بعد تسعة أشهر من الصراع فى إقليم تيجراى والفظائع التى ارتكبتها قوات الحكومة الإثيوبية بحق سكان الإقليم التى يصل بعضها إلى "جرائم حرب"، خرج رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد، ليعلن إلغاء وقف إطلاق النار ومواصلة التصعيد بعد تحقيق قوات تجراى مكاسب إقليمية كبيرة، الأمر الذى يهدد بكارثة انسانية بحسب أمميين فى الإقليم الشمالى لإثيوبيا. ويمكن القول إن ذلك علامة على أن أزمة تيجراى تزداد سوءًا، حيث صعدت الحكومة الإثيوبية من خطابها وهددت بنشر "قدراتها الدفاعية الكاملة" بعد التقدم الذى أحرزته جبهة تحرير تيجراى، فى المناطق المجاورة للاقليم وخصوصا فى أمهرة، الأمر الذى تحول إلى كابوس لرئيس الحكومة الإثيوبية ما جعله يطالب المواطنين بالالتحاق بالقوات المسلحة، لمواجهة "جبهة تحرير تيجراى". جبهة تيجراى تهزم جيش آبى أحمد.. والحكومة ترد بحصار وبحسب الناطق باسم جبهة تحرير شعب تيجراى، جيتاتشيو رضا، فإن الجبهة ستواصل تأمين الطرق فى شمال أمهرة لمنع القوات الحكومية من إعادة تشكيل صفوفها، إذ قال: "لن تتم أى خطوة إلا إذا رُفع الحصار"، فى إشارة إلى القيود المفروضة على إيصال المساعدات الإنسانية. وأضاف: "كما ترون نحن تحت الحصار. سنتأكد من أن أى وسيلة يستخدمها أبى أحمد لمواصلة خنق شعبنا لا تمثّل مشكلة خطيرة". وتتهم "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى" فى إثيوبيا الحكومة الاتحادية بافتعال أزمة إنسانية فى هذا الإقليم بعد تكبد القوات الحكومية هزيمة ميدانية هناك. كما شددت حكومة تيجراى "على أن حكومة رئيس الوزراء أبى أحمد، بعد هزيمتها فى الإقليم، غيرت استراتيجيتها وفرضت حصارا أسفر عن تعليق الخدمات العامة هناك، بما يشمل إمدادات الكهرباء والوقود والاتصالات والخدمات المصرفية وكل أنواع النقل". وأشارت إلى أن هذا الحصار منع المنظمات الإغاثية من أداء مهامها فى تيجراى وأسفر عن تعليق تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية الطارئة إلى الإقليم، متهمة حكومة أبى بتقويض جهود المنظمات الإغاثية التى تتعامل مع الأزمة فى تيجراى عمدا. أكثر من 400 ألف شخص فى تيجراى دخلوا فى مجاعة فى الوقت نفسه، أطلقت منظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونيسيف"، تحذيرًا بشأن انعدام الأمن الغذائى للأطفال، وذلك بسبب أعمال العنف فى إقليم تيجراى الإثيوبى. وقالت المنظمة الأممية، فى بيان، إن نحو 160 ألف طفل يعيشون فى ظل ظروف أشبه بالمجاعات فى إقليم تيجراى الإثيوبى. وجاء فى التحذير "تقدر اليونيسيف حدوث زيادة بمقدار عشرة أضعاف فى عدد الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية مهدد للحياة فى تيجراى على مر ال 12 شهرا المقبلة. أزمة الأمن الغذائى وسوء التغذية تحدث وسط تدمير مكثف وممنهح للخدمة الصحية وغيرها من الخدمات التى يعتمد عليها الأطفال والمجتمعات فى البقاء على قيد الحياة". ويقول خبراء الغذاء إن 400 ألف شخص فى تيجراى يعانون من "مستويات كارثية من الجوع"، وتم إغلاق جميع طرق المساعدات المؤدية إلى تيجراى باستثناء طريق واحد من منطقة عفار حيث تعرضت قوافل الطعام مؤخرًا للهجوم، حسبما ورد من قبل الميليشيات الموالية للحكومة. وتقول القوات التيجراية إنها تأمل فى فتح ممر جديد للمساعدات عبر السودان بهزيمة الجيش الإثيوبى وقوات الأمهرة المتمركزة هناك، فيما تقول الأممالمتحدة إن ما يقدر بنحو 5.2 مليون شخص فى تيجراى يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بينما أدى انتشار القتال فى منطقة عفار مؤخراً إلى نزوح الآلاف هناك وفى حاجة ماسة إلى الطعام والمأوى. انتقادات دولية من ناحية أخرى، قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن شعب إثيوبيا هو من يدفع ثمن هذه الحرب التى قادها أبى أحمد، وصورها فى البداية على أنها أشبه بالنزهة العسكرية التى لن تستغرق سوى أسابيع قليلة لكنها تحولت إلى صراع دموى مستمر لأشهر. كما أشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن أبى متهم بمواصلة الصراع الذى أطلق العنان للاغتصاب والمذابح والتطهير العرقى، وهو ما دفع واشنطن إلى فرض عقوبات على مجموعة من المسؤولين الإثيوبيين. لم تأتى تلك الإدانات من فراغ، وإنما جاءت بعد سلسلة واسعة من التقارير الإعلامية والحقوقية التى كشفت بالصور والفيديو جرائم حرب لا إنسانية نفذتها القوات الحكومة الإثيوبية ضد عرقية التيجراى، الأمر الذى استفز المجتمع الدولى للإدلاء بدلوهما فى الأمر. وتعود جذور الصدام فى إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية والحزب الحاكم فى منطقة إقليم تيجراى الشمالية، إلى احتجاجات أطاحت بالحكومة السابقة التى كانت تهيمن عليها "جبهة تحرير شعب تيجراى" فى 2018. ورغم أنّ التيجراى يشكّلون 6% فقط من سكان إثيوبيا، فقد هيمنوا على مقاليد السياسة الوطنية بالبلاد لما يقرب من ثلاثة عقود وحتى اندلاع الاحتجاجات. وتغير ذلك بتولى أبى أحمد رئيساً للوزراء فى أبريل-2018، وهو أول رئيس حكومة من عرقية أورومو، الأكبر فى البلاد، إذ فقد التيجراى مناصب وزارية وبعض المناصب العسكرية العليا، كما شكا الأورومو والأمهرة، ثانى أكبر مجموعة عرقية فى إثيوبيا، بالإضافة إلى مجموعات أخرى من التهميش فى ظل حكم التحالف الاستبدادى القديم، وخلال الأشهر الأخيرة، اندلعت أعمال عنف عرقية وأطلقت دعوات لمزيد من الحكم الذاتى فى عدة أجزاء من البلاد. كشف تقرير حكومى أمريكى، فى فبراير الماضى، عن حقيقة التطهير العرقى الذى تمارسه الحكومة الاتحادية الإثيوبية فى إقليم تيجراى، والذى أشار إلى عديد من الانتهاكات والجرائم التى يتعرض لها سكان الإقليم من المدنيين. وأكد التقرير الذى نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فى فبراير الماضى، أن المسؤولين الإثيوبيين ومقاتلى الميليشيات المتحالفة معها تقود حملة لتطهير عرقى منهجى فى تيجراى، الإقليم الذى مزقته الحرب فى شمال إثيوبيا.