط إلى مطار القاهرة. العائدون من مثل هذه الرحلة تتملكهم مشاعر متضاربة، فهم يشعرون بالسكينة الروحية نتيجة تلبية طقس دينى عزيز طال الشوق له، وفى نفس الوقت يملؤهم إحساس بمعصية قادتهم الروحيين وكنيستهم وقاموا بشىء مرفوض من عموم الأقباط، لدرجة أنهم بعدها يدخلون فى رحلة أخرى تختلف عن الأولى تتعلق بالحصول على السماح من قادة الكنيسة على ما قاموا به من تعدٍّ لتعليمات الكنيسة. الكنيسة القبطية تنبهت لهذا الأمر مبكرا، وبمجرد وفاة البابا شنودة الثالث سارعت على التأكيد على استمرار القرار بمنع الأقباط من زيارة القدس، حيث أكد الأنبا باخوميوس قائمقام البطريرك أن الكنيسة مستمرة فى قرارها بمنع المسيحيين من زيارة القدس حتى قبل انتخاب البابا الجديد، وبدوره أكد البابا تواضروس منذ توليه سدة الكرسى المرقسى أنه متمسك بقرار سلفه المتنيح البابا شنودة الثالث بمنع الأقباط من زيارة القدس، ومن يقوم بعمل ذلك سيقع تحت «الحرمان الكنسى» موضحا: «نحن لن نشجع قبطيا واحدا على هذه الزيارة، لأننا لا يمكن أن نقبل أن يكون الأقباط خونة لإخوانهم المسلمين». وأضاف أنه حتى لو كان هناك اتفاقية سلام بين الحكومتين مصر وإسرائيل، لكن على المستوى الشعبى هناك رفض كامل للتطبيع مع إسرائيل، لهذا فإن السماح بزيارة الأقباط للقدس سيظل مرفوضا». وفى تصريح مقتضب خلال مقابلة «الصباح» مع الأنبا روفائيل سكرتير المجمع المقدس حول هذا الموضوع قال: « من يريد أن يذهب فليذهب لن نقدر على منعه، لكن الكنيسة لن تصرح بفتح الزيارة». وعلى صعيد متصل أكد لنا مدير إحدى شركات السياحة المختصة بالتسفير الى القدس أن هناك 20 شركة سياحية مصرية تسير رحلات حج الأقباط إلى القدس، وأكد أن أسباب التحريم الأرثوذكسى لسفر الأقباط إلى القدس قد انتفت. وأكد فى سياق كلامه أن زيارة الأقباط إلى القدس تحافظ على هويتها الدينية المسيحية بدلا من تحولها إلى مدينة يهودية بالكامل. من جانبه قال نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، إنه يعتبر زيارة القدس طقسا روحيا لا دخل فيه للسياسة، وأن التبرك بالأماكن المقدسة يكون بعيدا عن السلطات التى تسيطر عليها، مشيرا إلى أنه لابد ألا يؤخذ هذا الفعل من قبل الكنيسة على محمل الخطيئة أو الجريمة. وفى اتصال هاتفى مع أحد سماسرة السفر الى القدس للاستفسار عن كيفية الاشتراك فى الرحلة قال إن الشركة ترحب بجميع الأقباط للسفر لتأدية الحج المقدس بمقابل مادى يقارب تسعة آلاف جنيه، وأضاف أن الشروط الواجب توافرها فى المسافر، هى أن يكون يحمل جواز سفر مصريا ويكون من مواليد عام 1970 أو قبلها، وعن تأشيرة السفر قال السمسار إن التأشيرة يتم الحصول عليها من السلطات الإسرائيلية، أما «الحرمان الكنسى» الذى يقع على المسافر فأوضح السمسار أنه لا يحدث حرمان، وأن المسافرين تتم مناولتهم فى القدس بعد الحصول على الحل من أسقف الكنيسة هناك. أما المهندس فيكتور عدلى، صاحب شركة سياحية للتسفير الى القدس، فاعتبر أن المسافرين إلى القدس من الكاثوليك والبروتستانت فقط، ولا يوجد أرثوذكس من ضمن هؤلاء الحجاج، وفى نفس الوقت أكد أن الأعداد تزايدت بعد نياحة البابا شنودة الثالث، رغم أن التأشيرة يتم الحصول عليها من إسرائيل لمن هم فى سن ال 44 أو أكبر. زيارة القدس هى حلم الكثيرين من الأقباط، يقومون به حتى ولو خالفوا تعاليم الكنيسة، لأنهم يعتقدون أن قرار منع المسافرين هو قرار سياسى. هذا ما عبر عنه أسامة رفعت يس، محامٍ من أسوان، الذى قال إنه زار القدس مرتين وسيزورها من جديد، لأنه لا شأن له بالسياسة، ولن يجعل علاقات دولية لا يد له فيها تمنعه عن زيارة المعالم الدينية المقدسة بالنسبة له. أما ألبرت نشأت، قبطى من القاهرة، فيتعلل بأن من يسافر يتبرك بالأماكن الدينية التى عاش فيها السيد المسيح ولا يقيم علاقات مع السلطات الإسرائيلية، وهو بهذا لا يرتكب خطيئة. نشأت زار القدس وتناول من الأسرار المقدسة ولا يرى سببا يمنعه من تكرار الزيارة مرة أخرى.