بات مؤكدا أن العلاقة بين الولاياتالمتحدة وجماعة الإخوان المسلمين قوية جدا، وان هناك حالة من الرضا لدي الإدارة الأمريكية الحالية علي وصول جماعة الإخوان المسلمين إلي رأس السلطة في مصر، ولكن يبقي التساؤل الذي تفرضه وقائع الأمور، هل ستستمر العلاقات المصرية الأمريكية علي نفس النهج الذي كانت عليه في عهد مبارك، أم أن هناك تغييرات ستطرأ علي هذه العلاقة، وهذا السؤال المحير الذي قد يستنفذ فيه المحللون السياسيون العديد من الأوراق والأقلام، حاول الإسرائيليون علي الجانب الآخر الإجابة عنه، حيث يرون في التعاون الأمريكي الإخواني خطرا علي وجود الكيان الصهيوني، لاسيما مع التوقعات الإسرائيلية الخبيثة بأن مصر الإخوانية ستكون أكبر داعم للجماعات الإرهابية باستثناء تنظيم «القاعدة»، كما ان مصر لن تواجه طهران من أجل واشنطن، وبهذا تكون الولاياتالمتحدة قد خسرت رهانها علي الجماعة. ويري الكاتب الإسرائيلي باري روبين في تقرير له نشره الموقع الخاص بمركز جلوريا الذي يترأسه أن العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة شهدت تغيرا كبيرا في الفترة الأخيرة نظرا لسياسة أوباما التي تحابي الرئيس المصري محمد مرسي أو جماعة الإخوان المسلمين. وأشار روبين إلي أن الحكومة الأمريكية كانت قد طلبت من مرسي تفتيش سفينة إيرانية كان يشتبه أنها تحمل أسلحة إلي سوريا وكان عليها عبور قناة السويس، لافتا إلي أن هذا الطلب الأمريكي كان في مصلحة مصر التي تدعم المتمردين بينما تدعم طهران نظام بشار الأسد، مع ذلك تجاهل مرسي المطلب الأمريكي وسمح بعبور السفينة. وأضاف روبين أن مرسي لم يلتفت إلي النصائح الأمريكية علي الرغم من المساعدات الأمريكية لمصر والتي استمرت خلال ثلاثة عقود، إضافة إلي منح مصر تراخيص لإنتاج الدبابات الأمريكية وغيرها من المعدات والدعم الاستراتيجي المتواصل للقاهرة، ودعوة أوباما لمرسي لزيارة واشنطن، إلا ان كل هذه الأمور لم تمنع مرسي من زيارة طهران والمشاركة في قمة عدم الانحياز هناك. وتساءل روبين هل هذا الأمر يعني أن مصر تتجه إلي التحالف مع إيران؟ والإجابة هي لا، بل إن مصر ستستمر في القتال ضد إيران، والأكثر من ذلك أن كل من الدولتين سوف تقتل عملاء الأخري، ولكن كل الأحداث السابقة تعني أن مرسي لا يشعر بالود تجاه الولاياتالمتحدة كما هو الحال مع طهران، وأن القاهرة لن تحرك ساكنا لمساعدة واشنطن ضد طهران، بل علي العكس سوف تعمل جماعة الإخوان المسلمين علي تقديم المزيد من الإسلاميين السنيين المناهضين للولايات المتحدة ومساعدتهم للوصول للسلطة في عدة دول وزعم روبين أن اتجاه مرسي لدعم الإسلاميين السنيين هو الذي دفعه لأن يدعو خلال مؤتمر عدم الانحياز في طهران لقلب الحكم في سوريا، ونجح مرسي في ان يثير جنون المصريين بشكل باهر، لكن إيران حاولت ترجمة الخطاب بشكل غير صحيح حتي لا يظهر مرسي وكأنه يدعم نظام الأسد. قال روبين إن تقاعس أوباما كان السبب في وصول الإسلاميين للحكم في مصر، كما كان تقاعس جيمي كارتر السبب في وصول الإسلاميين للحكم في طهران. الأمر الذي جعل مصر أكبر دولة عربية تتحول من أهم حليف لأمريكا ضد التهديد الإيراني، إلي محايد بين واشنطنوطهران في أحسن الأحوال، علي الرغم من أن لديها القدرة علي مساعدة واشنطن. كما تحولت مصر من وجهة نظر روبين من أكبر دولة تسعي لتفعيل السلام العربي الإسرائيلي، إلي دولة تسعي لتوسيع رقعة الصراع وحتي الذهاب إلي الحرب. كما تحولت مصر من أكبر دولة عربية تعاون الولاياتالمتحدة في مكافحة الإرهاب الدولي، إلي دولة حليفة للجماعات الإرهابية الدولية باستثناء تلك التي تستهدف مصر في بعض الأحيان. وأشار روبين إلي الاتهام الذي وجهه احد حاخامات اليهود الذين التقي بهم أوباما في أمريكا وكان عددهم 600، حيث قال له إنه ساند الثورات العربية التي الحقت الخسائر والأضرار وعدم الاستقرار في الدول العربية وتم سحب الاستثمارات الأجنبية من هذه الدول بشكل لم يحدث من قبل في التاريخ، كما الحقت أضرارا اقتصادية بإسرائيل بعدما تم قطع الغاز الواصل بينها وبين مصر، ورغم ذلك تستمر الإدارة الأمريكية في دعم الأنظمة الجديدة. والأكثر من ذلك وفقا لروبين هو ان وزير الدفاع الأمريكي أكد عقب لقائه بمرسي، ان الأخير هو رجل المرحلة وانه سيلتزم بكل الإصلاحات الديمقراطية المأمولة وأنه يمثل كل المصريين. وتساءل روبين كيف عرف بانيتا كل هذه الأمور؟ بينما أجاب علي نفسه أن بانيتا علم كل ذلك من خلال كلام مرسي نفسه، بمعني أن مرسي قبل أن يفعل أي شيء حصل علي الختم الأمريكي علي وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر، ولن يضطر مرسي لفعل أي شئ في المستقبل للولايات المتحدة حتي يثبت انه جدير بالمنصب، بل والأكثر من ذلك قد يحصل مرسي علي جائزة نوبل للسلام بسبب هذا الدعم الأمريكي قال روبين انه ليس هناك سبب لتصديق ان مرسي سوف يتخلي عن أفكار الجماعة وانه لن يحقق مصالحها وقد يضطر إلي مواجهتها في بعض الحيان، بل سيكون أكثر اعتدالا، لكن كل هذا لن يحدث وفقا لروبين. وأشار روبين إلي تصريح بانيتا الذي قال فيه أنه اتفق مع مرسي علي مواجهة الإرهاب المتمثل في تنظيم «القاعدة»، موضحا أن مصر تحت رئاسة مرسي بالفعل قد تحارب تنظيم «القاعدة»، لكن هل يمكن أن لمصر أن تواجه الجماعات السلفية الإرهابية فضلا عن حماس التي تضعها الولاياتالمتحدة علي قائمة الإرهاب، إضافة إلي عدد آخر من الجماعات الإرهابية التي لا تختلف فكريا عن جماعة الإخوان المسلمين، والإجابة هنا بالتأكيد لا. وأشار روبين غلي انه في اللحظة التي كان يجتمع فيها بانيتا مع مرسي، كان يتم الإفراج عن الإرهابيين وفقا لوصف روبين المتواجدين في السجون المصرية، وكان من بينهم عناصر من حركة الجهاد الإسلامي وهي الحركة التي تعد جزء من ائتلاف تنظيم «القاعدة». كما أشار روبين إلي أن مرسي لفت نظر بانيتا إلي أن ابنه مواطنا أمريكيا، وانه قد يصبح يوما ما رئيسا للولايات المتحدة، في محاولة منه لإيجاد علاقة شخصية بينه وبين أمريكا. وأضاف روبين بعد كل هذا الكم من المؤشرات، بالطبع يمكن للولايات المتحدة أن تضغط علي مصر لسحب قواتها من سيناء، إعمالا لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ولكن المشكلة هو ما الإعلان عنه بالإعلام المصري عن ان الحكومة المصرية توصلت لاتفاق مع الجماعات المسلحة في سيناء ولكن إلي متي سيتم تفعيل هذا الاتفاق،وهل المقابل هو الإفراج هن العناصر التابعة لهم المعتقلة بالسجون المصرية. وأضاف روبين أن جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن الوثوق بها فهي معروفة بانتهاز الفرص،واستشهد روبين علي ذلك بتصريحات للمحلل السياسي سعد الدين إبراهيم الذي اكد ان جماعة الإخوان المسلمين تحاول الاستفادة من الثورة قدر المستطاع، وتسعي للسيطرة علي كل شيء في مصر حتي دون وجه حق. ومن ناحية اخري وبعد مرور أكثر من شهرين علي وصول مرسي، لاتزال الآراء حوله بين مؤيد ومعارض وبين ما إذا كان سيستطيع الوفاء بتعهداته أم لا؟!.. وهل بالفعل مرسي هو الرئيس الذي سيستطيع تحقيق أمنيات المصريين أم لا؟!.. هذه الشخصية المحيرة لمرسي الذي ظهر بأكثر من مناسبة وبردود فعل مختلفة أثارت فضول الكاتب الإسرائيلي جيكي خوري الخبير بالشِأن المصري الذي قال في مقال له بموقع جلوبس، ان الرئيس المصري محمد مرسي يبدو وكأنه رجل أعمال محنك، من خلال زياراته المتتابعة سواء في السعودية أو الصين أو إيران أو حتي زيارته للقوات المصرية في سيناء بعد الحادث الأليم الذي استشهد خلاله 16 جنديا وضابطا مصريا. وأضاف خوري ان مرسي يريد ان يبعث جوا من الراحة في كل الاتجاهات، فهو يبارك ويحيي القيادة العسكرية، ويبعث رسائل تهدئة وسلام لإسرائيل، ويستضيف إسماعيل هنية وأبو مازن، ويتعهد بالتوسط بينهما للوصول إلي المصالحة، ويعرب عن قلقه علي أصحاب المعاشات والمرأة والأقباط، وهو بكل ذلك يبتعد تماما عن النهج الذي سار عليه مبارك وحاشيته. وذكر خوري أن الاتهام الموجه لمرسي هو أنه يعمل علي الدفاع عن المتشددين منذ وصوله لكرسي الرئاسة، هذا الخطأ اتضح تماما قبل ان يكمل مائة يوم وهو بالمنصب، وقبل ان يلتزم مرسي بفكرة الدولة الدينية، أو ترسيخ قيم الثورة، يريد الشعب المصري العمل الدءوب، وفي حالة تخاذله سيكون الثمن هو منصبه ، وإن كان مرسي يحتمي بلحيته الطويلة إلا أنه يعلم هو وأصدقاؤه أن الشعب المصري لم يكن ليستبدل طاغية علمانية بدكتاتور إسلامي. وأضاف خوري أنه منذ عام اتضح ان الإسلام السياسي أصبح مسيطرا علي مصر، وكان هناك اعتقاد بأن مرسي قد يعقد اتفاقا مع إيران، لكنه خذلهم وأغضبهم حين استضافوه في طهران، حيث قام مرسي في حضور المرشد الأعلي علي خمينئي ، بشجب حليف طهران بشار الأسد، بينما أثني الرموز السنية الكبري وهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان. وذكر خوري ان كل التقارير التي جاءت من مصر تؤكد أن قرار مرسي بإقالة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان، وعين بدلا منهما عبدالفتاح السيسي و صدقي صبحي، وهما من جيل الضباط الصغير بقيادة الجيش بينما امتثل طنطاوي للقرار دون أن يتحدث وهذا يعني أنه لا يستطيع أن يعارض قرارات الضباط الأصغر منه. ووفقا لخوري إذا كان مرسي يريد ان يدخل التاريخ عليه ان ينقذ القاهرة المتهالكة خلال سنة ونصف من المرحلة الانتقالية، وعدم الاستقرار السياسي، لافتا إلي ان مرسي ليس له يد في إقالة المشير إلا أن هناك ارتياحا لمرسي في هذا الشأن علي أساس أنه مهندس هذه الإقالة. وأوضح خوري أن قوة السيسي نابعة ليس فقط من خلال وظيفته الهامة في قلب الضباط الصغار، ولكنه أيضا جاء لينهي فترة الجمهورية المصرية الأولي، التي أسسها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر. وأضاف خوري أن الضباط الصغار الذين يحكمون مصر إلي جانب مرسي حاليا هم من العلمانيين، الذين تربوا خلال عصر حديث تنامي وازدهر فيه التوجه الغربي لإدارة الدولة. وعلي عكس طنطاوي والضباط الآخرين من جيله، الذين استطاعوا أن يجنوا ثروة كبيرة من خلال تصويرهم للجيش كبقرة مقدسة، الجيل الجديد من الضباط سوف يعملون تحت مراقبة من الشعب، والإخوان المسلمين ووسائل الإعلام التي أصبحت أكثر حرية مما كانت عليه في السابق. ولفت خوري إلي ان توجهات مرسي المتواضعة أدت إلي تقويض التوتر الذي ميز السياسة المصرية في الفترة الأخيرة، وهذا الأمر قد يساهم في نمو الاقتصاد المتردي. كما أوضح خوري أن خلال السنة ونصف بعد سقوط مبارك اتضح أن انخراط الإخوان المسلمين في السياسة امر منته، لكن السلطة الحالية في مصر كما يراها خوري هي سلطة ائتلافية مكونة من جيل جديد من الضباط والمؤسسة الدينية القوية، وكلاهما يعلم جيدا ان مصر كانت و لاتزال أكبر من حكامها، وكل من حكمها دفع ثمن أخطائه الواحد تلو الآخر.