وراء الستار دائما هناك أشخاص يعملون كوسطاء بين الدول ،بحكم علاقاتهم الوطيدة سواء على المستوى الشخصي أو حتى على مستوى العلاقات الاقتصادية، وهو الأمر الذي ينطبق على رجل الأعمال توم براك الأمريكي اللبناني الأصل الذي توسط لتحسين العلاقات بين ترامب وأمراء الخليج مستغلا علاقاته الجيدة مع الطرفين. مؤخرا أعد موقع بي بي سي بالعربية تقريرا حول علاقة توم براك بالدول الخليجية وكيف أسهم ذلك في توطيد العلاقة بينهم وبين الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب . ونقل بي بي سي عن صحيفة نيورورك تايمز قولها إن سفير دولة الإمارات العربية لدى واشنطن، يوسف العتيبة، قد كتب إلى صديقه توم براك قائلا:" إن هناك غموض شديد يحيط بصديقك دونالد ترامب". وأضاف أنه يثير قلقا عميقا لدى كثيرين ،بينما أجابه توم براك في محاولة منه لتبديد مخاوف صديقه القديم، بأن ترامب يتفهم موقف الدول الخليجية وله استثمارات مشتركة في دولة الإمارات العربية. وكتب توم براك في مايو من عام 2016 ليوسف العتيبة مزكيا صهر ترامب، جاريد كوشنر بقوله ،ستحبه، وهو يوافق على أجندتنا حسبما قالت نيويورك تايمز . لكن الدور الذي يلعبه توم براك أكبر من ذلك بكثير بسبب خبرته الطويلة التي تمتد على مدى عدة عقود من العمل في الشرق الاوسط وفي الولاياتالمتحدة وفي أكثر من دور ومجال، وآخرها الإشراف على حفل تنصيب الرئيس ترامب أوائل عام 2017 إذ استطاع أن يجمع أكثر من مئة مليون دولار على شكل تبرعات لهذا الغرض بجهد شخصي منه. ووصفت صحيفة واشنطن بوست رجل الأعمال الأمريكي من أصول لبنانية، توماس براك، الذي يعرف اختصارا بتوم براك، بأنه واحدا من كبار الأغنياء وأقرب أصدقاء الرئيس دونالد ترامب، وهو الذي عمل أسابيع لتمهيد السبيل أمام لقاء ترامب بالقادة الخليجيين في الرياض في مايو 2017. وفي 8 ديسمبر 2018 أكدت نيو يورك تايمز أن حكام الخليج الأغنياء أصحاب الاستثمارات في العقارات في الولاياتالمتحدة لم يروا في أسرة كوشنر سوى أنها تعمل في العقارات ولهذا السبب عمل توم براك، رجل الأعمال الأمريكي من أصول لبنانية، خلال حملة الانتخابات على تعريف كوشنر بأصدقائه من حكام الخليج، لأنه يتمتع بعلاقات جيدة مع الطرفين. ووفقا لبي بي سي فإن المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي يحقق في الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قد التقى بتوم براك في هذا الإطار قبل فترة لسؤاله عن علاقات مدير حملة ترامب الانتخابية السابق بول مانافورت والجوانب المالية لحملة ترامب الانتخابية ولعملية إنتقال السلطة من الرئيس السابق إلى ترامب ولحفلة التنصيب. ولعب توم براك دورا كبيرا في حملة ترامب الانتخابية بسبب العلاقة القديمة التي تربطهما فقد كان المسئول عن جمع التبرعات للحملة والمسئول عن إتصالات ترامب وهو الذي ربط بين آل سعود وحكام الإمارات من جهة وترامب من جهة أخرى. كما أنه أوصى ترامب بتعيين مانافورت لقيادة حملته الإنتخابية وحاول أن يجمع بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ومانافورت الذي قد يصدر حكما بسجنه لفترة طويلة بعد إدانته بالإحتيال والتهرب الضريبي والكذب على المحققين. وهو الذي أوصى ترامب بتوظيف ريك جيتس الذي لعب دور نائب مانافورت خلال الحملة الانتخابية الذى وافق على التعاون مع المحقق مولر وتمت إدانته بجرم الكذب تحت القسم. وقال بي بي سي , إن لبنان هو مسقط رأس أجداد توم براك الذين ينحدرون من بلدة زحلة القريبة من الحدود السورية اللبنانية. وقد عمل براك الذي يحمل إجازة في الحقوق في مكتب المحامي هيربرت كالمباك حينما كان الأخير محاميا خاصا للرئيس الامريكي السابق، ريتشارد نيكسون، الذي عزل من منصبه إثر فضيحة ووتر جيت. وبعد سجن كالمباك بسبب دوره في اللجنة التي كانت تعمل لإعادة إنتخاب نيكسون ترك براك هذ الوظيفة وبدأ مسيرته في مجال التجارة. وكان أجداد توم براك قد هاجروا إلى الولاياتالمتحدة عام 1900, كان والده صاحب متجر صغير في ولاية كاليفورنيا بينما عملت والدته سكرتيرة ونشأ توم في هذه البيئة ولا يزال يفتخر بذلك ويقول إنه لا يزال "ابن حانوتي". وأشار بي بي سي إلى أن توم سافر إلى السعودية عام 1972 ضمن وفد لشركة أمريكية لإبرام عقد لإقامة مصنع لانتاج الغاز السائل مع الحكومة السعودية وأثناء وجوده في السعودية سأله أحد مدراء شركة أرامكو إن كان يعرف أحدا في الوفد الأمريكي يمارس رياضة الاسكواش لأن سعوديا يريد شريكا له في هذه اللعبة. وبدأ توم يلعب الاسكواش مع السعودي دون أن يخطر بباله أن يسأله عن اسمه، وسأله إن كان بمقدوره أن يلعب معه لمدة ساعتين في اليوم التالي، وتبين لاحقا أن هذا الشخص هو أحد أبناء الملك ،حسبما نقلت عنه نيويورك تايمز. وكانت تلك بداية العلاقة الوطيدة التي تربط توم بالأسرة الحاكمة في السعودية. كما تعرف خلال وجوده في السعودية على رجل بدوي تبين فيما بعد أنه أحد مدراء شركة أرامكو وقد دعاه توم إلى قضاء فترة نقاهته في مزرعته في كاليفورنيا، فكلفه المسئول في أرامكو بالتوسط في شراء 375 حافلة مدرسية لصالح أرامكو. جدير بالذكر أن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود كان يحكم المملكة السعودية وقتها. وسرعان ما وظفه أبناء الملك بعد أن توطدت علاقته بهم، وبات ممثل الأطفال لدى الولاياتالمتحدة"حسب تعبيره، أي بات ممثل أبناء الملك في الولاياتالمتحدة. وفي عام 1974 توسط توم في اتفاق بين أميرين سعوديين ورجل أعمال أمريكي اشترى قطعة أرض في هاييتي بهدف إقامة مصفاة لتكرير النفط وحاكمها حينئذ شوفالييه حول بيع النفط في هاييتي بسعر مخفض. وفي عام 1976 دشن توم أول مشروع عقاري كبير له بمساحة إجمالية تجاوزت 7 ملايين قدم مربع من شقق ومكاتب ومناطق صناعية. واستطاع توم أن يشتري مزرعة في ولاية كاليفورنيا عام 1979 بالقرب من مزرعة الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريجان، وكان الخيالة من حماية الرئيس يتجولون في مزرعته، ومن حين إلى آخر كان يرافق ريجان في رحلات ركوب الخيل ويجلسان سوية حول النار في الهواء الطلق. كما اشترى توم براك بالاشتراك مع الصندوق القطري السيادي شركة ميراماكس للانتاج السينمائي من والت ديزني بملبغ 660 مليون دولار. وهو شريك الأمير الوليد بن طلال في ملكية شركة فيرمونت اند رافل التي تمتلك فنادق في مكة ودبي والقاهرة، كما يمتلك حصة كبيرة في سلسلة متاجر كارفور حول العالم بالاشتراك مع رجل الأعمال الفرنسي برنارد أرنو، صاحب ماركة لويس فوتون. وكانت أسوأ السنوات بالنسبة لتوم براك هما عاما 2007 و2008 حين اشترى كازينو القمار "ستيشن" في مدينة لاس فيجاس بمبلغ 8.8 مليار دولار عام 2007 وفي عام 2009 أشهر الكازينو إفلاسه. وأوضحت بي بي سي أن علاقة توم بترامب تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث التقيا لأول مرة عام 1987 عندما اشترى ترامب نسبة 20 في المئة من أسهم شركة تمتلك سلسلة متاجر أمريكية ولعب توم دور الوسيط في الصفقة، وبعدها بعام اتصل به ترامب وقال له "أنت صاحب فندق بلازا الذي أشاهده من مكتبي، أريد هذا الفندق" فرد عليه توم بأنه ليس صاحب الفندق لكن يمكنه امتلاك الفندق إذا دفع 410 مليون دولار ،فوافق ترامب على ذلك دون تردد وسط ذهول توم، لكن توم اشترط أن يكون الدفع نقدا. وتحدث توم عن تلك الفترة قائلا: "نشأت علاقة صداقة بيننا منذ ذلك الوقت وتشابهت حياتنا الخاصة، فكل منا كان قد طلق زوجته وكانت أعمار أبنائنا متقاربة وتزوجنا مرة ثانية وأبرمنا صفقات تجارية عديدة". وقال ويليام روجرز، شريك توم، إن بمقدور الأخير أن يقول لترامب إنك على خطأ وهو أمر لا يجرأ عليه سوى القلائل، وأضاف أنه يمكن لتوم أن يقول لترامب أيضا ما لا يرضى أن يسمعه من الآخرين ويرد ترامب على توم بقوله: شكراً أنت صديقي ويمكنك أن تقول ذلك لي وليس في ذلك إساءة لي" حسبما أوردته صحيفة نيويورك تايمز. وفي عام 1994 كان ترامب يمر بأزمة مالية خانقة، فاتصل به أحد الموظفين في بنك تشيز مانهاتن وقال له: "مشاريع ترامب العقارية تواجه أزمة مالية كبيرة ومن بينها مشروع عقاري في مانهاتن مدين لمصرفنا بمبلغ 100 مليون دولار، وأنت الوحيد الذي تعرف كيف تتعامل مع ترامب، مئة في المئة، فهل يمكنك أن تساعدنا في حل هذه الأزمة؟" قام توم بجولة في الشرق الأوسط وحصل على تعهدات مالية للاستثمار في المشاريع المتعثرة لترامب، ومن بينها تعهدات من أصدقائه القدامى في الأسرة الحاكمة في السعودية. لكن ترامب توصل في النهاية إلى اتفاق مع مستثمرين من هونج كونج لإنقاذ مشاريعه العقارية وتوسط توم لدى البنك لتمديد المهلة الممنوحة لترامب لترتيب أوضاعه المالية. كما استثمر توم براك في بعض المشاريع العقارية المتعثرة لصهر ترامب جاريد كوشنير.