منذ شهور قليلة لم يكن أحد قد سمع باسمها.. لكن فجأة صارت جماعة أنصار بيت المقدس ملء السمع والبصر فى الشارع المصرى، بعد أن أصبحت الكيان الإرهابى الأول الذى يقف فى وجه الدولة المصرية. «تفجير خطوط الغاز..محاولة اغتيال وزير الداخلية.. تفجير مبنى المخابرات بالإسماعيلية..تفجيرات بمبان سيادية فى سيناء.. تفجير القمر الصناعى بالمعادى.. تصفية ضباط القوات المسلحة واغتيالهم بطرق الإسماعيلية والسويس وسيناء . تلك الأحداث المنظمة هى حصيلة العمليات الإرهابية التى تبنتها أنصار بيت المقدس، فالجماعة التى لم تستطع أجهزة المخابرات والجهات الأمنية اختراقها أو معرفة هيكلها التنظيمى الداخلى، والتى أصبحت كابوسا يؤرق الشعب المصرى بأكمله، اتضح أخيرا أنها تحوى عددا من المطرودين من الخدمة العسكرية، وهو ما ظهر جليا فى محاولة اغتيال وزير الداخلية. «الصباح » فى هذا التحقيق استطاعت ولأول مرة أن تخترق جماعة «أنصار بيت المقدس » ومعرفة كواليس ما يحدث بداخل هذا التنظيم الذى استغل البيئة الخصبة من الغياب الأمنى والفوضى والصراعات السياسية الداخلية والخارجية ليمد أصابع الإرهاب فى أركان مصر، ومن قبل كان موجود على أرض الواقع وبهيكله التنظيمى العنقودى المعقد لكن على شكل خلايا نائمة لا يعرف بعضها بعضاً. مصادر «جهادية » مطلعة أكدت ل «الصباح » أن الهيكل التنظيمى للجماعة مبنى على شكل شبكة عنقودية، تتكون قاعدتها من مجموعات تضم المجموعة الواحدة من 3 إلى 7 عناصر يرأسهم «أمير المجموعة »، ولكل مجموعة منهم مساحة جغرافية تسيطر عليها وتتبنى العمل المسلح بها، والتعليمات تأتيها من القيادة العسكرية المتمثلة فى «أمير الجهاد » وهو من يضع الخطة القتالية للمجموعة المنفذة، كما أن المجموعات المنتشرة فى عدة مناطق بشبه جزيرة سيناء لا يعلم بعضها البعض، بحسب وصف المصادر، تحسبا لأن يسقط أحد عناصر التنظيم فى قبضة الأمن فلا يقوم بالإرشاد عن الباقى. فى قمة عنقود التنظيم يأتى ما يطلق عليه «أمير الفتوى » وهو الشخص المنوط به إصدار أمر القيام بعمليه مسلحة ويحدد الضحية المراد استهدافها بعد أن يدعم أمره ببعض الأسانيد الشرعية، وفى أغلب الأوقات يستند فى فتواه إلى آراء أكثر العلماء تشددا، ورغم كل ذلك فإن شخصية أمير الفتوى مجهولة لا يعلمها أحد إلا «أمير الجهاد » وهنا يكمن السر الذى تكشف عنه «الصباح » اليوم، وهو أن أمير فتوى جماعة «أنصار بيت المقدس » يجلس فى أحد المكاتب داخل مبنى جهاز المخابرات الإسرائيلية. فى بدايات عام 2010 كان التظيم يسمى «جماعة التوحيد والجهاد »، واستمر وجوده سرا حتى جاءت أحداث يناير 2011 وبدأ التحرك المكثف للمجموعات بعد أن ارتفعت وتيرة العمليات المسلحة التى «تبدو » ضد إسرائيل، ولكن ما أثار انتباه القيادات الأمنية أن خطط العمليات الموضوعة لاستهداف إسرائيل لا تؤدى إلى تنفيذ عمليات مؤثرة أو موجعة، رغم أن التدريبات والإمكانيات التى يمتلكها التنظيم من التسليح والعنصر البشرى يؤهلهم للقيام بعمليات يكون لها صدى كبير على الساحة الدولية، غير مدركين بأن المستقبل سوف يكشف أن الهدف من التدريبات والتسليح هو استهداف الدولة المصرية وشعبها- بحجة الدفاع عن الشريعة الإسلامية- وليس استهداف إسرائيل. وكشف المصادر أيضا -التى طلبت عدم نشر أسماءها- على أن تنظيم «أنصار بيت المقدس » شهد انشقاقا كبيرا فى صفوفه مع بداية وصول الإخوان المسلمين إلى كرسى الحكم، وذلك لسببين أساسيين، السبب الأول هو عقد خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان لقاء ببعض قيادات العمل الجهادى فى سيناء وغزة، وكان من ضمن المدعوين قياديان من جماعة أنصار بيت المقدس المكونة من الجانبين السيناوى والغزاوى، وقد أسفر الاجتماع عن إيقاف العمل المسلح بطلب من الشاطر بعد مجزرة رفح الأولى واغتيال 16 جنديا من القوات المسلحة فى شهر رمضان قبل الماضى، رغم مشاركة أفراد من التنظيمات الحاضرة للقاء فى فى تلك المجزرة، لكى لا تحرج أنشطتهم المسلحة الرئيس محمد مرسى الذى سيطبق الشريعة- حسبما وصف الصدر، وإلا يتهم بالضعف وعدم السيطرة على الإرهاب. قواعد التنظيم اعتبرت مطالب الشاطر تحولا فى العقيدة الجهادية التى تأسس عليها التنظيم، وكانت النتيجة هى رفض بعض العناصر المتشدد لهذه السياسة الجديدة، وبالتالى مغادرتهم للتنظيم كله. أما السبب الثانى فى انشقاق تنظيم أنصار بيت المفدس فيعود إلى اكتشاف اتصال مباشر بين عناصر مؤثرة فى التنظيم وبين ضباط مخابرات إسرائيليين يتبعون الموساد. وتؤكد المعلومات أن حقيقة التعاون بين «أنصار بيت المقدس » والمخابرات الإسرائيلية قد تسربت أولا لعناصر التنظيم أنفسهم، حيث انكشفت عمالة أحد القيادات البارزة بالتنظيم للموساد الإسرائيلى بعد حادثة اغتيال عضو الجماعة «إبراهيم عويضة البريكات »، فبعد الحادث كثفت مجموعات التنظيم مراقباتها الأمنية بالمناطق الحدودية للكشف عن أى اختراقات من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وأثناء المراقبة رصدت مجموعة تحرك «عنصر بارز » بالجماعة فى المنطقة الحدودية بوسط سيناء القريبة من قبيلة «الأحوات »، وكانت المفاجأة حينما تقابل بعناصر تابعة للموساد اخترقت الحدود بسيارة دفع رباعى سوداء. وبعد أيام جاءت الضربة الثانية حينما اكتشفوا أن حادثة الاغتيال متورط بها 3 أشخاص ينتمون لنفس قبيلة القتيل «الأحوات » ومنهم عنصر يعمل لصالح الجماعة مهمته «قصاص أثر » يدعى سلامة محمد العوايدة، والذى فر هارباً للأراضى المحتلة، وأثناء تحقيقات الجماعة مع المتورطين اعترفوا بأن هناك اتصالات تتم بين العديد من الجماعات الجهادية وإسرائيل، بالإضافة إلى بعض الأفراد الذين لا ينتمون لأى جماعة وذكروا أسماءهم، وكان من ضمن الأسماء تلك الشخصية البارزة فى تنظيم «أنصار بيت المقدس » وهو من دائرة صنع القرار المقربة من أمير الجهاد، ولما انتشر الخبر بين أعضاء التنظيم تحقق بعضهم فى الأمر ليكتشفوا أن «أمير الفتوى » الذى يصدر أمر القيام بالعمليات ما هو إلا أحد الضباط العاملين بجهاز المخابرات الإسرائيلى!! ومع التحقق -وفقا للمصادر- علم المنشقون أن التعليمات الصادرة من الموساد للتنظيم تصدر عن طريق شفرات خاصة يتم بثها على القنوات الإعلامية والإذاعية والصحف الإسرائيلية، حيث تنشر الوسائل المذكورة فى تقارير إعلامية وصحفية جانب عن الأهداف المراد استهدافها وبعد أيام معدودة تكون هناك عملية إرهابية برعاية «أنصار بيت المقدس » تستهدف الأماكن التى حددها الإع ام الإسرائيلى، فعلى سبيل المثال تناقلت وسائل الإع ام الإسرائيلية تقرير عن تحذيرات لليهود الموجودين فى سيناء عن احتمال حدوث عملية إرهابية، وبالفعل أعقب التحذير عملية قتل الجنود رفح، وفى مرة أخرى تلقت الجماعة تعليمات باستهداف رموزومشايخ القبائل فى سيناء بعد نشر تقارير صحفية عن تعاون مشايخ القبائل ورموزها مع القوات المسلحة لمكافحة الإرهاب لتتكرر عمليات التصفية، ومؤخرا أذاع راديو إسرائيل تقريرا عن سعى الجماعات المسلحة فى سيناء نقل عملياتها إلى خارج سيناء وبعدها بأقل من أسبوعين جاءت محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية على أيدى عناصر التنظيم. ولم يقف الأمر عن هذا الحد بل إن التعاون وصل إلى أن «الوحدة»8200 التابعة للمخابرات الحربية الإسرائيلية والمتواجدة بصحراء النقب قد أمدت التنظيم بأجهزة اتصالات لاسلكية متطورة ومشفرة قادرة على اختراق موجات الاتصالات اللاسلكية التى تستخدمها أجهزة الأمن المصرية، لمتابعة ورصد تحركاتها والمعلومات التى تنقلها الإشارات، وهو ما يعطى التنظيم تأمينا عاليا ومعرفة أى تحرك أمنى يستهدف البؤر الإرهابية التابعة لهم، وكذلك تعمل الأجهزة بنقل كل ما يتم استقباله من معلومات إلى مقر وحدة الاستخبارات الإسرائيلية، ويقتصر عمل أجهزة اللاسلكى على التجسس على أجهزة الأمن والتواصل بين قيادات الجماعة بعضهم البعض ولا يمكنهم خلالها التواصل مع عناصر المخابرات الإسرائيلية وهو أمر مقصود لكى لا يستطيع عناصر التنظيم تسجيل الاتصالات ومن ثم إثبات التعاون بينها وبين أجهزة الأمن الإسرائيلية وتوريطها فى الأمر فى حالة إلقاء القبض على عناصر التنظيم الإرهابى. فى السياق ذاته، أكد الشيخ محمد أبو سمرة، القيادى بتنظيم الجهاد، أنهم كجماعات جهادية لم يسمعوا من قبل عن تنظيم تحت مسمى «أنصار بيت المقدس » بعد 30 يونيو، وهذا ما يؤكد أنها جماعة مستحدثة دخيلة على الإسلام، موضحا بأن الجماعة التى كانت شائعة منذ 25 يناير 2011 كانت «مجلس شورى المجاهدين فى أكناف بيت المقدس » والتى كانت تتولى العمل الجهادى ضد إسرائيل، وأضاف قائلا: بالرغم من أننا من الجهاديين الذين تم اعتقالهم فى العهود السابقة إلا أننا نخشى الله فى الدم المصرى، لكن هؤلاء الخونة لا يحترمون الدماء ويورطون الإسلاميين فى تلك الجرائم البشعة