حللت الصحف الأمريكية فى أخبار نشرتها اليوم عن سقوط بغداد قبل 10 سنوات اقحم المنطقة في حروب طائفية لا تبدو لها نهاية فلم تنل جريمة غزو العراق واحتلاله وتواصل القتل والدمار والفوضى في هذا البلد المنكوب بسبب العدوان الأميركي الغاشم اهتماما إعلامياً مماثلاً للذي ناله انتصار فريق كلية صغيرة في جامعة لويسفيل بولاية كينتاكي (4 ملايين نسمة) على جامعة ميشغان في نهائي مباريات كرة السلة التي احتلت كل المساحات في كل الإعلام. قبل عشرة أعوام سقطت العاصمة العراقيةبغداد بعد أن تحولت إلى مدينة أشباح بفعل الضربات الجوية الجنونية وصواريخ كروز الموجهة وأسلحة مدمرة لم يعرفها التاريخ تحت شعار عملية "الصدمة والرعب" التي ابتدعها المحافظون الجدد وصقور المجمع الصناعي العسكري والتي استمرت بدون هوادة لمدة ثلاثة أسابيع كاملة على مدار الساعة، قبل سقوط ساحة الفردوس، وتسببت في قتل وجرح قرابة مليون عراقي وشردت ملايين إضافية، ناهيك عن تدمير البنية التحتية لكل مؤسسات الدولة ومرافقها لإضعاف العراق والسطو على موارده عقاباً على لمعاداته إسرائيل. وفي انعطافة تاريخية تبعث على السخرية، مكنت هذه الحرب الأميركية المبنية على الكذب والتلفيق الجمهورية الإسلامية، إيران، التي تعتبرها واشنطن عدواً لدوداً، من بسط سيطرتها على العراق، وهيأت لصعود التيارات الإسلامية المتطرفة، وأحدثت شرخا طائفياً بيناً بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة وهو ما ينذر بصراع طويل ليس فقط في العراق، بل في المنطقة ككل وهو ما نشهد بوادره اليوم. ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لرئيس وزراء العراق نوري المالكي الذي تزداد سلطته ديكتاتورية وطائفية وشللا بعد أن رهن نفط العراق لثلاثين عاما مقبلة لشركات غربية، في صفحة الرأي بهذه المناسبة (9 نيسان/ابريل 2013) تذمر فيه من "الذين يعممون التشاؤم ويدعون أن الولاياتالمتحدة فقدت العراق" بحسب قوله وأنه "على الرغم من كل شيء فإن الدليل الساطع يظهر أن غالبية العراقيين يؤمنون بأننا اليوم أفضل حالاً مما كنا عليه تحت حكم الطاغية صدام حسين". وأضاف نوري المالكي الذي عاد إلى العراق مع القوات الأميركية الغازية: "سيستمر العراقيون في امتنانهم للولايات المتحدة التي تكبدت خسائر بشرية عسكرية ومدنية في مساهمتها في إنهاء حكم (صدام) حسين؛ وأن حكومتنا تبرز من هذه من هذه التجربة مصممة على أن لا تذهب هذه التضحيات (الأميركية) سدىً وتستمر في تعزيز الديمقراطية والحرية لبلدنا". وأنهى المالكي مقاله الطويل (الذي كتبه له أحد مكاتب العلاقات الأميركية المرتبطة بصناعة النفط حسب ما تسرب) مطمئناً للمخاوف الأميركية بأن "العراق الذي يحتفظ بخامس احتياطي نفط مثبت في العالم، واقتصاده سريع النمو، وسيظل العراق مصدراً مهماً للطاقة وشريكاً للولايات المتحدة، وأن ما نحتاجه إلى إعادة بناء للبنية التحتية يوفر فرصاً استثمارية باهرة للشركات الأميركية". هناك العديد من الخبراء في واشنطن الذي يشكون في تأكيدات المالكي عن كون العراقيين أصبحوا أفضل حالاً اليوم مما كانوا عليه، ولكن لا أحد يشكك بأن الشركات الأميركية وإيران وإسرائيل هم المستفيدون الأوائل على التوالي من الحرب الكارثية التي ألمت بالعراق. ولا يزال الدمار والخراب الذي خلفه الاحتلال الأميركي يقض مضاجع العراقيين، ولا تبدو له نهاية في الأفق. الحقيقة هي أنه بعكس تأكيدات السيد المالكي، فإن العراق بعد عشر سنوات على الغزو والاحتلال الأميركي ليس أفضل حالاً على الإطلاق، ولم تصبح مدنه ومحافظاته "أكثر أمنا بعد إسقاط صدام حسين" ولا العالم كما يدعي مبررو الحرب. الشعب العراقي ما زال يدفع ثمن أكبر مغامرة سطو في القرن الواحد والعشرين، بينما تعجز البلاد عن الدخول في أي عملية سياسية جدية تعيد جمع أبنائه كمواطنين في ظل حكم ديمقراطي، وظروف اقتصادية ومعيشية أفضل، بعيداً عن الصراع الدموي الطائفي المستمر. يبقى من الضروري ان نتذكر كل الأسباب التي لفقت في دوائر الاستخبارات الأميركية لشن الحرب على العراق وشهادات المعارضين الكذابين (رافد علوان الجنابي الذي أقر أنه كذب مقابل المال) خاصة في الوقت الحاضر الذي تريد فيه هذه الدوائر القاء سوريا الى نفس المصير المدمر. قد يكون فريق الكذب والتلفيق من المحافظين الجدد؛ فريق مجرمي الحرب من أمثال بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع السابق، قد غابوا عن أضواء المشهد السياسي في واشنطن، ولكنهم لا يزالون ينظرون لضرب ما تبقى من الكيان العروبي، ويفلتون من العدالة، بينما يختبئ آخرون وراء مقولة "أن العالم سوف يحتاج إلى عشرة أو عشرين عاماً من أجل تحديد إذا كانت الحرب على العراق خطأ" بحسب قول الخبير العسكري في معهد بروكينجز مايكل أوهانلون. لا بد من التذكير أن الحرب التي دمرت العراق لم تبدأ يوم 20 مارس / آذار 2003 بل بدأت في عام 1991 ، ولم تتوقف بعد تحرير الكويت، بل تواصلت الحرب واستمرت عبر عبر ذرائع فرض مناطق حظر جوي التي دمرت الدفاعات الجوية العراقية وعبر العقوبات القاسية والحصار الاقتصادي المحكم الذي فرض على الشعب العراقي، مما تسبب تسببت بموت مئات ألوف الأطفال العراقيين وتهجير ملايين العراقيين، وبات العراق منقسما بين طوائفه ومكوناته في شكل واضح وخطير، وهو السيناريو الذي يتكرر اليوم في سورية