تصريحات غريبة صدرت مؤخرًا عن عدد من القيادات الإخوانية المنشقة أدهشت الرأى العام، حيث أكدت أن رجل الأعمال الإخوانى البارز «حسن مالك» قد تاب وأناب، وترك التنظيم نادمًا بعد عشرات السنين قضاها فى أحضان «الجماعة». التصريحات التى اعتبرت أن الرجل استيقظ فجأة ليكتشف أن جماعته تنتهج العنف تجاوزت مرحلة الشائعات المتناثرة، وانتقلت إلى حالة من فرض الأمر الواقع، خاصة مع تصديق بعض المنشقين الآخرين عن الجماعة لها. ولأننا فى «الصباح» لا نكتفى بترديد ما نسمعه بل نبحث عن الحقائق، قررنا تتبع ملف رجل الأعمال الغامض حسن مالك لنعرف تفسير هذه المعلومات المستبعدة، وسر خروجها للعلن فى هذا التوقيت تحديدًا.
مهندس الصفقات المشبوهة فى الجماعة، والشريك الاقتصادى الأكبر لخيرت الشاطر، ووزير مالية الإخوان غير الرسمى، وغيرها كثير من الألقاب التى تطلق على رجل الأعمال الإخوانى حسن مالك، والذى عاد للأضواء فى مصر بعد أن خرج من السجن بعفو فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011.. الجماعة كعادتها تعمدت أن يتحرك رجلها القوى فى الظلام بعيدًا عن أضواء الإعلام، ليظل قادرًا على عقد الصفقات مع رموز نظام مبارك، وكان شعاره مع فلول الحزب الوطنى فى ظل حكم الإخوان هو «التصالح مقابل تقاسم الأرباح».
مالك الأب.. والابن مالك بدأت علاقته بالجماعة عن طريق والده «عزالدين مالك» الذى انتمى للجماعة، ونقل فكرها إلى ولده الشاب، إلا أن حسن لم يدخل الجماعة تنظيميًا إلا بعد أن تقابل مع خيرت الشاطر، وتعاونا سويّا فى مجموعة من المشاريع الاقتصادية الناجحة، حيث استغله الشاطر لينقذ نفسه من الرقابة الأمنية على أعماله. تم تتويج هذا التعاون بتأسيس شركة سلسبيل، أول شراكة حقيقية معلنة بين الثنائى مالك والشاطر، وهى شركة تعمل فى مجال البرمجيات، وكان مقرها يشهد أغلب اجتماعات مصطفى مشهور مرشد الجماعة وقتها، بعد ذلك تم القبض على حسن مالك بسبب قضية سلسبيل عام 1992، وظل معتقلًا لمدة عام حتى أفرج عنه بعد ضغوط تركية من قبل رجال أعمال أتراك. وبدلًا من رد الجميل للرجل الذى ساعده على تغطية نشاطاته، كان الشاطر يتعمد دائمًا إخضاع مالك لقرارات الإرشاد، خاصة بعد أن دب خلاف أسرى بينهما عندما تشاجر معاذ ابن حسن مالك مع سعد ابن خيرت الشاطر. وفى جلسة عتاب داخل المعتقل تحول الأمر إلى تلاسن بالألفاظ بين الاثنين أدى لخصام دام طويلًا، لم يزول إلا بعد خروجهما من السجن سويّا، وبعد القرار المشترك بإنشاء إمبراطورية اقتصادية تكون عونًا للجماعة وقياداتها وأبنائهم، ولكن عزل مرسى حال دون إتمام المشوار. مالك اعتمد فى إمبراطوريته على القوة البشرية من داخل تنظيم الإخوان، حيث وظف الآلاف من شباب الجماعة داخل مصانعه وشركاته إلى أن تم القبض عليه مرة أخرى عام 2006 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، فى قضية شهيرة ضمت وقتها 40 قيادة إخوانية، وكان مالك واحدًا منهم، وخرج منها فى أعقاب ثورة ال25 من يناير. ليس ذلك غريبًا فأغلبه معروف لمن يهتم بمتابعة أخبار الجماعة، لكن تكمن الغرابة فيما أطل علينا فجأة من تصريحات إخوان منشقين، يقولون بملء فيهم، أن حسن مالك لم يعد إخوانيًا، ويقول بعضهم أنه انشق عن التنظيم قبل 30 يونيو، بما يشير - ربما - إلى ترتيبات تجريها الجماعة لتجهيز مالك لدور جديد!
خطة التبرؤ مصادر داخلية منشقة عن الجماعة فسرت لنا أن أسباب هذه التصريحات المغلوطة يتلخص فى خطة «التبرؤ».. وهو أسلوب احتياطى تتبعه الجماعة أحيانًا ويقوم على تبرؤ مجموعة من القيادات الإخوانية من التنظيم ظاهريًا، وذلك حتى يتمكنوا من حماية تجارتهم وأموالهم والحصول على صكوك التبرئة، إلى أن تواتيهم الفرصة للعودة مرة أخرى. هذا هو ملخص ما يقوم به مالك حاليًا، وما تحاول بعض قيادات الجماعة إيهامنا به، وهدفه الرئيسى محاولة إحياء التنظيم الإرهابى وإعادته تدريجيًا إلى الحياة السياسية فى مصر بقيادات جديدة.
المصدر قال لنا إن نجاح الخطة يعتمد على سريتها، بل إن أغلب أعضاء التنظيم لا يعرفون شيئًا عن «التبرؤ»، ويعتقدون أن ما يحدث الآن على الساحة حقيقى، موضحًا: «استطاع مالك أن يوهم قيادات إخوانية بأنه انشق عن التنظيم، بينما استخدم سلاح المال ليجتذب عددًا كبيرًا من شباب الجماعة المنشق، وكون من خلالهم ائتلافات وهمية ستظهر خلال الأيام القادمة، كما تواصل مع مجموعة القيادات الشبابية التى فصلت من الجماعة بعد ثورة 25 يناير وكونوا أحزابًا وائتلافات سياسية ليكونوا واجهة مالك الجديدة». وأضاف المصدر: «مالك هو صاحب خطة الاستقالات الجماعية التى يتم تقديمها الآن من الجماعة وحزب الحرية والعدالة بمحاضر رسمية، ليتجنب أعضاء التنظيم الجديد الاعتقال، ويتم تنفيذ المهمة بسلاسة بعيدًا عن عيون الأجهزة الأمنية، ويعاونه فى إتمام مهمته تصريحات قيادات الإخوان الصحفية التى تؤكد أنه الآن منشق ولا علاقة له بالتنظيم، محاولين لفت الانظار بعيدًا عن مالك ليتحرك بحرية فى الخارج.» المصدر اعتبر أن الخطة الإخوانية «تبرؤ» ناجحة حتى الآن، حيث أغفلت وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية دور مالك فى أحداث الفوضى التى تشهدها البلاد، مركزين فقط على ضوئهم الإعلامى على محمود عزت وعاصم عبدالماجد، وهذا أيضا جزء من الخطة كى يستطيع مالك التحرك بدون قيود، كما أن جمعية «ابدأ» التى أسسها مالك بتوصية من خيرت الشاطر قبل ثورة يونيو يتم استخدامها الآن للتواصل بين المؤسس وبين مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الداعمين لشرعية المعزول مرسى، خوفًا على مصالحهم الاقتصادية الإخوانية من الرئيس القادم، وعلى رأسهم صفوان ثابت عضو الجمعية وصاحب مصانع جهينة ومحتكر سوق الألبان فى مصر، وسمير فريد وأسامة النجار وأسامة فريد وسمير النجار ورجل الأعمال القبطى رامى لكح. المصدر الإخوانى السابق اختتم بأن من أهداف هذه الخطة تحسين صورة مالك أمام الرأى العام ليكون همزة التواصل بين النظام الجديد فى مصر وبين جماعة الإخوان، محاولًا إيجاد صيغة للصلح بين الطرفين.
حماية خارجية
وليس غريبصا أن يكون اسم مالك هو الاسم الوحيد الذى لم يدرج حتى الآن على قوائم المنع من السفر، ولم يصدر أمر باعتقاله أو القبض عليه على خلفية مشاركته فى اعتصام رابعة العدوية، والتفسير الوحيد لذلك هو دفاع المنشقين عنه أمام الدوائر الاعلامية أو القضائية أو السياسية، فهو الإخوانى «المظلوم» من وجه نظر الكثير من القيادات المنشقة. إضافة إلى أن علاقاته الاقتصادية التى امتدت إلى 71 شركة حول العالم -مركزين فى أورويا وتركيا- بدورة مالية سنوية تقدر ب 300مليون دولار وشراكته مع مجموعة من الشركات العالمية الداعمة للاقتصاد المصرى يحول دون القبض عليه، وقد استغل مالك هذه الحالة فى فرض سياسة الأمر الواقع على الحكومة والنظام، فالقبض عليه يعنى سحب هذه الشركات الأجنبية لاستثماراتها من الأسواق المصرية، وبالتالى كان قرار الجماعة ماكرًا عندما اختارت حسن مالك ليكون واجهة الثوب الجديد الأنيق التى ستخرج به إلى المجتمع، بعد فشل ثوب الإرهاب والترويع. من ضمن الشركات التى يعتمد عليها مالك فى إبقائه خارج الأسوار فى مجموعة «سرار» وقد حصل على توكيلها داخل مصر، وهى مجموعة شركات تهتم بالأثاث والملابس وذات رأس مال سوقى كبير، إضافة إلى مجموعه «قاف» للاستثمارات المالية، وهى وسيلة إخوانية لدخول البورصة وشراء الأسهم والتحكم فى ارتفاع وهبوط البورصة بشكل أو بآخر.
مالك يعتبر أيضًا ورقة ضغط على حماس لإجبارها على استمرار دعم الإرهاب الإخوانى، فشراكة حسن مالك مع حركة حماس أحد أبرز الأسباب التى دفعت الجماعة إلى اختياره كواجهة خفية، لأن هذا يمكنه من عقد الصفقات خلال الفترة المقبلة، حيث تمتلك حماس 40% من شركة الفريدة للملابس الجاهزة وباقى النسبة يمتلكها مالك، و25% من شركة مالك للملابس الجاهزة، و40% من شركة سرار، و20% بشركة شهاب للسيارات، و30% بشركة هايبتد، إضافة إلى مشاركة حماس فى أكثر من 75 شركة يمتلكها كلاً من خيرت الشاطر نائب المرشد وحسن مالك بنسب تتفاوت ما بين 10 إلى 20% من الأسهم.
مالك والجماعة
يذكر أن حسن مالك حاول التراجع عن تنفيذ دوره من الخطة بعد اعتقال ابنه معاذ حسن مالك، والذى تم القبض عليه على خلفية مشاركته فى الأعمال الإرهابية التى تقوم بها جماعة الإخوان، مما كان السبب فى وقف خطة الجماعة لبعض الوقت. مالك عندما وجد ابنه يواجه تهمه الإرهاب أرسل خطابًا إلى الأمين العام للتنظيم الدولى إبراهيم منير يؤكد له أن الكيل طفح، ولن يستمر أكثر من ذلك فى تنفيذ الخطة، إلا أن الاجتماع الذى حضره مالك فى تركيا بحضور قيادات التنظيم أجبره على التراجع عن قراره، خاصة بعد أن عقدوا معه صفقة جديدة بمقتضاها ستنتقل الحقيبة المالية من خيرت الشاطر ليتولاها حسن مالك.
بعد الاجتماع مباشرة صدرت رسالة من محمود عزت القيادى الهارب إلى شباب الجماعة يؤكد لهم أن «الشاطر لن يتحكم فيكم بعد الآن» مشيرًا إلى أن مهمة الشاطر انتهت وأن مالك هو البديل الآن، وبالفعل تم عمل توكيلات بشركات الإخوان فى أوروبا لمالك لتكون تحت سيطرته، ويعاونه فى تنفيذ مراحل الخطة محمود حسين وهانى الديب مدير مكتب الإخوان بلندن، ومجموعة من محامى الإخوان المنشقين ليكونوا واجهة مشرقة لحسن مالك مقابل عقود تمنح لمكاتبهم.
المنشقون حائرون
وفى سياق متصل يشكك القيادى السابق بالجماعة إسلام الكتاتنى فى أنباء خروج مالك من التنظيم، موضحًا أن الإجراءات التى يتبعها كل القيادات التى أعلنت انشقاقها وهى «الانشقاق بالقول والفعل» لم تصدر إطلاقًا عن مالك، بل إنه لم يخرج ببيان أو يؤكد هذه التصريحات الصحفية التى خرجت من قيادات إخوانية تتحدث عن خروجه من الجماعة. مضيفًا: «هناك سيناريوهات عدة وراء خبر انشقاق مالك، الأول هو أنه رجل أعمال أكثر من كونة قياديًا تنظيميًا، لهذا بعد إعلان الجماعة إرهابية ومصادرة أموال قياداتها ربما خشى على أعماله وأمواله فقام بتسريب خبر انشقاقه. وهناك سيناريو آخر، وهو أن الاستقالة جزء من مناورة سياسية يقوم بها مالك لمحاولة إيهام الرأى العام بأنه لم يعد عضوًا بالجماعة، وبالتالى يتحرك بحرية بين الدول لمحاولة إحياء التنظيم مرة أخرى» وعلى العكس يؤكد القيادى الإخوانى المنشق مختار نوح أنه حصل على معلومات من حسن مالك بنفسه تؤكد أنه لم يعد عضوًا بالجماعة، وأنه ضاق ذرعًا بتصرفات التنظيم التى تسببت فى سقوط ضحايا، مضيفًا: «هناك نوعان من الاستقالات داخل الجماعة: الأول الاستقالة من الحزب، ويكون ذلك بمحضر رسمى داخل قسم الشرطة التابع له العضو، أما الاستقالة من الجماعة فيكون بخطاب موجه للمسئول عن العضو حتى يعفيه من مهمة الاشتراك فى المظاهرات والفاعليات التى تنظمها الجماعة، وبالفعل هناك بعض الأعضاء والقيادات داخل التنظيم أبلغونى شخصيًا بأنهم استقالوا من التنظيم ولن يعودوا إليه مرة أخرى» وردًا على اتهام أن هذه الاستقالات - وعلى رأسها استقالة مالك - هى مجرد جزء من مناورة سياسية تقوم بها الجماعة، أجاب نوح: «لا توجد أى مناورات فى الاستقالات فهى استقالات حقيقية خوفًا من المصير الذى يواجه القيادات المقبوض عليها حاليًا، وخوفًا من مصير القيادات الهاربة. بهذه الاستقالات تكون الجماعة انتهت تنظيميًا، ولن تعود إلى الشارع، وكل المحاولات إلى تهدف إلى إعادة بعثها لن تأتى إلا بالفشل ومزيد من الضحايا.