بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مطلع الأسبوع الجاري ما تطلق عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية "مفاوضات الأسبوع الأخير" من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، حيث التقى أول من أمس كلا من "يائير لابيد" زعيم حزب يش عتيد "يوجد مستقبل" (يمين الوسط) و"نفتالي بينيت" زعيم حزب البيت اليهودي (قومي متشدد) من أجل إزالة بعض العقبات التي حالت دون تشكل الحكومة في القترة الماضية، ومن أبرزها: توزيع الحقائب الوزارة داخل الائتلاف الجديد، ووضع الخطوط العريضة لبرنامج هذه الحكومة. وإذا ما تم التوافق حول هذين الأمرين السابقين فسوف يتشكل الائتلاف الحكومي الجديد من تحالف "الليكود برئاسة نتنياهو، وإسرائيل بيتنا برئاسة أفيجدو ليبرمان (31 مقعدا من أصل 120 مقعدا)، ومن تحالف "يش عتيد، والبيت اليهودي (31 مقعدا)، إضافة إلى حزب الحركة "الوسطي" (6 مقاعد) بزعامة تسيبي ليفني، كما يتوقع انضمام حزب كاديما برئاسة شاؤول موفاز (مقعدان). ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة سوف تتشكل وتحظى بثقة الكنيست ما لم يحدث تطور دراماتيكي عشية الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إسرائيل يوم 20 مارس الجاري؛ فقد ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي، ليبرمان، أن الحكومة الجديدة سوف تتشكل نهاية هذا الأسبوع، وأعرب نفتالي بينيت عقب مفاوضات الأمس عن أمله في ان يرى الائتلاف الجديد النور خلال الساعات أو الأيام المقبلة. وتشير معظم التقديرات الإسرائيلية إلى أنه قد تمت حلحلة الكثير من العقد بخصوص التشكيلة الحكومية، إذ تنازل حزب "يش عتيد" عن وزارة الخارجية كي تبقى بحوزة ليبرمان حليف نتنياهو الذي كان وعده بالاستمرار فيها، على أن يحظى "يش عتيد" بوزارة المالية التي سيتولاها "يائير لابيد" ووزارة الداخلية التي قد يشغلها ياعيل جرمان، وربما كذلك منصب وزير الرفاه الذي يتم التفاوض بشأنه بين "شاي بيرون" وبين شاؤول موفاز. أما حزب البيت اليهودي فسوف يشغل رئيسه رجل الأعمال المعروف، نفتالي بينيت، وزارة الصناعة والأشغال والتجارة، بينما سيشغل الرجل الثاني في الحزب "أوري أرئيل" منصب وزير الإسكان والبناء، علمًا أن بنيامين نتانياهو سبق وأن تعهد بأن تبقى هذه الحقيبة الوزارية بيد حزبه "الليكود". فيما قد تحصل تسيبي ليفني نفسها على منصب وزير العدل، علاوةً على أنها ستقود الفريق المسئول عن التفاوض مع الفلسطينيين. وتعود حالة كسر الجمود الذي أصاب محادثات تشكيل الحكومة الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي إلى اضطرار بنيامين نتنياهو الاستجابة لضغوط كل من يائير لابيد ونفتالي بينيت، في ظل ضيق الوقت الزمني المسموح به من جانب ومحاولة تشكيل الحكومة قبل زيارة أوباما من جانب آخر؛ فقد انتهت الفترة المتاحة لتشكيل الحكومة وهي 28 يوما منذ تكليف الرئيس الإسرائيلي شيون بيريز لبنيامين نتنياهو صاحب الحزب الأكثر حصولا على عدد من المقاعد في الانتخابات العامة التي أجريت يوم 22 يناير الماضي، ثم حصل نتنياهو على 14 يومًا إضافية لتشكيل الحكومة من الرئيس الإسرائيلي تنتهي يوم السبت المقبل، وإذا ما فشل في تشكيلها فقد يمنحه بيريز مهلة إضافية وأخيرة أو يختار مرشحًا آخرًا من بين الكتل النيابية لتشكيل الحكومة أو يدعو إلى انتخابات مبكرة. ويتمثل السبب الثاني في أن نتنياهو، بماضيه وحاضره ومستقبله السياسي، سوف يغامر مغامرة كبرى إذا لم يستجب لمطالب يائير وبينيت، فهو لا يضمن أن يكون رئيس الوزراء المكلف حال إجراء انتخابات مبكرة، بل وسيظهر أمام الرأي العام الإسرائيلي بالرجل الذي فقد هيبته أمام طوفان تحالف "يش عتيد والبيت اليهودي" الذي حقق نتائج كبيرة لم يتوقعها المراقبون في الانتخابات السابقة. وتشير معظم استطلاعات الرأي إلى أن تغييرًا ما سيطرأ على عدد مقاعد الكتل النيابية في حال إجراء انتخابات جديدة، ومنها ما نشرته صحيفة هآرتس مطلع شهر الجاري، حيث ذكرت أن عدد مقاعد كتلة "الليكود -إسرائيل بيتنا" بقيادة نتنياهو ستنخفض من 31 مقعدًا إلى 26 مقعدًا، مقابل ارتفاع كبير جدًا في عدد مقاعد حزب "يش عتيد" من 19 مقعدًا إلى 31 مقعدًا، والبيت اليهودي من 12 إلى 13 مقعدًا؛ مما يعني أن يائير لابيد سوف يكون رئيس الوزراء المكلف، وأن مجموع مقاعد تحالف "يش عتيد البيت اليهودي سوف ترتفع من 31 مقعدًا الآن إلى 44 مقعدًا حال إجراء انتخابات جديدة. ويتمثل السبب الثالث في قيام نتنياهو بتقديم التنازلات لأجل تشكيل الحكومة الجديدة في كل من إضراب الأسرى الفلسطينيين واستشهاد أحمد جرادات وما صاحبهما من حراك شعبي فلسطيني يهدد الاستقرار بالنسبة لنتنياهو ويقلب الطاولة عليه، واقتراب زيارة أوباما لإسرائيل؛ وهما الأمران اللذين اضطرا معهما نتنياهو إلى اللجوء للتحايل والخداع من خلال احتواء الهبة الشعبية في الضفة الغربيةالمحتلة والأمر بسرعة تحويل أموال الضرائب المجمدة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وإرسال إشارات توحي بتهدئة سياسية إلى ليفني وأبو مازن والملك عبد الله وأوباما، مفادها أن حكومته تفكر في تجميد البناء بشكل مؤقت في المستوطنات التي تقع خارج القدس وخارج الكتل الاستيطانية الكبرى. ويعتقد بعض المراقبين الإسرائيليين أن نتنياهو حتى وإن شكل الحكومة الجديدة تفاديًا للاحتمالات الأسوأ له على المستوى الشخصي السياسي، فإنه قد خسر في كل الأحوال نقاطًا حاسمة سوف تؤثر على عمل الحكومة الجديدة، وأولها أنه تخلى عن حلفائه التقليديين من الأحزاب الدينية المتشددة، وخاصة حزب شاس ويهودت هتوراه اللذين شكلا عماد ائتلافه الحكومي السابق، وذلك في ظل تمسك حزبي يش عتيد والبيت اليهودي بانضمامها معًا لحكومة نتنياهو أو بقائهما معًا في صفوف المعارضة، وتمسكهما كذلك بألا يضم الائتلاف الجديدة اليهود الأصوليين "الحريديم". وفي هذا السياق استطاع الحزبان إجبار نتنياهو على هذا الأمر، أي تشكيل ائتلاف يخضع لرغباتهما بالأساس، وذلك على الرغم من تأكيد نتنياهو على أنه كان يسعى لتشكيل ائتلاف أكثر توسعًا لمواجهة اسنحقاقات عام 2013، والتي من أبرزها احتمال عودة المفاوضات مع الفلسطينيين وتداعيات الأوضاع المضطربة في سوريا وبرنامج إيران النووي. أكثر من ذلك فإن نتنياهو سيتعرض للمزيد من الابتزاز بعد تشكيل الحكومة ليس فقط لأن بقاء هذين الحزبين بالحكومة سيبقى رهنًا لاستمرارها، ولكن كذلك لأن الكنيست سوف يشهد انقاسمات حادة في أمور طالب بها يائير لابيد، وتتعلق بمجموعة قوانين استقرت في إسرائيل، ومن أبرز هذه المطالب: السماح للنقل العام بالتحرك نهار يوم السبت المحظور على خلفية مطالبة الأحزاب الدينية، والسماح بالزواج المدني، وإجراء تغييرات في منظومة الحاخامية الرئيسية سيما ما يتعلق منها بالمساواة في عبء تجنيد الحريديم ودخولهم إلى سوق العمل بدلاً من قضاء الوقت في الدراسة الدينية... وكلها أمور من شأن مناقشتها إثارة جدل داخل الأوساط السياسية والدينية، المتشددة والأقل تشددا والتيارات العلمانية. وبالمثل سوف يواجه هذا الائتلاف الجديد معضلة التماسك إذا ما جرى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، فتحالف الليكود إسرائيل بيتنا وكذا حزب البيت اليهودي الذي ينتمي لليمين المتطرف ويدعم المستوطنين ويرفض إقامة أي كيان سياسي فلسطيني غرب نهر الأردن سوف يضعون عراقيل كبرى أمام التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين، وذلك خلافًا لما تأمله تسيبي ليفني التي اشترطت قيادة التفاوض للانضمام للحكومة؛ الأمر الذي لا يزال محل رفض البيت اليهودي الذي يطالب بسحب صلاحيات ليفني في المفاوضات مع الفلسطينيين أو وضع شروط قاسية لقبول قيامها بهذا الملف. وتبدو محصلة ما سبق أنه في حال نجاح نتنياهو في تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، فإن طبيعة الأحزاب التي وضعت شروطها لدخول الائتلاف والمطالب المتضادة التي تسعى لتقييده سوف تنعكس بالسلب على أداء الحكومة الجديدة وسياساتها الداخلية حيث الانقسامات المحتدمة بين رؤى ومطالب التيارات الدينية المتطرفة وبين تيارات الوسط وبين التيارات العلمانية، وكذلك على سياساتها الخارجية، وتحديدًا ما يتعلق بالملف الفلسطيني حيث اختلاف الرؤى بين نتنياهو ذاته وبين حزب البيت اليهودي وبين تسيبي ليفني؛ وهو ما سوف يجهض أية مساعي حقيقية للتوصل لاتفاق سلام مع الفلسطنيين.